من الحوارات مع الراحل عبد العظيم الشناوي وحديث الذكريات ..
بمناسبة وفاة الفنان والإعلامي المقتدر عبد العظيم الشناوي رحمه الله، نعيد نشر أحد حواراته الشيقة حول تجربته، الحوار أجرته معه زبيدة الخواتري لموقع الجزيرة بتاريخ 28 أبريل 2016
لا يمكن أن تمر على أي مجال من مجالات الفرجة والفن والثقافة في المغرب دون أن يستوقفك اسم “عبد العظيم الشناوي” الذي يجر خلفه تاريخا زاخرا بالعطاء.. كان من أوائل الأسماء التي شقت طريقها في مجال المسرح والمغرب يرمي أول خطواته على درب الاستقلال من ربقة الاستعمار الفرنسي. درس السينما بمصر الشقيقة، التي كانت قبلة المغاربة من أجل النضال وقبلتهم من أجل التحصيل العلمي والفني، تاريخ عبد العظيم الشناوي هو تاريخ وطن وشعب توّاق للحرية وللجمال والعدل، لذا جاءت أعماله تعبيرا عن هذا الطموح ومساهمة في إرساء دعائم مجتمع يسوده الوعي، حكيم المسرح كما يُطلق عليه انتقل بين المسرح والإذاعة والتلفزة والسينما ممثلا ومذيعا ومخرجا، ولايزال مليئا بالطموح والعطاء، في هذا الحوار نستكشف جزءا من مسيرته..
عبد العظيم الشناوي
عبد العظيم الشناوي، ابن المدينة القديمة، الذي ترعرع بحي مقاوم هو درب السلطان، الفنان الذي يجر خلفه تاريخا غنيا بالعطاء ابتداء من مسرحية ” الصيدلي” التي ألفها وقدمها برفقة أعضاء من فرقة مغمورة بمدينة الدار البيضاء والتي لفتت موهبته نظرَ فنان كبير كالطيب لعلج لتصبح ضمن فرقته المسرحية ابتداء من نهاية الخمسينيات من القرن الماضي… ماذا يمكن أن تقول لنا عن تلك المحطة؟
بدأت في الأربعينيات من القرن الماضي، كان ذلك والمغرب يرزح تحت نير الاستعمار، كنت طفلا صغيرا، عندما اجتذبني القدر باتجاه المسرح. في تلك الفترة كانت عادة المواطنين عندما يقيمون أعراسهم أن يجلبوا فرقا غنائية يطلق عليها “أولاد الوطن” لأن أغانيهم في معظمها كانت تحمل رسائل مشفرة تستنهض الهمم وتعادي المستعمر، أو يقيمون حفلاتهم من خلال استدعاء فرق مسرحية لا تحيد عن هذا المضمون المناهض للمستعمر. وفي واحدة من هذه المناسبات أقام جيران لنا عرسا ستضطلع بإحيائه فرقة مسرحية، وشاءت الصدفة أن تحتاج هذه الفرقة لطفل صغير ليمثل دور كبش أضحية العيد، وسيخرج أحد أعضاء الفرقة ليبحث عن هذا الطفل الذي سيلعب القدر ليضعني في طريقه، حيث سيلقنني دوري والحوار المقتصر على ترديد ثغاء الخروف “ماء ماء ..”، ولن يقف الأمر عند تلك الليلة، إذ سيتم اقناع عائلتي بالانضمام إلى هذه الفرقة المسرحية المحلية وعمري لا يتجاوز الثماني سنوات.
كانت عائلتي تقطن حي درب السلطان، كانت هناك ساحة فارغة قرب قصارية الحفاري (دكاكين تباع فيها الملابس وحلي النساء)،في تلك الساحة كانت تقام خلال شهر رمضان، من تلك الفترة الموغلة في الذاكرة والوجدان، خشبة للعروض الفنية والمسرحية بالخصوص، حيث كانت الأسر ترتاد كل ليلة، من ليالي رمضان، الساحةَ لمشاهدة العروض الفنية، تلك العروض التي كان الوطنيون يمررون من خلالها رسائلهم إلى الشعب، ويمررون كل القيم التي تدعو إلى الإخلاص للوطن والوفاء والتكافل.
في هذه الفترة كنت أدرس بمدرسة محمد بن يوسف المسماة المحمدية، ثم درست بإعدادية الأزهر الأولى التي كانت توجد قرب منطقة بياضة. اشتغلت لاحقا بالتلفزة بالدار البيضاء (شركة تيلما) وهي شركة فرنسية، كانت أول شركة في أفريقيا مقرها بالمغرب، مع نفي الملك محمد الخامس توقفنا عن العمل، وعندما حصل المغرب على استقلاله كانت توجد بدرب السلطان بالدار البيضاء فرقة مسرحية وحيدة للبشير لعلج…بعد ذلك أصبحت هناك 150 فرقة مسرحية للهواة.
في الخمسينيات من القرن الماضي حطت بكم الرحال بمصر الشقيقة من أجل دراسة السينما، أولا لماذا السينما وليس المسرح؟ وماذا عن هذه التجربة خصوصا أن مصر أنداك كانت ساحة ساخنة على المستوى السياسي وطليعية على المستوى الإبداعي والفني مقارنة مع بقية البلدان العربية الأخرى؟
توجهت إلى مصر سنة 1959 لدراسة السينما بعد الحصول على منحة من وزارة الخارجية وأخرى من وزارة التعليم، كان من أساتذتي عميد المعهد بجامعة عين شمس الأستاذ محمد كريم، مخرج أفلاح عبد الحليم حافظ، وكان من أصدقائي الفنان توفيق الدقن ومحرم فؤاد.
وقتها أخبرني محرم فؤاد عن مشروع تصوير فيلم” حسن ونعيمة” صحبة سعاد حسني، لقد كان حدثا بالنسبة لي، وهو الفيلم الذي سأشاهده ويشاهده المغاربة فيما بعد وتلقب به كل علاقة حب بين اثنين.
عندما أنهيت دراستي طلب مني الأستاذ محمد كريم أن أبقى بمصر لأصنع اسمي لكنني فضلت أن أعود إلى بلدي وكلي عزيمة ممزوجة بالفرح لخدمة السينما بوطني، للأسف لم أجد لا سينما ولا يحزنون، كان هناك استديو واحد بالرباط بحي السويسي اشتغلت فيه “دوبليرا” كنت وقتها صحبة البشير لعلج.
17 سبتمبر1959 كنت عضو المكتب الأفريقي لحقوق التأليف إذ كنت مؤلفا، فقد ألفت أكثر من 22 مسرحية، لم أكن أقتبس… كنت قد راكمت تجربة في مجال المسرح وكان للسينما إغراؤها آنذاك، لذا اخترت أن أدرس السينما بالقاهرة وليس المسرح.
تجربة تأسيس فرقة “الأخوة العربية” سنة 1961، بعد عودتكم من مصر، يحمل نفحة من شعار “الوحدة العربية”، ماذا عن ظروف تأسيس هذه الفرقة وعن مسارها؟
تكوين فرقة:” الأخوة العربية” والتي أنتجت من خلالها أكثر من 18 مسرحية وتخرج منها زبدة الممثلين المغاربة من مثل: مجد محمد، هلال عبد اللطيف، عائد موهوب، البشير اسكيرج… وغيرهم. كانت من بين مشاريعي حتى قبل أن أذهب إلى الدراسة في القاهرة. الغريب وقتها ألا تكون مؤمنا بالوحدة العربية، عندما اخترنا اسم الفرقة كان هناك اعتراض رسمي على التسمية لكننا تشبثنا بها. الفرقة تخرجت منها أسماء كبيرة في الساحة الفنية على سبيل المثال لا الحصر كان هناك الفنان صلاح الدين بن موسى، ثريا جبران (أنا من سميتها ثريا جبران، كنا في حاجة إلى طفلة فأخبرني محمد جبران بوجود طفلة هي أخت زوجته مع ملاحظة أنها قد لا تصلح للتمثيل وعندما أحضرها كانت طفلة نحيفة جدا ليس لديها المواصفات الجمالية التي قد يحتاجها ممثل، كان اسمها السعدية قريطيف فاخترت لها اسم ثريا والاسم العائلي من الاسم العائلي لزوج أختها جبران، وعندما تم تعيينها وزيرة للثقافة تم ذلك بالاسم الذي اخترته لها وليس باسمها الحقيقي)، أول مسرحية سيظهر فيها مصطفى الزعري كانت من إنتاج فرقة الأخوة العربية. كان هناك أيضا نور الدين بكر، صلاح ديزان، مصطفى الداسوكين، محمد بن إبراهيم، زهور السليماني، سعاد صابر… وغيرهم.
وعلاقتك بالراحل الطيب الصديقي؟
كانت رائعة، كان يحضر عندما أكون في مرحلة تهيئة أحد أعمالي، لم يكن يأخذ مني مقابلا أبدا. كان له أخ بارع في الديكور اسمه “الصديق الصديقي” عمل معي في إعداد ديكور مسرحية “دار النسيان”… كانت هناك الممثلة المقتدرة نعيمة بوحمالة (والدها هو الذي أتى بها إلى الفرقة).
وماذا عن تجربة العمل الإذاعي؟
كان هناك برنامج تمثيلي يذاع يوم الأحد على الساعة 11 صباحا، عبر الراديو تحت عنوان “رفه عن نفسك”، وكان مؤلف مسرحياته هو الفنان القدير الطيب لعلج الذي كان يؤلف للبرنامج مسرحية كل أسبوع (منه تعلمت التأليف…) لقد كانت العروض المسرحية تعرض أيضا في القاعات السينمائية، مثل سينما الكواكب وفيردان، بحيث يتم عرض الفيلم، ثم تصعد فرقة موسيقية وبعدها العرض المسرحي. من الفرقة الغنائية أذكر أحمد البوزني، أحمد جبران، المعطي البيضاوي، لطيفة أمال… في المسرح كان الفنان بوشعيب البيضاوي يقوم بدور المرأة لكون الأسر لم تكن تسمح للنساء باعتلاء خشبة المسرح، وأول امرأة اعتلت الخشبة كانت الفنانة خديجة مجاهد.
عند حدوث زلزال مدينة أكادير المدمر ليلة 29 فبراير 1960 أصبح عملنا في الإذاعة هو طمأنة المواطنين، ربط الصلة بين سكان أكادير والمدن الأخرى، البحث عن المفقودين.. كان عملا مستمرا ليل نهار بدون توقف، حيث دخلت البلاد في حداد كامل وتضافرت جهود الدولة والمواطنين للتخفيف من آثار الكارثة.
وماذا عن تجربة العمل التلفزي؟
يرجع الفضل في تأسيس التلفزة المغربية بشكل كبير لسيد مولاي أحمد العلوي وزير السياحة آنذاك، وكان البث لا يتجاوز أربع ساعات باستثناء يوم السبت الذي يستمر فيه البث حتى الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة ليلا ، وكان البث يتم بشكل مباشر بحيث لم يكن هناك تصوير قبلي، ولذلك محاذيره وصعوباته إذ يفرض عليك الحذر الشديد حتى لا تخطيء.
من خلال التلفزيون بدأنا في إنتاج السهرات وقد بثت التلفزة العديد من أعمالي، بعد السهرات فكرت في إنتاج برامج للتلفزة والسهر على إخراجها فكان هناك برنامج “فواكه الإهداء” بحيث نراعي في الضيف الأول ابتداء اسمه بالألف والفاكهة التي عليه اختيارها تبتدئ بالألف والأغنية كذلك. كان هذا البرنامج يُبث يوم السبت ثم أصبح يبث السبت والثلاثاء للإقبال الذي كان عليه، سنة 1978 أخرجت برنامج “مع النجوم” وسنة 1979 “نادي المنوعات” وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي أخرجت برنامج “قناديل في شرفة الليل” كان التصوير يتم بمدينة الدار البيضاء.
عدت إلى القناة الثانية 2M من خلال برنامج “حظك هذا المساء” والذي استمر لسنتين 1998/1999..
حدثنا عن تجربتك في إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية بطنجة (Médi 1) والتي أُنشئت كمحطة سنة 1980 بتمويل (51%) مغربي و(49%) فرنسي، والتي تبث الآن كقناة تلفزية أيضا..
التحقت بهذه المحطة الدولية في نفس السنة التي أُنشئت فيها على أساس عقد مدته سنتان، كانت معي نعيمة لمشرقي وعبد القادر مطاع هما عادا فيما بعد وأنا قضيت عشرين سنة هناك، كانت فترة غنية جدا على مستوى العطاء الفني.
عبر محطة Médi 1، وخلال هذه الفترة، أخرجت أكثر من 50 برنامجا أولها “الفن في العالم” وآخرها برنامج إذاعي حول “الحرب العالمية الثانية” بلغت حلقاته لـــ 160 حلقة، كان الكاتب محمد شكري يشتغل على النص وكنت أنا أقوم بإذاعتها.. كان الطلبة يستفيدون من هذا البرنامج الوثائقي عبر الإذاعة عالم غريب، فبالكلمة تحاول تقريب المستمع من الأجواء يصاحبك في ذلك التأثيرات الصوتية والموسيقى، مما كان ينمي فكر المستمع ويطلق الحرية لخياله، الوثائقي البصري يحد من هذه الملكات بتحديد الأشياء…
كانت لدي تجربة مع الفيلم الوثائقي خلال الخمسينيات من القرن الماضي اشتغلت على فيلم “رحلة محمد الخامس إلى الشرق الأوسط” لبرنار روجي، وقد شملت هذه الرحلة زيارة الشقيقة مصر وحضور حفل تدشين السد العالي إلى جانب رئيس “الجمهورية العربية المتحدة”(التسمية السابقة لجمهورية مصر) إبان عهد جمال عبد الناصر.
لماذا غاب الحماس في تتبع السهرات وتقلصت الفرجة الجماعية؟
الناس انغمست في الكماليات، وأصبح هم توفير المال أكبر من اكتساب قيم جديدة أو من المتع النبيلة، تقلص الحيز الزمني الذي كان من قبل، إضافة لكون ظهور السينما حدّ كثيرا من الإقبال على المسرح، ووجود تلفزة بالمنزل وفرت على رب المنزل اصطحاب الأسرة إلى السينما مع غياب الأمن، والقرصنة هدمت الباقي، إذ يكفي خمسة دراهم للحصول على قرص به فيلم سينمائي.
هل تربطك صلة قرابة بكمال الشناوي أو مأمون الشناوي؟
سألني كمال الشناوي: “هل أنت من شناوى بمصر؟” قلت له:” أنا من شناويي المغرب، وأن أصل شناوى هو من المغرب”، فاسمي عبد العظيم واسمي العائلي شناوي واسم والدي أحمد، فأنا عبد العظيم أحمد شناوي.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.