مقترحات لتطوير عمل الجامعة الصيفية لأكادير في سياق الاعتراف بالأمازيغية
الحسين بويعقوبي//
بانعقاد الجمع العام العادي لجمعية الجامعة الصيفية لأكادير يوم 22 فبراير 2020، تكون هذه الجمعية قد بدأت مشوارا جديدا بعد مرور 40 سنة على تواجدها في الساحة الثقافية والعلمية والنضالية الأمازيغية. وتحيل 40 سنة في عمر الفرد على الوصول لمرحلة النضج والتعقل والقدرة على المسؤولية، وفي عمر الجمعية، حيث العمل تطوعي، يحيل هذا العمر على القدرة الكبيرة لأعضائها على ضمان الاستمرارية وتحدي الصعاب وتجاوز العراقيل وطول النفس والإيمان بالقضية وحسن تدبير صراع الأجيال والقدرة على نقل سلس للمسؤوليات بين مختلف الأجيال الراغبة في خوض تجربة تدبيرالجمعية. ليس الأمر بالشيء الهين، وهو ما يفسر حل جمعيات لغياب جيل قادر على التسيير أو توقف جمعيات بمجرد وفاة رئيس عمر طويلا أو تشبث رئيس بمنصبه لعقود لسبب أو لآخر ليضمن حضورا رمزيا لإطاره مخافة انقراضه أو تظهر صراعات شخصية تؤدي لتراجع عمل الجمعية قبل توقفها نهائيا عن العمل.
تقدم الجامعة الصيفية اليوم التي مرت بدورها من هزات كثيرة نجحت في تدبيرها أنموذجا يقتدى به في مجال العمل الجمعوي عموما والأمازيغي على وجه الخصوص. ففي السياق الحالي حيث يتحدث الجميع عن نوع من الفتور في أداء الحركة الأمازيغية المكونة أساسا من النسيج الجمعوي، وتوالي الدعوات للبحث عن استراتيجية جديدة تتناسب و سياق الاعتراف الرسمي بالأمازيغية، تبدو الجامعة الصيفية لأكادير شمعة مضيئة قادرة على وضع خطاطة عامة لما يمكن أن يكون عليه جزء من العمل الأمازيغي الجاد في القرن الواحد والعشرين.
لا يعني ذلك إعادة استنساخ تجاربها السابقة، لأنها قامت بدورها في سياقها والتاريخ لا يعيد نفسه، بل التفكير وفق ما يقتضيه السياق الحالي باكراهاته وتحدياته. ويبقى الوعي بدلالات انتقال الأمازيغية إلى “زمن الاعتراف” و “أمازيغية الدولة” شرط أساسي في كل استراتيجية مستقبلية، دون أن يعني هذا “الزمن الجديد” التعافي النهائي للعقليات من الترسبات المعادية للأمازيغية والموروثة عن “الزمن الأول”، حيث لا زالت تعتمل في دواخل الأفراد والجماعات والمؤسسات وتسعى حسب المواقع وفي مستويات عدة لعرقلة كل ما من شأنه أن يدفع في اتجاه تفعيل حقيقي لرسمية الأمازيغية.
فالجامعة الصيفية بحكم تاريخها العلمي والنضالي وما راكمته من تجربة قادرة على التأثير إيجابا في مستقبل الحركة الأمازيغية من خلال استراتيجيتها الخاصة. وعليه وبعد تجربة ثلاث سنوات نائبا للرئيس و ثلاث سنوات رئيسا يمكن أن أقول بأن الجامعة الصيفية خلال الثلاث سنوات الأخيرة قد بدأت بالفعل في وضع اللمسات الأولى لاستراتيجية تحتاج للتطوير ويمكن إجمال بعض معالمها في أربعة نقاط :
1- التشبث بالبحث العلمي
لم يكن مؤسسو الجامعة الصيفية لأكادير سنة 1979 مخطئين حين اختاروا البحث العلمي والأكاديمي مجالا لاشتغالهم، بل كانوا واعين بأهمية هذا الجانب في الدفع بالأمازيغية إلى الأمام، ولذلك كان حضور الجامعيين في التأسيس والتنظيم و التنظير قويا مما جعل الجامعة الصيفية لأكادير مختبرا علميا في كل ما يتعلق بتدبير التعدد والاختلاف اللغوي والعدالة اللغوية والمساواة الثقافية وخاصة في مجال الأمازيغية، وتواظب على نشر أعمال ندواتها.
و لا يمكن تجاوز هذا المجال مهما تغيرت الظروف لأن الحاجة للبحث العلمي مستمرة ودائمة. ولذلك عمل مكتب ولاية 2017-2019 على المواظبة على تنظيم الدورات العلمية المعتادة ونشر كتبها وأضاف لها للقاء السنوي للاحتفاء بالدكاترة الجدد في مجال الأمازيغية تأكيدا منه لأهمية تشجيع الدراسات الأكاديمية في مجال الأمازيغية وتكوين الأطر في مختلف المجالات العلمية.
ولذلك لابد من تعزيز التعاون مع جامعة ابن زهر بناء على شراكة حقيقية تحدد التزامات كل طرف مع البحث عن تعزيز التعاون مع الجامعات والمراكز العلمية وطنيا ودوليا، وهو ما سيجعل الجامعة الصيفية قادرة على أن تتحول لمركز ثقافي بمواصفات علمية قادرة على أن تكون مرجعا وطنيا ودوليا في كل ما يتعلق بتدبير التعدد اللغوي والثقافي.
2- الانفتاح على المحيط المدني والسياسي
لم تكن الجامعة الصيفية قط منغلقة على نفسها بل كانت دائما منتدى للنقاش المفتوح وبمشاركة مختلف الأطياف في عز وجود “رافضين” للمطلب الأمازيغي, بل تعطى لهم الكلمة، مما جعلها تحضا باحترام الجميع. واليوم في سياق الاعتراف تزداد الحاجة لهذا الانفتاح خاصة على مختلف أطياف المجتمع المغربي وعلى الفاعلين الحقوقيين والتنمويين والاجتماعيين والسياسيين والمؤسسات المنتخبة لمواكبة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لأن هذا الفعل لا يتم إلا من داخل المؤسسات ومن طرف المنتخبين والوزراء وممثلو القطاعات الحكومية. فالجامعة الصيفية وبحكم تاريخها واستمرارها مؤهلة اليوم ليكون لها موقع في مسلسل تفعيل رسمية الأمازيغية بناء على شراكات واضحة مع القطاعات المعنية.
3- الديبلوماسية الثقافية
ليست الثقافة ترفا فكريا أو ممارسة نختار لها وقتا معينا بل هي موجودة معنا وفينا كل الوقت، ولذلك بإمكان الفعل الثقافي أن يلعب دورا أساسيا في الدبلوماسية بما تعني من تقريب وجهات نظر الفرقاء والفاعلين مغاربة وأجانب في مجالات عدة لصالح هدف أسمى مشترك. وقد نجحت الجامعة الصيفية في أن تنطلق من الثقافة لتلعب دور “الوسيط” بين جهة سوس ماسة وجهة جزيرة فرنسا (باريس) حيث تم تبادل الزيارات بين منتخبي الجهتين وبدأت بوادر هذه الخطوة في توقيع اتفاقيات التوأمة بين بعض بلديات الجهتين. وبذلك تصبح الجامعة الصيفية فاعلا رئيسيا ليس فقط في كل ما يتعلق بالأمازيغية، بل لها دور في تنمية جهتها سوس ماسة في جميع المجالات والتعريف بها دوليا. ولذلك تعد الدبلوماسية الثقافية أحد الأوراش الكبرى التي يمكن للجامعة الصيفية تطويرها، ومن خلالها البحث عن مشاريع تستفيد منها الأمازيغية وجهة سوس ماسة.
4- التمركز في قلب الديناميات الأمازيغية الجديدة ومواكبتها
في مقابل نوع من الفتور الذي عرفته بعض الديناميات التقليدية حول الأمازيغية، ظهرت ديناميات جديدة حول مواضيع تحتاج للمواكبة خاصة مع ظهور جمعيات متخصصة كرابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية المتخصصة في الإصدار بالأمازيغية وجمعيات مدرسي اللغة الأمازيغية وحركية الإنتاج السينمائي والمسرحي الأمازيغي والجمعيات التنموية وجمعيات الدفاع عن الحق في الأرض التي تأخذ بعين الاعتبار البعد الهوياتي الأمازيغي ونفس الشيء بالنسبة للالتراس في الملاعب والحركات الاجتماعية…وهذه الديناميات تحتاج لصلة وصل مع ما تبقى من الجمعيات التاريخية المهتمة بالأمازيغية وهو ما يجعل الجامعة الصيفية مؤهلة اليوم للعب هذا الدور التنسيقي الذي يحضر فيه التأطير بشكل كبير لكي تجد الأمازيغية موقعها الطبيعي داخل التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.