ريناس بوحمدي
بعد الضربات الموجعة والغير المنتظرة من الحلفاء التقليديين في الغرب: واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي ، دخل المغرب في لعبة تغيير استراتيجي في دبلوماسيته وترجم هذا التوجه بزيارة العاهل المغربي إلى كل من الصين والهند وروسيا لعقد اتفاقيات استراتيجية، روج لها الإعلام المغربي بشكل كثيف للتعتيم على أسباب نزول الموقف الغربي من قضية الصحراء عموما وانقلاب أمريكا خصوصا. بيد أن تساؤلا أساسيا ومركزيا يتم تغييبه في كل التحليلات ولدى كل المحللين المغاربة ، وهو هل روسيا والهند والصين يعد المغرب بالنسبة إليها استراتيجيا حاليا أو حتى مستقبلا؟
لعقود مضت ،والصحراء تشكل قضية محورية في دبلوماسية القصر المغربي، وعلى ضوئها تمت صياغة اتفاقيات وعقد تحالفات تنسجم ومدى موقف كل دولة من نزاع الصحراء ومدى تفهمها لمصالحه. وفرنسا تعتبر مثالا جليا من خلال الامتيازات التي تتمتع بها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا في المغرب كمقابل عن دعمها الدولي له في نزاع الصحراء.
بيد أن الجمود الطويل الذي عرفه ملف الصحراء، دفع المنتظم الدولي إلى بعث إشارات متتالية تذهب في اتجاه اقتراب فرضه حلا ، على أقصى تقدير سيكون في نهاية العقد الثاني لألفية الثالثة ؛ دون أن نغفل أن ملف الصحراء يوجد بيد الغرب وليس بيد الشرق بحكم الجغرافيا، فالشمال الإفريقي يعد كلاسيكيا من مناطق النفوذ الغربي.وإن كان يرحب بالمقترح المغربي، إلا أن الغرب الأنجلوسكسوني ذي التأثير الوازن خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية اللتين تدعمان تقرير المصير ولا تعارضان البتة ظهور دولة جديدة في الصحراء. وذلك من منطلق الفلسفة السياسية للأنجلوسكسونيين التي لا تعارض تغيير الخرائط السياسية الدولية.
وأمام هكذا موقف لا تستطيع فرنسا الحليف التاريخي والتقليدي خلخلته لضعف تأثيرها ونفوذها في الغرب بالمقارنة مع الغرب الأنجلوسكسوني ؛ وثبات علاقات روسيا مع شركائها الحقيقيين حتى في وقت الأزمات وعدم التخلي عنهم، إضافة أنها والصين معا لا تحبذان تغيير الخرائط السياسية الدولية بسرعة وتعملان على الحفاظ حالتها تفاديا وقوع حالة من الفوضى، أمام كل هذا صوب المغرب بوصلته اتجاه هذين البلدين مراهنا عليهما عله يحفظ حقوقه مع كل الاحتمالات الممكنة.
المغرب بانخراطه في هكذا انقلاب يبدو كرد فعل أكثر منه فعل مدروس من كل الجوانب، بحيث أن الاتفاقيات التي وقعها المغرب مؤخرا مع روسيا والصين لم توليها الصحافة ومراكز التفكير الاستراتيجي في موسكو وبكين أية أهمية ولم يصدر عنها ما يفيد أن للعلاقات مع المغرب بعدا استراتيجيا ، كما لم تصدر عنها أي دراسة في هذا الشأن، ولم تتحدث صحافة البلدين عن أهمية المغرب بالنسبة إلى بلديها، بالرغم من طابع “الاستراتيجية” التي حملتها تلك الاتفاقيات. كما تجدر الإشارة إلى أن المغرب سبق له أن وقع سنة 2013 مع أمريكا اتفاقية “الحوار الاستراتيجي”، ومع ذلك لم تتردد واشنطن من الانقلاب عليه في ملف الصحراء؛ كما لم يتردد القضاء الأوروبي في إلغاء اتفاقية الزراعة خلال ديسمبر الماضي، ولم تتردد عدد من الدول الأوروبية بممارسة الضغط على الرباط في ملف الصحراء.بالرغم من توقيع المغرب مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية حسن الجوار تحمل ضمنها “عناصر استراتيجية” وهذا يحدث مع شريك تشكل المبادلات الاقتصادية معه أكثر من 70% ، تجارة واستثمارا.
وكل هذا يدفعنا إلى التساؤل هل فعلا حان الوقت لإعادة النظر في مجمل التحالفات والعلاقات الدولية للمغرب؟ وهل الظروف الدولية مواتية ؟ وهل بناء تحالف مع روسيا والصين سيخدم أهداف المغرب وعلى رأسها قضية الصحراء؟
الأكيد أنه بالإمكان للمغرب تعميق وتطوير العلاقات مع روسيا والصين وغيرهما دون أن يستطيع تجاوز حدودا توجد بها عوائق الجغرافيا والتاريخ والحاضر من جهة ، وأن العالم لا يعرف تغييرا استراتيجيا على جميع المستويات ينتج عنه انقلاب لميزان القوى يدفع بروسيا والصين إلى تغيير سياساتهما الخارجية ومنظورهما للجغرافية السياسية وأقلمتها مع مقتضيات تحالفهما معنا بسرعة من جهة أخرى ؛ مع افتراض أن لنا من المؤهلات والإمكانيات الفعلية والحقيقية التي لا يمكن أن يجداها عند غيرنا، لا المُنفخ فيها من طرف سماسرة الوهم والسراب.
المغرب له علاقات مديدة عبر قرون عديدة لا يمكن مسحها باستدارة الظهر له، هكذا التاريخ؛ أما الجغرافيا فهو بلد شمال إفريقي على مرمى حجر من جنوب أوروبا ، وحدوده عن أمريكا لا يفصلها إلا المحيط الأطلسي ، أما الحاضر هو ناتجه الداخلي الخام بالكاد يتخطى عتبة ال 95 مليار دولار ، أضف إلى ذلك ضعف القدرة الشرائية لمعظم سكانه ، إلى جانب ما للشركات الفرنسية والاسبانية من مواقع راسخة في الدورة الاقتصادية للبلد تعمل على ترسيخها يوما بعد يوم ، وعدم القفز أو الإستهانة بالعلاقات المغربية الأمريكية في العديد من المجالات.
المغرب أبينا أم كرهنا ينتمي إلى الغرب وارتباطه به عضوي، الفكاك منه عملية انتحارية إن لم تكن مستحيلة. وعليه فإن من سيؤثر بقوة على الأحداث ومسارها حاليا ومستقبلا بالمنطقة التي ننتمي إليها، بما في ذلك قضيتنا الوطنية، هي أوروبا وأمريكا، وهذا تعيه جيدا روسيا والصين ولا يشكل مصدر قلق لهما لبعدهما جغرافيا عن المنطقة.
لا ريب أن العلاقات مع الغرب متعبة ومكلفة سياسيا، لكن من غير المسموح به الانجرار إلى دائرة ردود الأفعال الغير المفيدة ، بل يجب العمل اليوم على تجاوز الأزمات المتراكمة خلال المدة الأخيرة برزانة وحكمة وهدوء؛ والبداية من الداخل بتنزيل خطاب الإصلاح على أرض الواقع من خلال بناء الديموقراطية الحقيقية والتوزيع العادل للقيم والسلطة والثروة، فالعالم أضحى يعرف أن المسار الذي ابتدأه مع انتقال الحكم إلى الملك محمد السادس ، قد انحرف عنه نحو ترسيخ الاستبداد واقتصاد الريع وهو ما جعل المغرب وسياساته الداخلية منها والدولية يعاني من ضعف المصداقية، ويثير ليس الشكوك، وردود الأفعال يحسن الخصوم استغلالها.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.