من مصر: المخرج ثامر جلهوم في موضوع:” زمن الأقنعة”.

إعداد سعيد الهياق//
ثقافة القناع عند الإنسان تختلف عبر العصور التاريخية. و كل المجتمعات البشرية عبر السيرورة التاريخية كانت لها أعراف و تقاليد تميز طقوس نمط حياة شعوبها منها الأقنعة و كافة مختلف أشكال الطوطم حسب معتقداتها. و مع ظهور المسرح عند اليونان ارتبطت ثقافة القناع بالاحتفاليات و المناسبات الدينية.
و للكاتب و المخرج المصري ثامر جلهوم صاحب مجموعة من الأعمال الفنية و المسرحية و المسلسلات التاريخية منها مسلسل ” إلا رسول الله” الحائز على عدة جوائز دولية؛ قراءة خاصة لثقافة الأقنعة. و في حوار عن بعد، كان لنا سؤال للمخرج: كيف يقرأ الفنان ثامر جلهوم واقع القناع في ظل الحجر الصحي ؟

زمن الأقنعة (Masks time)
عندما أتجول بين الناس أرى وجوهاً قد تتساقط منها الأقنعة فتعجبت..! فإننا نصادف الكثير من الأشخاص فى حياتنا كل يوم ونتعرف على الملايين من البشر فهناك أصناف مختلفة الطباع كاختلاف الأطعمة ومذاقات التعامل معهم متباينة كتباين مذاقات الأشربة لا تستطيع التمييز بينها إلا بتذوقها. وكذلك البشر نجد فى حياتنا الكثير من البشر الذين لبسوا الأقنعة و التخفي وراءها ويظهرون فى مسرح الحياة بوجوه عديدة حسب متطلبات الحياة و الأمر المتفاقم أن هذه الوجوه لا تعرف فداحة ما تفعل فتتمادى فيما هي عليه ظناً منها أن فعلها صحيح يأسى القلب ويتألم حينما تكتشف الأقنعة. و تتحول الوجوه الجميلة التي عهدناها إلى وجوه قبيحة لا تستطيع التطلع نحوها فمشكلة بعض الناس أن نفوسهم تنطوي على طباع سيئة وعوضاً عن تقويمها يلجؤون إلى الأقنعة المزيفة مثل (لوكي ) هذا الرجل الذي كان يملك ألف وجه كان أسمه لوكي( إسم على مسمى ) فهو رئيس إستخبارات الحاكم كان هناك مجتمع يشبه مجتمعنا الذى نعيش فيه الاَن و كل مجتمع به الفرح والحزن و الضحك فكان هناك حاكم المجتمع بغض النظر عن حكمه لكن كان هذا لوكي ينقل أخبار الناس إليه بس على كل لون؟؟ يطرق أبوابهم ويحنحن ويأخذ وينطي بالكلام فكان يتكلم عن الحاكم بكلام وظلمه له و يروح ينافق عند الحاكم بالكلام حسب ما يريد. فذات مرة مرض الحاكم و أصيب بمرض في الكليتين و استدعى الأمر أن يزرع كلية ليتمكن من العيش لأجل ذلك كان لا بد أن يتبرع له أحد ما بإحدى كليتيه و أذيع الأمر على التلفاز و الراديو و في الصحف و المجلات. فخرج الشعب المقهور إلى الشارع هاتفاً رغماً عنه و بضغط الأجهزة الإستخبارية بالروح بالدم نفديك يا زعيم و الكل يعلم ما بينه و بين نفسه أنه ينافق و يكذب وكان لوكي في مقدمة الهاتفين فوقف الحاكم في شرفة قصره بين حراسه و حمايته وأركان نظامه يلوح بيديه للشعب ثم خاطبهم قائلاً أعلم أنكم تفدونني كلكم بأرواحكم لذلك لن أعطي شرف منحي الكلية من أحدكم فأفضله على الآخر والحل أني سأرمي ريشة طائر من شرفتي هذه فمن تقع عليه الريشة سآخذ منه الكلية. و بالفعل رمى الحاكم الريشة و حلقت في الهواء بدأ الشعب هنا بالهتاف : بالروح بالدم نفديك يازعيم لكن الهتاف اختلف هنا فمع كل كلمة وكلمة كانت نفخاتهم تشتد بحيث أن الريشة بقيت معلقة في الهواء و لم تسقط على أحد. و كان لوكي من أشد الذين ينفخون حتى لاتسقط عليه الريشة فأنا أتسأل من هو المنافق و من يستغبي الآخر؟؟فكم يعيش معنا من منافق كم وكم ؟!
فعجبي على غدر البشر ..!
عندما تعطي بلا حدود و بلا مقابل عندما تقدم كل مالديك وتبذل كل مافي وسعك لتحقيق السعادة لهم و فجأة تسقط الأقنعة ! و تنكشف أمامك الوجوه الزائفة وتصاب بالصدمة وخيبة الأمل !
فهل السبب أنك لم تفهم نواياهم من البداية و تعاملت معهم بوجهك الحقيقي وكنت كريماً معهم فأخذت بأيديهم و لم تبخل عليهم بكل مالديك فأصابهم الغرور حتى تعدوا عليك أنت و اعتقدوا بأنهم وصلوا لمبتغاهم وليسوا بحاجه إليك …!
فأنشأوا الأحزاب و شنوا الحروب ضدك و تصارعوا حتى يصعدوا على أكتافك ويعملون جاهدين لأن يزيحوك من مكانك حتى لاتكون عقبة في مسيرتهم فأنت الوحيد الذي تعلم كيف وصلوا ؟ و كيف سرقوا أفكارك ومجهودك ؟ وكيف تعلموا منك ؟ و كما كنت كريماً معهم كانوا أيضاً كرماء معك فلم يبخلوا عليك بجرح مشاعرك وترك الألم و الحسرة بداخلك حينها فقط تتضح لك الصورة بعد أن أحاطها إطار الغدر و إمتلأت زواياها برائحة الخيانة. فاعلم أنه لم يعد لتلك الصورة مكان في حياتك وتستحق أن تسقط بها في سلة مهملات عقلك و قلبك بعد أن سقطوا من عينك فعندما يتعامل الإنسان مع غيره بنيته الصافية يضحك و يتكلم. و كأنه يعرفهم منذ سنوات حتى يرفع هذا الحاجز بينهم و حتى لا يشعر أحداً منهم بالغربة. و لكن للحظة يصدم بأن من خلفه تتقاذف الكلمات و طيبة قلبه تمنعه من رأيتها حتى يأتي ذلك السم القاتل ليصحيه إلى واقعه وليفتح عينيه على واقع لم يراه فيزيل غشاء البلاهة عن عينيه ليرى من أحبهم وأعتبرهم كأخوة له يتحدثون عنه بسوء، و لكن ليس هذا خطئهم ..!!!.
الخطأ الأكبر هو أن الحياة أصبحت لا تستقبل من هو قلبه مملوء بالمحبة و الطيبة و الرحمة. ومن لايعرف التصنع و النفاق أصبحت الحياة تفرض عليه قناع الكذب و الخداع قناع لا تقبلك الحياة من دونه أصبحت الحياة كارتداء الأقنعة فكل منا يرتدي قناعاً لا يرتبط معه بأي صلة. كل منا يبدي المحبة للآخر و هو في قلبه حقد كبير و كراهية. فخلف كل قناع وحش كاسر قناع أراه و أنا مندهش فأنا لست مرغوب فأنا لا أملك قناع لأرتديه قناع يخفي ملامحي الطيبة قناع يخفي بريق البراءة في عيني يخفي إبتسامة المحبة المرسومة على ثغري قناع أساسه النفاق. و الكذب و الحقد فحياتنا أصبحت كارتداء الأقنعة و إستبدالها على الوجوه. فأنا لا أستطيع العيش فيها فلا أستطيع ارتداء ذلك القناع فإن أرتديته أنتهت حياتي وأنتهى وجودي في هذا العالم .
فهذه الحياة تفرض علينا مبدأ أن كل ” طيب = غبي ” !
فهل هذا صحيح !!
لماذا هذه القسوة أصبحت في الحياة ؟!
فأنا أفضل أن أعيش وحيد متألم حزين على أن أعيش في حياة الأقنعة هذه ..!
وعلى أمل أن أعود و قد انتهت هذه الحياة السخيفة على أن تنتهي حياة الخداع و النفاق و المجاملة سأعود عندما تعود ألوان الحياة الزاهية المليئة بالأمل و الحب. و عندما تتساقط تلك الأقنعة تلك الوجوه الباسمة فعندما تنتهي زمن الأقنعة سأكون أول العائدين. و في النهاية أختم مقالتي و أقول لكل من يختبئ خلف قناع مزيف يحمل وراءه ماوراءه كفـاكم زيفاً كفانا سذاجة. و لتسقطوا كل المعاني الكاذبة فلقد ولى زمن الأقنعة ، ولن يدوم سوى الصدق بكل معانيه.
الكاتب والمخرج / #تامر_جلهوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد