مرارة التعاقد ” فُرِضَ عَلَيَّ التعاقد يا أبي” للأديب ابراهيم الافغاني

أزول بريس- متابعة سعيد الهياق//

وتتواصل مرارة ووجع نظام ” التعاقد”. ولازالت تداعيات هذا النظام تنخر جسم الأستاذ المتعاقد. والأخطر من ذلك أنها تهدد توازنه السيكولوجي والوجداني بسبب عدم الاطمئنان وعدم الاستقرار على جميع المستويات. وعن جحيم هذه المعاناة كتب الأستاذ ابراهيم الافغاني الأديب والناقد المائز الذي حاز على عدة جوائز كبرى في عدة ملتقيات وطنية: ” فُرِضَ عَلَيَّ التعاقد يا أبي ”

بعد عديدِ المحطّات من الحياة، أجدني الآن أسعدُ بالاجازة، أتأملها وأنظر لحروف اسمي التي شاخت بفعل الدراسة والبحوث.. أخيرا سأصبح أستاذا یفخر به والدي، وتسعد لنجاحه أمّي، مُذ کنتُ صغیرًا والمسکینة تحدّثني عن المعلّم، ذاک الرّجل الشریف الذي ینتفع بعمله في الدّنیا قبل الاخرة، کُن معلّما یا ولدي تَسلم، واجعل شعارک في الحیاةِ أن تکون مُجدّا، مخلِصًا للّهِ وللوطن.

ألجُ المواقعَ عبر الانترنيت بحثًا عن حُلمي، هُنا منشور مُعلّق يدعو لملءِ استمارة، أُدخِل المعلومات بسرعة ودقّة، أخاف أن يضيع حلمي فتغيبَ بسمةُ والدي، أخاف أن أُذهِب فرحةً تنتظرها أمّي، کلماتها تدغدغ أذني وتبعث فيّ الأمل من جدید: کن معلّما یا ولدي تَسلم۔

أنا الآن داخل قاعة الامتحان، أراهم یُغدقون عليّ بالتقويمات لأجيب عليها، أغادرُ القاعة بعدها وأنا المتیقن من النّجاح، تُعلّق النتائجُ فأتأمّل حروف اسمي من جدید، کانت مضغوطة بلون أسودَ غريب، أفرح للحظات فتأخذني هذه الأفكارُ المتشابكة بلا عنوان، تأخذني هذه الاحلام لا أدري متی النهایة۔

أعود الى القاعة من جديد، لکنّهم في هذه المرّة غيّروا المكتوب بشفويٍّ رُتّبت أسٸلته بإحکام، یسألني أحدهم: لماذا ترید أن تصیر معلّما؟
سٶال محیّر حقّا، تأخذني عکرة طارٸة من حدثٍ وکأنّني أعرفه، ومن سَفرٍ إلی المجهول، أعود إلی السّٶال لأتذکّر کلّ ما قیل عن المعلّم، أتذکّر وقوفه عند السبّورة، ابتسامته العریضة لطفل یرتجي النّجاة من الجهل، أتذکّر حب الأبناء لحامل الرّسالة، سأجيبُ بصدق لأنّ أبي حدثني ذات مرة أنّ من يُتقن الصدق لا ترهبه الحياة.
تُعلّق النتاٸج من جدید، اسمي لا یزال مضغوطًا بذلک اللون الغریب غرابَةَ هذه الحیاة، وکأنّ تعالیم الدّنیا تخبرني أنّ لا مفرّ من الصّبر.

ألجُ القسم كأي أستاذ طموح تحدوه الرّغبة لخدمة الوطن وتأذية الواجب، کنتُ أوّل من یدخل، فقد علّمونا أن نکون أول من یدخل وآخر من یخرج، لا ضیر، فبین الدخول والخروج تکمن الحکایة، يُشار إليّ بالأصابعِ أنّني لست سوى متعاقد، هذه العقدة تسلبني راحتي، ووکثرة البنود تکبّل طموحيَ المشروع.. ما أقساه من کابوس !!
تحدّثني نفسي وهي المتسائلة: وما ذنبك أنت؟ درستَ كما درس غيرك ونجحت بامتياز مثلما نجحوا، ألا تستحقّ عیشًا کریما یُنسیکَ مرارة التّعب والتّحصیل.
ابراهيم الافغاني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد