من التاريخ الى الشاشة: أنوال..المعركة الثانية

  • محمد بكريم //

السينما المغربية والتاريخ إشكالية تخترقها عدة تساؤلات وجزء منها يأتي من فاعلين قادمين من خارج السينما. في البرلمان مثلا كم من مرة تطرح على السينما المغربية أسئلة من العيار الثقيل كالحديث عن تجاهلها لتاريخ الوطن والأمة وعن صمتها حول بعض القضايا “الوطنية”. أسئلة في عموميتها بل وجهلها أحيانا تدخل في زاوية “دعوة حق يراد بها باطل”.

والحاصل ان السينما المغربية اذا كانت اليوم تحظى بغير قليل من المشروعية المجنمعية فذلك يتأسس على قاعدة انخراطها المبكر في مساءلة وقراءة المجتمع المغربي وقضاياه الذاتية والجمعية من وجهة نظر فنية ومقاربة سينمائية أولا. والتاريخ حاضر بهذا الشكل أو ذاك في المتن الفلمي المغربي الحديث.

وقد شهدت هذه السنة مثلا عرض فيلمين مغربيين يقاربان التاريخ المغربي انطلاقا من كتابة متميزة، على مستوى السيناريو ومستوى معالجته سينمائيا. اقصد فيلم “فاس صيف 55” لعبد الحي العراقي.

فيلم تخييلي حول المقاومة الوطنية من زاوية حميمية في سرد لقصة حب تحتضنها ازقة المدينة العتيقة بفاس. وأقصد فيلم “كذب أبيض” لأسماء المدير الذي يقترح في توليفة فيها اجتهاد كبير بين التخييلي والوثائقي لسرد مناخ أحداث صيف 1981 من زاوية تفاعل عائلة المخرجة مع هذا الجرح والذي عالجه أيضا بذكاء فني هشام العسري في فيلمه التحفة “هم الكلاب” (2013)

وهناك اجتهادات ومبادرات مختلفة يخوضها مثلا جيل بأكمله في مناطقنا الجنوبية عبر أفلام الخاصة للثقافة الحسانية. كما أن الراي العام السينمائي تتبع مراحل تصوير الفيلم الحدث بمنطقة الريف “أنوال” من انتاج محمد النضراني وإخراج محمد بوزاكو.

الفيلم رافقته بعض السجالات “المحلية” ولكنه نجح في تجاوز هذه المرحلة بنجاح وهو اليوم في مرحلة لا تقل حساسية ودقة وكلفة مالية.  وهي مرحلة ما بعد الإنتاج post production.

 

او ما يعرف بالمرحلة الصناعية. ونحن نعلم أنه مع الثورة الرقمية وقع تحول كبير على ميزان قوى انجاز فيلم سينمائي. اذ انتقل مركز القوة من مرحلة التصوير الى مرحلة مابعد التصوير، أي من البلاتو الى المختبر. من المخرج الى المهندس المعلوماتي وأحيانا يتطلب ذلك ميزانية ضخمة قد توازي ميزانية التصوير او تتجاوزها خاصة في الأفلام التي تلجأ الى الخذع السينمائية (وهذا حال الأفلام التاريخية)

هناك أفلام تنجزها امكانياتها وهناك أفلام تنجز ضد امكانياتها (المحدودة) . وهذا حال أغلب الأفلام المغربية الطموحة التي تعوزها المادة (عصب الحرب كما يقول أورسون ويلس). محمد النضراني منتج الفيلم وهو سينمائي عصامي اخرج فيلما وثائقيا حول مدينة خريبكة (2017) وأنتج فيلما أمازيغيا جميلا “تاونزا (من اخراج مليكة المنوك، 2014) يطلق اليوم نداء الى الراي العام السينمائي يتجلى في فتح اكتتاب من أجل عم الفيلم وهوفي مراحله الحاسمة. وقدم مجموعة من المعطيات المفيدة في هذا الاتجاه:

 

:الميزانية المنجزة

   7 786 000,00 DHS

منها دعم المركز السينمائي

4 850 000,00 DHS

الميزانية العامة للفيلم

9 786 000,00 DHS

ما تبقى كميزانية مستعجلة

2000 000,00 DHS

 ومن أجل تحقيق هذه الهف أصدر المنتج باسم طاقم الفيلم بلاغا يقترح فيه دعوة كل الغيورين على الفيلم وعلى السينما المساهمة في تبرع الكتلروني : ” تجدر الإشارة إلى أن دائرة الإنتاج، وفي ظل العجز المادي الحاصل من أجل إخراج ملحمة أنوال إلى أضواء الشاشات، وبعد اقتراح من مجموعة من الفعاليات الثقافية وعدد كبير من الغيورين، ارتأينا فتح صندوق تبرعات إلكتروني لدعم هذا العمل الأسطوري.

نراهن على دعمكم ومساهماتكم السخية لإخراج هذه الملحمة إلى الوجود كي لا يطالها النسيان.”

فكرة جميلة جدا تذكرني بمبادرات أيام كانت السينما المغربية ينجزها” سينمائيو  درب الفقراء”. في سبعينات القرن الماضي حيث كان انتاج فيلم واحد يعتبر مغامرة فريدة ولعل أبرز هذه التجارب المبدعة على مستوى الإنتاج تجربة مصطفى الدرقاوي وفيلمه الأول “أحداث بدون دلالة”.

  حيث تم دعم الانتاج بمبادرة سخية من فنانين تشكيليين مغاربة وضعوا لوحاتهم رهن إشارة الفيلم. وقد لعب الصديق السينيفيلي مصطفى الدزيري دورا محوريا في تنسيق وانجاح هذه العملية التي أثمرت فيلما متميزا نجح فنيا، و أزعج سياسيا. مبادرة محمد النضراني تأتي في سياق أخر وأصالتها تأتي أنها تستمد روحها من روح قصة الفيلم.

لقد أبدع عبد الكريم في مقاومته. وهو الذي يشهد له التاريخ صحبة رفاقه أنه صاحب تكتيك حرب العصابات (كيريا) وملخصها أن تضرب العدو في مكامن ضعفه وتغير مكان وزمان التحرك. ونداء المنتج محمد النضراني نوع من حرب العصابات” الكيرية” تسعى لخلخلة نمط انتاج رأسمالي لايرحم ولا يعترف بخصوصية الإنتاج الفني. 

وإذ أنخرط في هذه المبادرة المواطنة ادعو الجمعيات الثقافية السينمائية والفنانين الملتزمين بإبداع أشكال تضامنية مختلفة (التبرع بلوحات تشكيلية، تنظيم عروض تخص مداخيلها للفيلم…). انها معركة أنوال الثانية. لقد كان الانتصار في معركة انوال الأولى بقوى ذاتية. وذلك حتما ما سيغذي معركة أنوال الجديدة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد