مرسوم تغيير الساعة القانونية كان خارج الشرعية القانونية والدستورية.
صعقت وأنا أقرأ قرار المحكمة الدستورية الأخير رقم 19/90، وحتى يفهم القارئ موضوع الصعقة التي زلزلتني، دعونا نعطي صورة حول الموضوع، تقدمت الحكومة في شخص رئيسها يوم 8 مارس 2019، بطلب إلى المحكمة الدستورية للبت في دستورية مرسوم الساعة الذي أصدرته خلال 27 أكتوبر 2018، وذلك في إطار مقتضيات الفصل 73 من الدستور، والذي ينص على أنه “يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، بعد موافقة المحكمة الدستورية، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها”.
غير أن المحكمة الدستورية في قرارها هذا وقعت في انحراف دستوري، لأنها قبلت النظر في قانون غيرته الحكومة بمرسوم ولم تنتظر إذن المحكمة الدستورية، فالفصل 73 يخول للحكومة حق إحالة النصوص التشريعية على المحكمة الدستورية، وللتغطية على هذا الانحراف، اعتمدت المحكمة في قرارها كذلك على المادة 29 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، بتحريف مضمون فقرته الأخيرة، ومن تم هناك انحراف شكلي من طرف الحكومة، وانحراف قضائي من طرف المحكمة الدستورية، وذلك من خلال ما يلي:
أولا: إن الحكومة لا يمكنها أن تصدر قانونا يدخل في مجال التشريع وتنشره بالجريدة الرسمية على شكل مرسوم تنظيمي، إلا بعد موافقة المحكمة الدستورية، ذلك أن الفصل 73 نص بوضوح على أن الحكومة لا يمكنها تغيير النص إلا بعد أن تصدر المحكمة الدستورية قرارها.
ثانيا: المادة 29 من القانون التنظيمي باعتباره نصا يفسر وينظم إعمال الفصل 73 من الدستور، كان موضوعه هو النص موضوع الإحالة على المحكمة الدستورية، ولم يكن يعني كل النصوص القانونية الوطنية كما حاولت المحكمة الدستورية أن توهمنا، لكون اختصاصها بالبت في دستورية القوانين موضوعا وشكلا محصورة في الدستور، ووردت على سبيل الحصر، وأن تقوم المحكمة الدستورية بالقول أنه يحق للحكومة “كلما تراء لها شك في طبيعة نص قانوني” إحالته على المحكمة الدستورية، فذلك مخالف للقانون، لأن الإحالة تكون عند البث في الدستورية، أو البت في القوانين التنظيمية، أو في إطار الفصل 73 من الدستور، وعليه نستنتج ما يلي:
أ) إن الحكومة أصدرت القانون بتاريخ 27 أكتوبر 2018 ولم تتقدم بإحالتها إلى المحكمة الدستورية إلا بتاريخ 8 مارس 2019، أي أصدرت القانون خمسة أشهر قبل قيام المحكمة الدستورية باختصاصها في إصدارها لترخيص للحكومة للقيام بإصدار المرسوم موضوع الإحالة، ونشره بعد ذلك بالجريدة الرسمية.
ب) إن المحكمة الدستورية قبلت أن تبت في قانون صدر مخالفا للدستور، حين ورد بشكل تنظيمي وهو له صبغة تشريعية، وتم ذلك قبل موافقتها، مما يجعل السلطة التنفيذية تتطاول على مجال السلطة التشريعية بدون سند دستوري، ومما يجعل طلبها هذا خارج القانون ولاحقا عن الآجالات المنصوص عليها دستوريا.
ت) إن المحكمة الدستورية في قرارها أكدت على ضرورة عدم إصدار القانون إلا بموافقتها على طبيعته القانونية، وبالتالي فهي اعترفت بوجود خلل مسطري، غير أنها نبهت الحكومة إلى ضرورة التقيد به “مستقبلا” وأجازته حاضرا، علما أن هذه “الإجازة” الحالية فيها إخلال دستوري باعتراف من المحكمة الدستورية نفسها، خاصة عندما قضت في قرارها أنه على الحكومة التقيد به مستقبلا، وهذا التعليل في حقيقته تعليل فاسد لسببين:
الأول: هو أنها فسرت المادة 29 من القانون التنظيمي على أنها رخصة للحكومة لتحيل على المحكمة الدستورية كل نص يتراءى لها “شك” في طبيعته القانونية، علما أن ذلك محدد بآجال وبأسباب قانونية ووفق مساطر محددة، فالأمر يتعلق كذلك بتأويل تدليسي للفقرة الأخيرة من المادة 29 من القانون التنظيمي، على اعتبار أن هذه الفقرة لا تعطي نهائيا إمكانية إحالة النص على المحكمة الدستورية على ضوء “الشك” في طبيعته القانونية، فهذه الفقرة لا يمكن قراءتها معزولة عن باقي المادة 29 وكل هذه المادة لا يمكن كذلك قراءتها إلا على ضوء الفصل 73 من الدستور.
الثاني: هو أنها تنازلت عن سلطاتها الدستورية في مراقبة مبدأ فصل السلط، ومدى دستورية كل اختصاص، عندما سمحت للحكومة بإصدار قانون قبل اللجوء إلى المحكمة، وذلك ضدا على المساطر، و في غياب الإذن.
إن المحكمة منحت الإذن للحكومة خارج الأجل، إذ هو إذن لاحق وليس سابق كما ينص على ذلك الفصل 73 من الدستور، أو كما أوضحته المحكمة نفسها. أما حين استندت على مقتضيات الفصل 71 من الدستور، فإنها لم تعلل ذلك، ولم توضح الأسباب القانونية والموضوعية لعدم إدراج مجال هذا المرسوم فيما ينص عليه الفصل 72 من الدستور “أي مجال التنظيم”، وليس الفصل 71 “أي مجال التشريع”.
أما الحكومة فيبدو أنها في خطوتها هته قد انتبهت متأخرة كعادتها إلى تعليل المعارضة الوارد في مقترح قانون حول الساعة، والذي نصت فيه على عدم احترام الحكومة للفصل 73 من الدستور، والغريب في الأمر أن قرار المحكمة الدستورية قبل طلب الحكومة، معتبرا أن الطريقة التي تم تعديل به القانون تندرج ضمن اختصاص السلطة التنظيمية، بينما مضمون مرسوم الحكومة فيبدو أنه يتجه في اتجاه آخر غير ما فسرته المحكمة الدستورية.
لقد كان على المحكمة الدستورية، احتراما للفصل 73، أن تحكم صراحة بعدم القبول، وإحالة الملف من جديد على الحكومة لتبطل هذه الأخيرة المرسوم، تم تطلب إذنا جديدا من المحكمة، وحين تحصل عليه، تقوم بعد ذلك بإصدار المرسوم، فلا الحكومة احترمت الدستور، ولا المحكمة الدستورية قامت بوظيفتها كحارسة للدستور.
فدعونا نرتب النتائج القانونية عن التأخير في إعمال الفصل 73 من الدستور، كما لا حظته المحكمة الدستورية، وكما ينص الفصل الدستوري نفسه على ذلك لنقول بصراحة: إن إعمال الحكومة لمرسوم تغيير الساعة القانونية للمملكة وتطبيقه، كان خارج الشرعية القانونية والدستورية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.