//ياك لاباس – بلاغ //
جاء تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما يعلم الجميع، استجابةً لإحدى مطالب الحركة الأمازيغية، التي ناضلت لعقود من الزمن، من أجل إحداث مؤسسة أكاديمية تُعنى بالنهوض بالبحث العلمي في مجال اللغة والثقافة الأمازيغيتين، لكونه واحداً من أساسات النهوض بالأمازيغية، حتى تتبوأ مكانتها الطبيعية في مؤسسات الدولة، وبين باقي الفاعلين على الصعيد الوطني.
وبعد مرور أزيد من عقد من الزمن على إحداث المعهد، لا يمكن لأي مُنصفٍ أن ينكر المنجزات التي حققها لصالح الأمازيغية، بفضل العمل الجبار والذؤوب الذي قامت به فرق البحث داخل مختلف مراكز البحث بالمعهد، من قبيل الإنجازات المُعتبرة في مجال تهيئة اللغة، وتقعيد حرف تيفيناغ، وإعداد الحوامل التربوية والبيداغوجية في مجال التدريس، والبحث في مجال التراث الثقافي المادي واللاّمادي، وكذا تأمين خدمات الترجمة إلى اللغة الأمازيغية لفائدة مختلف المؤسسات الوطنية، والاشتغال على إبراز المكون الأمازيغي في تاريخ المغرب وحضارته وثقافته، دون أن ننسى جهود المعهد في إدراج الأمازيغية في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين (التعليم الإبتدائي والتعليم العالي)، وإدراجها في الإعلام ووسائل التكنولوجيات الحديثة، فضلا عن المساهمة في إبراز أهمية الحقوق اللغوية والثقافية ببلادنا.
وحرصاً من باحثي المعهد على تجويد البحث العلمي والرقيّ به داخل المؤسسة،باعتباره ورشاً استراتيجياً مستعجلاً بالنسبة لمستقبل الأمازيغية. ومساهمةً منهم في النهوض بالأمازيغية من زاوية علمية أكاديمية متخصصة،وضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسة، بادر باحثو المعهد إلى تأسيس “جمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية“، لاسيما بعد استمرار تراجع أداء المعهد، بسبب اعتماد الإدارة لمقاربات تدبيرية مُغرِقة في البيروقراطية والمزاجية، ناهيك عن تصلّب مواقفها المجانبة أحياناً للقانون ولمصلحة المؤسسة وللعاملين بها، ومُضيّيها في سياسة تهميش الباحثين واحتقارهم.
فبعد أن أصبح ترسيم اللغة الأمازيغية واقعاً دستورياً، كنا ننتظر من إدارة المعهد، أن تعمل على استثمار الوضعية الدستورية الجديدة للغة الأمازيغية، غير أنها أخطأت موعدها مع التاريخ، ولم تكن تدرك حجم المتغيرات من حولها، واستمرت بنفس الرؤية المُحنطة التي كانت تدبر بها المعهد قبل دستور 2011، بينما يتطلب الأمر، وما يزال، أن يكون المعهد قاطرة للنقاش العمومي والمؤسساتي في كل ما يتعلق بالأمازيغية.
ولإلقاء المزيد من الضوء على تجليّات الأزمة بالمعهد، نضع بين أيديكم، أيتها السيدات أيها السادة، بعضاً من مظاهرها:
1- إعطاء تأويلات غير سليمة للنصوص القانونية المنظمة للمعهد (النظام الأساسي- النظام الداخلي)؛
2- عدم استثمار الإدارة للإمكانيات المادية المرصودة للمعهد من طرف الدولة، حيث يتم إرجاع أموال طائلة إلى خزينة الدولة، على حساب مشاريع البحث العلمي والنهوض بالأمازيغية في شتى المجالات؛
3- حصول نزيف على مستوى الكفاءات العلمية، والتي فضلت الرحيل عن مؤسسة تضاءلت فيها شروط البحث العلمي، بسبب طغيان المقاربة الإدارية الضيقة؛
4- مساهمة محتشمة وباهتة للمعهد في الساحة الوطنية في كل ما له علاقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية؛
5- إقصاء الباحثين من تمثيليتهم داخل الهيئات العلمية للمعهد وإفراغها من محتواها (المجلس العلمي، ومجالس مراكز البحث)؛
6- ضرب استقلالية مراكز البحث، من خلال فرض مشاريع بحث معينة وتوقيف أخرى، وتنظيم أنشطة باسم المراكز دون علم الباحثين؛
7- الرقابة على مشاركات الباحثين في الأنشطة الفكرية والثقافية والإشعاعية؛
8- انتهاج سياسة التمييز في الأجور، مما ولدّ الحيف اتجاه الباحثين المتعاقدين؛
9- الارتجالية في التدبير الإداري لبعض القضايا، وهو ما نلمسه من خلال المذكرات المتتالية التي يجُبّ آخرُها أولَها؛
10- غياب رؤية إستراتيجية في استقدام الكفاءات العلمية اللازمة للنهوض بالأمازيغية؛
11- ترويج مغالطات حول مطالب الجمعية، ومحاولة التطبيع مع الأزمة التي تضرب المعهد، والبحث لها عن مبررات، من قبيل الإدعاء بأنها راجعة إلى خوف الباحثين على مصالحهم في ظل المرحلة الانتقالية التي تجتازها المؤسسة، قبيل إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛
ومن هذا المنطلق، فقد كانت مطالبنا الأساسية، وما تزال، هي الاستقلالية العلمية والأكاديمية لمراكز البحث واحترام رأي الباحثين في تسييرها، ورفع الرقابة عن مشاركاتهم في الأنشطة الإشعاعية والثقافية والفكرية. كما أن مطالبنا تتوخى أيضا تفعيل قوانين المؤسسة وتعديل بعضها لتتوفر في المعهد معايير المؤسسات العلمية؛ فلا يعقل أن نتحدث عن مؤسسة أكاديمية وباحثوها مقصيون من كل هياكلها العلمية (المجلس العلمي، ومجالس مراكز البحث) ولهم وضعية إدارية شاذة عن تلك التي للأساتذة الباحثين في المؤسسات الأكاديمية. وهكذا أصبحنا نشكل حالة فريدة بين مؤسسات البحث العلمي، إن على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي. وهذه الوضعية لا يمكن أن تُمكّن المغرب من المكانة التي يطمح إليها في مجال تدبير التعددية الثقافية واللغوية في محيطه الإقليمي، والوفاء بالتزاماته أمام المنتظم الدولي لحقوق الإنسان، ولاسيما ما يتعلق بالحقوق اللغوية والثقافية والهوياتية.
كما أن الاستجابة لانتظارات المغاربة بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، يتطلب تطعيم مراكز البحث بالموارد البشرية الكافية، ووضع الإمكانيات المتوفرة رهن إشارة هذه المراكز من أجل التعاقد مع الباحثين والكفاءات من خارج المؤسسة، وذلك قصد تحويل المعهد إلى قُطبٍ أكاديمي مرجعي في كل ما له علاقة بالبحث في مجال الأمازيغية. كما نُطالب برفع الوصاية عن الباحثين، والسّماح لهم بالاشتغال في إطار برامج علمية مشتركة مع مؤسسات البحث العلمي على المستوى الوطني والدولي.
لقد حاولت الإدارة اتهامنا بأن لنا مطالب مادية صرفة، وهو ما فنذناه بقوة الحجة في مذكرتنا الأخيرة ليوم 8 ماي (نسخة منها في الملف الصحفي)، بينما الشق المادي لمطالبنا يقتصر فقط على الاعتراف لفئة الباحثين المتعاقدين بمجهوداتهم (وعددهم 8 باحثين)؛ أما باقي فئات الباحثين، وهم الغالبية، فلا مطالب مادية لهم.
أيتها السيدات، أيها السادة؛ هذا هو جوهر بعض مظاهر الأزمة التي يعرفها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الآونة الأخيرة ومستجداتها، ونحن على استعداد للإجابة على تساؤلاتكم واستفساراتكم.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.