من ذاكرة أمريك الحلقة 7/30 : جمعية الجامعة الصيفية بأكادير: منتدى “قوة الحجة” في مقابل “حجة القوة”

7/30 جمعية الجامعة الصيفية بأكادير: منتدى “قوة الحجة” في مقابل “حجة القوة”

أزول بريس – الحسين أيت باحسين //

“الذي لا ذاكرة له، لا تاريخ له”

 بول ريكور

بعد عودة مناضلي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي من فرنسا حيث استكملوا دراساتهم الجامعية، وبعد ظهور جمعيات ثقافية جديدة تهتم بالقضية الأمازيغية (الجمعية المغربية معارف وثقافة 1975 بالرباط؛ جمعية الانطلاقة الثقافية يناير 1978 بالناضور؛ “الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية” 16 أكتوبر 1978 بالرباط والتي ستعرف فيما بعد ب”جمعية تاماينوت” ثم حاليا بمنظمة “تاماينوت”؛ “الجمعية الثقافية لسوس 1980 بالدار البيضاء؛ “الجمعية الثقافية أمازيغ” 1979 بالرباط)؛ وبعد أن تعزز، بتأسيس هذه الجمعيات، العمل الثقافي الأمازيغي بكل من الرباط والدار البيضاء وثم توسيعه نحو عاصمتي سوس (أكادير) والريف (الناضور)؛ وبعد أن عززت أمريك إصداراتها بكتاب الأستاذ أحمد بوكوس: Langue et culture populaires au Maroc (1977) وبعد أن تشكل توجهان ضمن هذه الجمعيات: أحدهما يتجه نحو العمل الجماهيري (الانطلاقة الثقافية وتاماينوت) وثانيهما يتجه نحو مقاربة الوساطة الثقافية (باقي الجمعية المذكورة أعلاه)؛ بعد هذه الحيثيات ستأخذ الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي مبادرة العمل والتنسيق من أجل خلق منبر يجمع بين التوجهين تتحاور فيه الحركة الثقافية الأمازيغية فيما بين مكوناتها وبينها وبين مختلف الفعاليات الثقافية والسياسية الوطنية من أجل الدفع بكافة مكونات المجتمع المغربي إلى تكريس الخطاب الأمازيغي انطلاقا مما تأسس خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ومما تحصل لدي مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية من تراكم معرفي علمي وأكاديمي خلال هذه الفترة.
وبعد مجموعة من اللقاءات والاستشارات حول طبيعة المشروع والمنطقة المناسبة له، تقرر أن يكون المشروع عبارة عن جامعة صيفية تكون بمثابة ملتقى لكل الفاعلين الثقافيين في فترة الصيف وفي برنامج ثقافي محدد (ويعود هذا المقترح للمهندس المعماري السيد أحمد الحريري)، واقترحت للمشروع تسمية : “جمعية الجامعة الصيفية” واختير لها كفضاء الانعقاد مدينة أكادير، ليصبح إسمها: “جمعية الجامعة الصيفية بأكادير”. وتجدر الإشارة إلى أن اختيار مدينة أكادير يعود إلى كون أن هذه المدينة، التي أريد لها أن تكون مجرد وجهة سياحية، تستحق، كما جاء في الأرضية الثقافية لتأسيس الجمعية، أن تتاح لها الفرص لتطوير إيجابيات إقليمها الفكرية والثقافية والتصدي لكل أشكال الاستيلاب المتمثل في فرض السياحة على المدينة. بعد ذلك عقد جمع عام بمنزل الأستاذ الحسن كاحمو وتقرر في هذا الجمع العام أن تعقد أول دورة لهذه الجامعة الصيفية من 18 إلى 31 غشت 1980 تحت شعار: “الثقافة الشعبية الوحدة في التنوع”. فثم الشروع في التحضير والإعداد الماديين والمعنويين للدورة، وثم تحديد لجان التحضير (لجنة التنظيم، لجنة البحث والدراسات ولجنة التحرير؛ التي ستتم الإشارة إلى أعضاء كل منها في إحدى التعاليق على هذه التدوينة). كما تم الشروع في الاتصال مع من سيشاركون في أشغال الدورة التي ستدوم مدة أسبوعين.
لكن نظرا لكون أكادير خاضعة، من جهة، لتدبير حزب الاتحاد لاشتراكي المناوئ، آنذاك، للقضية الأمازيغية، ومن جهة أخرى، لتأثير علماء سوس الذين يعتبرون أعضاء الجمعية المغربية للبحث والتبادل ثقافي مناوئين للغة العربية وللقيم الدينية، بل ويعتبر بعضهم بعض مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية بمثابة ملحدين؛ وتحسبا لمحاولات هؤلاء وأولئك لنسف أشغال الدورة، فقد قامت الجمعية بالاتصال ببعض العناصر المتعاطفة مع الجمعية المنتمين لهؤلاء ولأولئك قصد القيام بوساطات توضح الأهداف الحقيقة للمبادرة. إلى جانب ما يمكن أن يلحق أشغال الدورة من طرف هذين التيارين، صادفت الدورة أحداث سياسية خارج الوطن وداخله من شأنها أن تعيق انعقاد الدورة. ففي خارج الوطن وقعت أحداث في “تيزي ووزو” بالجزائر، وداخل الوطن ألقت تلك الأحداث بظلالها على المغرب منضافة إلى الظرف السياسي الذي كان يعيشه المغرب في مواجهة خصوم الوحدة الترابية للمغرب. وفعلا عرفت الدورة أحداثا كثيرة ومتنوعة وأحيانا مؤثرة إلى درجة كانت تهدد بنسف اللقاء، نتيجة ما تم توقعه من طرف كل الأطراف المشار إليها, لكن بحكمة كل من المنظمين والمحاضرين تم تفادي منح الفرص المجانية للمناهضين للأمازيغية للحيلولة دون الوصول إلى غايتهم المنشودة. بل إن بعض ممن عملوا على نسف أشغال الدورة سيلتحقون بالحركة الأمازيغية ويكرسوا حياتهم الشخصية والمهنية للمساهمة في نقل الأمازيغية من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري والحداثي نضالا وأكاديميا (تكفي الإشارة إلى الأستاذ الحسين وعزي الذي أنجز دكتوراة الدولة في العلوم السياسية حول موضوع: “نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب: تحليل سيرورة تحول الوعي بالهوية الأمازيغية من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري)، والتحق بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وأطر كثيرا من البحوث الجامعية في ذات الموضوع.
لقد كانت المداخلات مقنعة في المستوى الأكاديمي-العلمي ومدعمة بقوة الحجة والبعد كل البعد عن السطحية والانفعال. واعتبر ذلك بداية خروج للخطاب الأمازيغي الرزين والحريص على تدقيق المفاهيم والمستهدف حداثته وانتشاله من براثين النظرة الدونية والتبخيسية، ذلك الخطاب الذي تمت بلورته طيلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي. ومع طبع أشغال الدورة الأولى لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير ونشرها أصبح الجميع مقتنعا أن الأمر أصبح جديا وأن هذا الإصدار سيصبح مرجعية أساسية لترسيخ الخطاب الأمازيغي. وفعلا ذلك ما حدث ويحدث؛ ولكن بعد أن أدى كثير من المناضلين ثمن ذلك، بالرغم من أن الجميع قد اقتنع بشرعية مطالب المدافعين عن القضية الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، كما أقر ذلك دستور المملكة لسنة 2011 فيما بعد.

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading