أزول بريس- منذ تأسيس شبكة جمعيات محمية أركان للمحيط الحيوي سنة 2002 من طرف 250جمعية من سبعة أقاليم (أكادير – إنزكان ايت ملول- اشتوكة ايت باها- تارودانت- تيزنيت – سيدي إفني – الصويرة)، كان من بين أهدافها الرئيسية أجرأة محمية أركان للمحيط الحيوي و بلورة الهوية الجماعية لمحمية أركان للمحيط الحيوي، وتجسيد دور الشبكة كشريك أساسي للفاعلين في مجال محمية أركان للمحيط الحيوي، وتفعيل مخطط الإطار الخاص بمحمية أركان للمحيط الحيوي. كما أن المخطط الاستراتيجي للشبكة حدد الرؤية والرسالة والهدف الاستراتيجي كما يلي:
الرسالة: شبكة جمعيات محمية المحيط الحيوي لأركان، تضطلع بدور قطب للتنشيط والترافع من أجل تنمية مستدامة في مجال محمية المحيط الحيوي لأركان
الرؤية: ترسيخ محمية المحيط الحيوي باعتبارها نموذجا تنمويا لمجال أركان، في أفق 2030
الهدف الاستراتيجي: المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في مجال محمية المحيط الحيوي لأركان
ومن خلال مشروع “ديناميات مواطنة لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بمجال محمية أركان للمحيط الحيوي” فإن RARBA تعمل على المساهمة في حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة بالمحيط الحيوي لأركان؛ والمساهمة في تفعيل المخطط الإطار لمحمية المحيط الحيوي لأركان. وتتبع السياسات العمومية ذات الصلة بهذا المحيط، من خلال التشاور والتفاعل مع مختلف الفاعلين والترافع بأساليب العمل المدني التطوعي لبلوغ هذه الغايات المحددة وفق مقاربة حقوقية.
في هذا السياق تأتي هذه المذكرة لتتوجَ مسارًا دام حوالي عقدين من العمل المتواصل في هذا المجال، وتقفَ عند ما تمخض عنها من معطيات وخلاصات، وتساهمَ في تقييم التجربة المغربية في التعامل مع الالتزامات الناتجة عن احترام الحقوق البيئية، لا سيما ذات الصلة بتدبير المحيط الحيوي لأركان. مستندة في تقييمها على المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وعلى الممارسات الفضلى في هذا المضمار.
ومن أجل تقديم صورة واضحة عن المنطلقات المرجعية المعتمدة للترافع حول الحقوق البيئية وعرض أهم مميزات مناطق المحيط الحيوي، فإن هذه المذكرة تتناول المحاور التالية:
I. السياق الدولي للدفاع عن الحقوق البيئية.
II. الوضعية الدولية الراهنة لمحميات المحيط الحيوي.
الوضع الوطني لمحمية المحيط الحيوي لأركان: الخصوصية والإشكالات.
تحديات الراهن وآفاق المستقبل.
. مقترحات مطلبية.
وإذ نؤكد أن مضامين المذكرة يصعب أن تلمّ بكل تفاصيل الموضوع ولا أن تختزل تجربةRARBA في النضال والترافع، إلا أنها تقدم العناصر الأساسية اللازمة لوضع خُطط ميدانية خاصة بمحمية المحيط الحيوي لأركان. خُطط نابعة من تجربة عملية ومتابعة نظرية غايتها المساهمة قدر الإمكان في تسليط الأضواء على هذا الجانب، وفتح الباب أمام كافة المعنيين والمتدخلين، مؤسساتيين أو مدنيين، لخلق ديناميات مواطنة تليق بالمكانة الدستورية والواقعية للمجتمع المدني، وتُقوي دولة المؤسسات، وترسُم ملامح المغرب الذي ننشده
السياق الدولي والوطني للدفاع عن الحقوق البيئية.
لم تخْلُ الحضارات البشرية من مهارات ومعارف تعتني بالبيئة وتَعي أهميتها للإنسان. ولأن العالم اليوم منتظم في دول وفي منظمات دولية فقد صارت هذه المسؤولية ملقاة على عاتق الحكومات. وأصبح من واجبها التفكير في استدامة الموارد البيئية، والالتزام باحترام حريات الأفراد وحقوقهم بما فيها الحقوق البيئية.
على المستوى الدولي انطلق مسلسل إصدار الصكوك ذات الصلة بالبيئة في إطار منظمة الأمم المتحدة منذ ما يناهز 50 سنة وأسفر عن العديد من الوثائق المرجعية. حيث صدر أول إعلان عن مؤتمر الأمم المتحدة حول الحقوق البيئية سنة 1972 في ستوكهولم، وبتوالي السنين تمكنت الدول من التوافق على آليات للرقابة وتفعيل التزاماتها في هذا الصدد، مثل إحداث ولاية للمقرر الخاص المعني ب “حقوق الإنسان والبيئة” منذ سنة 2012. بل استطاعت البيئة أن تحتل مكانة الصدارة في النقاش القانوني والديبلوماسي الدولي الراهن، وتمكنت من خلق إجماع غير مسبوق بين مختلف الفاعلين باختلاف مناطقهم الجغرافية ونظمهم القانونية وصِفتهم المؤسساتية. حيث تمت -مثلا- المصادقة على اتفاق من 29 مادة بالإجماع بمناسبة انعقاد قمة COP21 بباريس سنة 2015.
ومن بين النصوص الصادرة في هذا المجال والتي استندت إليها هذه المذكرة، نذكر ما يلي:
· الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة للتغيرات المناخية الصادرة في 09 ماي 1992 بنيويورك، ودخلت حيز النفاذ في 21 مارس 1994.
· بروتوكول كيوطو الملحق بالاتفاقية الإطار: صدر سنة 1997 بعد سنتين ونصف من المفاوضات بين الدول، بهدف تدقيق التزاماتها وتوسيعها لتكون كافية للنهوض بالبيئة وحمايتها.
· برنامج عمل كوبنهاك 2009 المرتكز على ثلاثة نقط: تخفيض انبعاث الغازات – الحد من ارتفاع درجة حرارة الكون – وضع ميزانية لتفعيل البرنامج.
· مخرجات قمم COP 21 – 22: لا سيما ما يتعلق بدعم المجتمع المدني وتقوية قدرات العنصر البشري، وتحديد مسؤوليات والتزامات الدول على المستوى الوطني، تشجيع التبادل والتعاون التقني واللوجيستي. الشفافية في المعطيات والبرامج. وتحديد سبل التمويل. بالإضافة إلى وضع تدابير ذات أولوية في أفق 2020.
· منظمة UNESCO أصدرت عدة وثائق عامة وأخرى متخصصة في محميات المحيط الحيوي، وكان الخيط الناظم بينها هو تركيزها على الترابط بين التنوع البيئي والتنوع الثقافي، وضرورة صيانتهما معا.
· إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية الصادر في 13 شتنبر 2007 والذي ثمّن ممارسات الشعوب الأصلية في التعامل مع الطبيعة، ودعا لضمان حقوقها في علاقتها الروحية مع أراضيها )المادة 25( وحماية البيئة والقدرة الإنتاجية لأراضيها أو أقاليمها ومواردها. وعلى الدول أن تضع وتنفذ برامج لمساعدتها في تدابير الحفظ والحماية هذه، دونما تمييز المادة 29( وألزمت الدول بعدم المس بحقوق هذه الشعوب دون الأخذ بموافقتها الحرة المسبقة والمستنيرة، مع جبر الضرر الذي تتسبب فيه سياسات الحد من الملكية أو نزعها.
· إعلان فريبورك بشأن الحقوق الثقافية الصادر سنة 2007 شدّد على أهمية الموارد الثقافية في اندماج الفئات الهشة ومشاركتها في تدبير الشأن العام. وكذا سبل إدماج الجماعات الثقافية في منظومة اقتصادية عادلة ومنصفة. وحمّل الإعلان المنتظم الدولي مسؤولية التنسيق والتعاون المثمر في هذا المجال.
· الإعلان العالمي بشأن الحقوق اللغوية الصادر سنة 1996 يعترف بوجود رابط منطقي بين التعدد اللغوي والتنوع البيولوجي، ويثمن دور اللغات في حفظ مهارات التعامل مع الطبيعة.
فمرجعية RARBA إذن في الترافع والدفاع عن الحقوق البيئة ترتكز على ترابط الحقوق وعدم قابليتها للتجزئ، مع التركيز على دور العامل الثقافي في تيسير التمتع بالحقوق البيئية والحفاظ عليها.
II. الوضع الدولي لمحميات المحيط الحيوي
أطلقت منظمة اليونسكو سنة بداية السبعينات برنامج الإنسان والمحيط الحيوي MAB (Man and Biopsher) بغرض حماية الأنظمة البيئية المتميزة والتوعية بأهميتها وضرورة الحفاظ على مواردها الطبيعية. وعلى هذا الأساس تم تعريف المحيط الحيوي بأنه: “فضاء لمنظومات بيئية برية أو بحرية أو ساحلية، يستوجب الحفاظ عليها استغلالَها بشكل يضمن استدامة مواردها الطبيعية لفائدة الساكنة المحلية، مع ما يتطلبه ذلك من بحث علمي ورقابة قانونية وأنشطة التربية والتكوين.
ولعل هذا التعريف يتجاوز كثيرا المفهوم الضيق للمحافظة على الموارد الطبيعية، ليشمل الموارد الاقتصادية والاجتماعية. وهو أول تمييز لمفهوم محمية المحيط الحيوي عن مفاهيم مشابهة من قبيل: المحمية الطبيعية، الغابة، المنطقة الموحشة …إلخ. واكتمل مفهوم محمية المحيط الحيوي حينما أضيف إليه البعد الثقافي الذي اتضحت أهميته في تجويد العلاقة بين الإنسان والطبيعة.
فالأمر لا يتعلق إذن بتحديد منطقة جغرافية والحفاظ على مواردها الطبيعية، بل باستيعاب السلوك الثقافي للساكنة المحلية وإدخاله في نمط عيش مندمج اجتماعيا ومنتج اقتصاديا. وذلك من خلال:
· الالتزام مع الساكنة المحلية بإشراكها في القرار والتدبير
· إيلاء عناية خاصة للمهارات التقليدية المحلية في الاستغلال والتدبير، وتطويرها بالدراسة والبحث العلمي.
· الالتزام الدولي بجعل محميات المحيط الحيوي نماذج تحتذى للتنمية المستدامة.
وأكدت الدراسات أن تجارب محميات المحيط الحيوي الناجحة تمنح للساكنة المحلية عدة امتيازات ومكاسب، يمكن الإشارة إلى بعضها على الشكل التالي:
· خلق أنشطة إضافية مدرة للدخل مستندة على الخصوصية المحلية: سياحة، منتجات محلية…إلخ
· التقليص من المنازعات وتحفيز الحلول الودية والتوافقات بشأن القرارات الجماعية.
· اعتزاز الأفراد بالانتماء للمنطقة بفضل تحقيق إنجازات ملموسة، وبفضل اهتمام واعتراف المنتظم الدولي.
· الحفاظ على مناظر طبيعية ومهارات ثقافية وممارسات تقليدية كانت مهددة بالاندثار.
لذا التزم المنتَظم الدولي بدعم هذه الجهود لا سيما من خلال تشجيع التعاون في مجال البحث العلمي، ووضع أدوات لتدبير المناطق الحدودية المعنية، فض النزاعات الدولية باستدامة الموارد المتنازع بشأنها. وتوفير التمويل اللازم لذلك.
بناء على هذه المعايير تم تحديد 631 محمية محيط حيوي في 119 دولة من بينها 14 محمية في مناطق حدودية. وتم تجميعها في شبكة دولية. ومنذ 2013 عزّز برنامج MAB مراقبته للشبكة الدولية لمحميات المحيط الحيوي، وأصبح صارما في تتبع عملية التقييم والافتحاص الدوري الذي تلتزم به الدول الأطراف. على مستوى الآجال أو منهجية الإعداد.
كما يحث الدول على إحداث شبكات إقليمية أو وطنية لمحميات المحيط الحيوي، وهي تجارب ما تزال جنينية ومحدودة العدد. والمغرب عضو في المجموعة الإقليمية ArabMAB والتي تضم كلا من: الجزائر، جيبوتي، مصر، ليبيا، موريتانيا، الصومال، تونس. وعضو في المجموعة الأطلنتية REDBIOS التي تضم جزر كناريا والرأس الأخضر وموريتانيا والبرتغال والسينغال. وهو مطالب بتقديم تقريره التقييمي بعد مرور 10 سنوات على تجديد الاعتراف بمحمية المحيط الحيوي لأركان منذ سنة 2008.
III. الوضع الراهن لمحمية المحيط الحيوي لأركان
التحق المغرب بمنظمة اليونسكو منذ استقلاله، وتم إحداث اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة ابتداء من سنة 1957 تحت رئاسة وزير التعليم العالي وبعضوية عدة قطاعات حكومية وشخصيات معروفة بنشاطها الثقافي والتربوي. وتفعيلا لدوره كعضو بهذه المنظمة استفاد من برنامج MAB(1). ووعيا منه بأهمية هذه الأداة، عمل المغرب على طلب الاعتراف ببعض مجالاته الحيوية كمحميات للمحيط الحيوي. وقد توجت أولى هذه الجهود بالاعتراف من قبل منظمة اليونسكو بمجال أركان كتراث عالمي، سنة 1998، وذلك نظرا للدور الذي تلعبه غابة أركان على مستوى التوازنات الايكولوجية والسوسيو اقتصادية. وتم تحديد ثلاث محميات أخرى للمحيط الحيوي، بالإضافة لأركان:
1. محمية المحيط الحيوي لشجر أركان سنة 1998.
2. محمية المحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي سنة 2000.
3. محمية المحيط الحيوي البيقارية للبحر الأبيض المتوسط )مشتركة مع إسبانيا( سنة 2006.
4. محمية المحيط الحيوي لشجرة الأرز بالأطلس سنة 2016.
وإذا كان هذا الاعتراف مكسبا جليا للمملكة، إلا أنه يمثل في نفس الوقت، دعوة للسلطات العمومية والجماعات الترابية وفعاليات المجتمع المدني والقطاع الخاص إلى تفعيل المخطط الإطار لهذه المحمية باعتباره مرجعا أساسيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي أحدثت من أجلها. فضلا عن ذلك، فإن الهيئة الدولية “الإنسان والمجال الحيوي” (MAB)، وتمثيليتها بالمغرب (اللجنة الوطنية لبرنامج الانسان و المحيط comité national MaB) الموكول إليها تنسيق الجهود المرتبطة بتنمية المجالات المعترف بها كمحميات للمجال الحيوي، تركز على اقتراح مأسسة أجهزة حكامة هذه المحميات، بدءا بإرساء مؤسسة تضطلع بدور تنسيق التدخلات في محميات المحيط الحيوي وفق نظرة تروم الملائمة بين الحاجيات التنموية وضرورة المحافظة على البيئة واعتماد المقاربة التشاركية والتشاور المتعدد الأطراف.
ولعل السبق الذي حظيت به منطقة أركان في اكتساب الاعتراف الدولي له ما يبرره، فالمنطقة تشكل نظاما بيئيا واجتماعيا وثقافيا مندمجا وموغلا في القدم. وللمنطقة مميزات يقل نظيرها في باقي تجارب المحميات في العالم، فمحمية المحيط الحيوي لأركان تمتد على مساحة 2.5 مليون هكتار ثلثها مكسو بأشجار أركان الذي يمثل 73 بالمائة من مجموع الأشجار بالمحمية. كما أنها محمية تجمع بين الطابع الحضري والقروي وآهلة بالسكان 60 بالمائة منهم قرويون. ويبلغ عدد سكان هذه المحمية 3125224 نسمة حسب إحصاء 2014، وهي تمثل بذلك 9.28 % من ساكنة المغرب. وتبلغ الكثافة السكانية فيها 85 ن/كلم2، وهو معدل يفوق بكثير المعدل الوطني الذي لا يتعدى 48 ن/كلم2. كما أن نسبة النمو الديموغرافي السنوي تظل في حدود 1.22%، وهو مؤشر يقترب مما هو مسجل على المستوى الوطني 1.25%.
وتنضوي المحمية تحت النفوذ الإداري لثلاث جهات )مراكش آسفي، سوس ماسة، كلميم وادنون(،وتهم سبعة أقاليم وعمالات بالوسط الغربي المغربي، وهي : إقليم الصويرة، عمالة أكادير إداوتنان، عمالة انزكان أيت ملول، إقليم اشتوكة ايت بها وإقليم تزنيت وإقليم سيدي افني وإقليم تارودانت، وهي بذلك تنتمي الى المجال الترابي لثلاث جهات : مراكش-اسفي و سوس ماسة وكلميم- واد نون.
ونظرا لتنوع مناظرها الطبيعية بين المناطق الجافة الصحراوية والمناطق الجبلية والساحلية والمنبسطة ناهيك عن النمو المطرد لمراكزها الحضرية، جعل منها منطقة جذب للأنشطة الاقتصادية والسياحية، مع ما يعنيه ذلك من تعبئة للعقارات واستنزاف للموارد الطبيعية، بالإضافة طبعا للظواهر الاجتماعية المصاحبة لهذه التغيرات من قبيل الهجرة والنزوح.
تتوفر هذه المحمية على تنطيق عنقودي، إذ تحوي 18 منطقة مركزية، التي تبلغ مجمل مساحتها المتراكمة 16620 هكتار، أي ما يمثل 2% من مجموع مساحة المحمية. وتعتبر هذه المناطق المركزية مجالا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يتعين تخصيصها لأنشطة البحث العلمي وكل عمليات الصيانة الصارمة باعتبارها إرث للأجيال اللاحقة.
كما تحتوي هذه المحمية كذلك على 13 منطقة عازلة يقدر مجموع مساحتها 560.000 هكتار، وهي تحيط بالمناطق المركزية، وتخصص للأنشطة الاقتصادية التي لا تتعارض مع أهداف الصيانة الموكولة لهذه المناطق. أما المناطق الانتقالية فهي مناطق للاستغلال البشري الكثيف، اذ تحتضن كل التجمعات الحضرية ومناطق الاستغلال الفلاحي العصري.
غير أن هذا التنطيق )مناطق مركزية، مناطق عازلة، مناطق انتقالية(، للأسف، لا يأخذه كل المتدخلين بعين الاعتبار في برامجهم ومخططاتهم. بسبب الجهل بوجود هذا التنطيق وكذلك بسبب غياب مخاطب/مدافع رسمي عن هذا التنطيق.
وتعرف محمية المحيط الحيوي لأركان دينامية ديموغرافية وسوسيو اقتصادية مهمة. فمنذ سنة 1982، أصبح مركز الثقل الديموغرافي للمحمية المحدد على مستوى الجزء الغربي لسهل سوس يرنو شيئا فشيئا في اتجاه أكادير الكبير، حيث أصبح التركز الحضري السمة الغالبة لهذا المجال، إذ أن أكادير الكبير يضم حوالي 3/1 ساكنة المحمية، وأكثر من 3/2 ساكنتها الحضرية.
إن تحليل الدينامية الديموغرافية بين إحصائي 1982 و2014، أي على مدى 32 سنة، يوضح أن 96 جماعة ترابية من أصل 231 المكونة لمجال محمية المحيط الحيوي لأركان، عرفت نسبة زيادة ديموغرافية سنوية سلبية، بمعنى أن ما يعادل 44% من مساحة المحمية عرفت تراجعا ديموغرافيا ملحوظا خلال الفترة المذكورة. ويبرز هذا التراجع ارتباطا وثيقا بمؤشرات سوسيو اقتصادية وجغرافية، تزكي وضعية الاختلال المميز لهذه المحمية، إذ نسجل أنه من أصل 96 جماعة ترابية ذات النمو الديموغرافي السلبي هناك:
· 54 جماعة تسجل مؤشر استدلاليا للخصوبة يفوق 3 أطفال لكل امرأة، وهو مؤشر يفوق بكثير المعدل الوطني؛
· 68 جماعة تقع بمناطق ذات ارتفاع يفوق أو يساوي 1000 متر. بمعنى أن المناطق الجبلية للمحمية هي مناطق طاردة بفعل العزلة وقلة التجهيزات الأساسية وهشاشة البنيات السوسيو اقتصادية؛
· 30 جماعة تسجل نسبة فقر تفوق 20% من الأسر؛
· 66 جماعة لها مؤشر تنمية اجتماعية يقل عن 0.4.
ومعلوم أن حدة التراجع الديموغرافي قد ازدادت في الفترة ما بين 2004 و2014، حيث أن 74% من مجموع مساحة المحمية عرفت نموا ديموغرافيا سلبيا. وإذا كان هذا التراجع ذا وقع إيجابي لتخفيف الضغط على المنظومات البيئية للمجال الحيوي لأركان، إلا أنه مرافق باندثار بعض المهارات المحلية البالغة الأهمية في صيانة الموارد الطبيعية، ومنها:
تراجع صيانة المدرجات الزراعية؛ اندثار ممارسة أكدال؛ اندثار الموروث الثقافي المرتبط بتدبر الماء واستغلال الأوساط الطبيعية.
إن بعض الأبحاث تبرز تراجع أنظمة الاستغلال الرعي-زراعية مقابل توسيع هامش عائدات الهجرة في الاقتصاد الفلاحي المحلي، ليست فقط بفعل توال سنوات الجفاف فقط بل نتيجة الفيضانات التي تحدث أضرارا بليغة بالأراضي المزروعة.
لذلك، فإن هذا التراجع العام، يظهر بشكل جلي على مستوى تربية الماشية، وكذا بعض الأنشطة ذات الأهمية البيئية الهائلة كتربية النحل، التي تقلصت ممارستها من قبل الساكنة المحلية.
إن هذه المؤشرات، تفرض أكثر من أي وقت مضى تفعيل محمية المجال الحيوي كنموذج للملائمة بين التنمية والبيئة وهو ما يستدعي انخراط كافة الفاعلين بدءا بالسلطات الحكومية التي يتعين عليها توضيح الجهة الموكول إليها تنسيق كافة التدخلات على مستوى هذه المحمية، مرورا بالجماعات الترابية التي يلزمها انخراط أكبر لدمج البعد البئي والحقوقي في مخططاتها التنموية وصولا إلى المجتمع المدني الذي يضطلع بدور التحسيس والتربية والتوعية والمرافعة ودعم كل المبادرات الرامية إلى جعل هذه المحمية إطارا مرجعيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030.
لقد أسفر هذا الوضع المتميز لمحمية المحيط الحيوي لأركان عن عدة نواقص وتهديدات، تحد من نجاعة البرامج والسياسات المطلوبة لتدبير هذه المحميات، وقد تكون سببا مباشرا في فقدان الاعتراف الدولي المتوخى من وراء هذا التصنيف. ويمكن إجمال الإشكالات المطروحة فيما يلي:
الإشكالات القانونية:
عبّر المغرب عن اهتمامه بتدبير الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة من خلال إصدار ترسانة قانونية خاصة بهذا المجال نذكر منها: قانون 10 اكتوبر 1917، ظهير ابريل 1925، … الظهير المتعلق بتنظيم مشاركة السكان في تنمية الاقتصاد الغابوي سنة 1976، القانون المتعلق بالماء سنة 1995، قانون الإطار المتعلق بحماية البيئة وقانون دراسات التأثير على البيئة وقانون مكافحة تلوث الهواء سنة 2003، القانون المتعلق بالمناطق المحمية سنة 2007، القانون المتعلق باستعمال الأكياس واللفيفات من البلاستيك القابل للتحلل بيولوجيا سنة 2010، الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة سنة 2014، القانون المتعلق بالمقالع، القانون المتعلق بالمعادن، القانون المتعلق بالترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية سنة 2016 …إلخ…. وكثير من هذه القوانين غير مفعلة بسبب عدم اكتمال اصدار النصوص التطبيقية، كما تعرف هذه القوانين فراغات وتشتتا كبيرا ولم يتم بعد التفكير في تجميع القوانين البيئية على شكل مدونة بيئية. هذه الفراغات القانونية، وعدم تفعيلها بشكل شفاف، كانت سببا مباشرا لعدة احتجاجات ومواجهات بين فعاليات المجتمع المدني والجهات المختصة خلال العشريتين الماضيتين مما يحول دون إرساء التنمية المستدامة، سواء فيما يتعلق بالرعي والترحال او استغلال المناجم واستخراج المعادن وكذا استغلال المقالع وتحديد محميات القنص وحماية الخنزير البري، الخ…. كما ان هذه القوانين لا تعطي اختصاصات للجماعات الترابية وللمجتمع المدني في تدبير ثرواتها الطبيعية من اجل تدبير تشاركي ومستدام للمجال. النصوص القانونية المتعلقة بشجرة الأركان ظلت كما هي منذ فترة الحماية، ولم تعرف تعديلات جوهرية باستثناء صدور قرار وزير الفلاحة رقم 2816.09 المتعلق بالبيان الجغرافي “أركان” IGP، وقرار وزير الفلاحة رقم 2940.13 بالموافقة على النظام التقني المتعلق بإنتاج ومراقبة الشتائل النموذجية لأركان. فالحاجة ملحة إذن إلى الانكباب على تنقيح النصوص القانونية وتحيينها لتلائم عصرها، خاصة فيما يتعلق بالتدبير التشاركي والمستدام لمجال محمية اركان للمحيط الحيوي لمواجهة تحديات التغيرات المناخية. مع العلم أن منظمة UNESCO تطالب الدول المنخرطة في البرنامج بالتأطير القانوني الصارم لمحميات المحيط الحيوي.
الإشكالات المؤسساتية:
اعتادت الدولة تدبير أركان ضمن المنظومة العامة للملك الغابوي أو الأشجار المثمرة، لذلك انقسم التدبير بين مختلف المتدخلين في مجال الغابات على رأسهم المندوبية السامية للمياه والغابات و محاربة التصحر والمتدخلين في القطاع الفلاحي وعلى رأسهم وزارة الفلاحة و الصيد البحري، وهناك تدخلات بصيغ أخرى مثل تدخل وزارة الداخلية من خلال سلطتها على أراضي الجموع والجماعات السلالية، أو المجالس الإقليمية للغابات والمجالس الجهوية للرعي …إلخ.
وفي سنة 2010 تم بمقتضى الظهير 1.10.187 إحداث مؤسسة أخرى. وقد أوكل لها المشرع حسب المادتين 04 و 05 من الظهير المذكور مهمة:
§ العمل على توسيع مساحات غرس أركان وإنجاز مشاريع لتثمين وتسويق المنتوجات وهيكلة سلسلة الإنتاج.
§ تشجيع البحث العلمي المتعلق بحماية وتنمية شجرة أركان وتثمين منتوجاته
§ إنجاز الدراسات التقنية والاجتماعية والبيئية اللازمة
§ إعداد برامج إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية في ميادين التربية والثقافة والصحة والسياحة …إلخ
§ الاقتراح على الحكومة كل إجراء تشريعي لتحفيز كل مبادرة تستهدف تنمية هذه المناطق
§ تنظيم حملات للتواصل والإعلام مع المستثمرين وعموم المواطنين
ورغم أهمية الاختصاصات الموكولة لهذه المؤسسة العمومية، ورغم إحداث هيئات لتمثيل ذوي الحقوق والمهنيين، إلا أنها تظل غير كافية في ظل غياب حامل مؤسساتي واضح يتحمل عبء RBA من خلال تنسيق أعمال كل المتدخلين في إطار مندمج، ويعتبر ناطقا رسميا باسمها في الداخل والخارج.
الإشكالات الاجتماعية:
لا تخطؤ العين تميز النسيج الاجتماعي والثقافي واللغوي بمناطق أركان، ولعل هذا الارتباط الروحي بأركان هو الذي حافظ عليه من حدة الاستغلال والتدمير. واستدامة محمية المحيط الحيوي رهين بالحفاظ على الممارسات الثقافية السائدة والاستفادة من المهارات الموروثة. وحري بنا الانتباه إلى المكانة المحورية للمرأة الأمازيغية في صيانة هذه المهارات وتوريثها. وتؤكد كل الدراسات الموقع المتقدم للنساء في عمل تعاونيات أركان. إلا أنه للأسف لا تنعكس هذه المكانة على قدرتهن على الولوج للحقوق وتحقيق كرامتهن، والاستفادة من الثروات التي تتيحيها تجارة الأركان ومشتقاته، بحيث ان ازيد من 80% من عائدات هذه التجارة يستفيد منها فقط بعض الوسطاء والمضاربين المتحكمين في السوق، وذلك في الوقت التي تواجه فيه العشرات من التعاونيات التي تأسست خلال العشريتين الماضيتين الى الإفلاس والتوقف عن العمل نتيجة غياب المواكبة في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ولم تستطع الصمود امام المنافسة الشرسة التي يفرضها النظام الاقتصادي الحالي. وهنا لابد من الوقوف على المعاناة الحقيقية للمرأة القروية، خصوصا في المناطق الجبلية، التي تواجه بمفردها كل متاعب الحياة بعد هجرة الرجال نتيجة ندرة المياه واستفحال الرعي الجائر واعتداءات الخنزير البري الذي يحول دون ممارسة الزراعة المعاشية / العائلية وغياب فرص الشغل… ينضاف الى شح الطبيعية و استمرار سنوات الجفاف، جفاء مخططات التنمية القطاعية و الترابية التي لم تأخذ بعين الاعتبار هشاشة النوع الاجتماعي امام التغيرات المناخية.
كما أبانت الرغبة في استغلال الموارد المتاحة تضاربا بين فئات المستغلين التقليديين، خاصة مع مربي النحل ومع الرعاة الرحل. ويتحول الأمر في كثير من الأحيان إلى نزاعات وقلاقل دامية.
إن من غايات نظام محميات المحيط الحيوي الحفاظ على استقرار النسيج الاجتماعي، مع ضمان حقوق الأفراد واستتباب السكينة والسلم، واطمئنان الجميع على أنفسهم وممتلكاتهم ومستقبل الأجيال القادمة. وذلك لن يستقيم الا بمشاركة حقيقية للساكنة المحلية في تدبير مجالها الطبيعي.
الإشكالات الاقتصادية:
تشكل الأنشطة المرتبطة بأركان موردا تقليديا للدخل لدى ذوي الحقوق والساكنة المحلية، كما تم توجيهه للتصدير وبعض الصناعات في وقت مبكر. إلا أن هذا النشاط تعزّز باستقطاب استثمارات في منتجات أركان، وظهور أنماط جديدة للاستهلاك والتسويق، وذاع سيط منتجات أركان عبر العالم. وبلغ التنافس الاقتصادي ردهات المحاكم الفرنسية حيث تنازعت مقاولتان لإنتاج أدوات التجميل حول احتكار الاسم التجاري أركان، وبت القضاء الفرنسي في هذا النزاع بكون اسم “أركان” لفظ أصيل ومستعمل منذ قرون ولا يحق احتكاره تجاريا.
ولكن تتبعا دقيقا لسلاسل إنتاج أركان ومشتقاته ستبرز فروقا كبيرة في هامش الربح بلغت حد الإقصاء من أي مدخول لملتقطي الثمار مثلا. ناهيك عن الاحتكار والتحكم في السوق، وعدم التوازن بين الزمن الإيكولوجي للمواد الأولية والزمن الاقتصادي المتسم بالسرعة وبتنامي الطلب. كما يطرح السؤال حول اندماج هذه الأنشطة في المخططات الكبرى للدولة كالمغرب الأخضر مثلا، والامتيازات الضريبية الممكن إتاحتها لهذه المناطق.
كما ان النموذج الاقتصادي المتبع حاليا بمجال محمية اركان للمحيط الحيوي لا يتيح الاستقرار للساكنة المحلية حيث ان المخططات التنموية –سواء للقطاعات الحكومية او للجماعات الترابية-لا توفر للساكنة المحلية، وخصوصا المرأة والشباب، فرصا للعمل اللائق والحماية الاجتماعية وللاستثمار بشكل يجعل المجال أكثر جاذبية للاستقرار وللحد من الهجرة القروية. وإذ تعتبر جهة سوس ماسة مت بين الجهات الغنية وطنيا بفضل ثرواتها الفلاحية والسياحية والصيد البحري فإنها تضم أفقر الجماعات على الصعيد الوطني.
إشكالات البحث العلمي:
لا شك ان البحث العلمي والجامعات المغربية بشكل عام ساهموا في تنمية الأبحاث العلمية المخبرية في المجال البيئي والبيولوجي والكيميائي والصيدلي الخ… و رغم تنظيم “مؤتمر الأركان” كل سنتين والذي يعتبر مكسبا مهما لتجميع الباحثين و تقاسم ابحاثهم و تجاربهم، الا ان هناك مجالات ما زالت في حاجة الى تنميتها و خصوصا في مجال علم الاجتماع والعلوم الإنسانية بشكل علم، بحيث ان مجال محمية اركان للمحيط لحيوي يعرف عدة تحولات اجتماعية (هجرة قروية قوية، انتقال ديموغرافي، التمدن و توسع عمراني…) و بيئية (تراجع كبير للموارد المائية بفعل التغيرات المناخية، تراجع الغطاء النباتي، مجموعة من الأنواع الحيوانية و النباتي مهددة بالانقراض مما يهدد ثرواتنا من التنوع البيولوجي، تكاثر الخنزير البري نتيجة اختلالات التوازن البيئي، تدهور التربة، الترمل،….)… كما ان انفتاح الجامعة على الفاعلين المحليين من مجتمع مدني وجماعات ترابية يبقى جد محدود. ان هذه التحولات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي يعيشها مجال محمية اركان للمحيط الحيوي تهدد بشكل كبير زوال البعد الثقافي لمجال المحمية والذي سيتم اختزاله في زيت اركان ومشتقاته، في حين ان البعد الثقافي هو العامل المحدد لاستمرار هذا المجال. كما ان التغير المجتمعي الذي نعيشه حاليا (خلال الأربعين سنة الماضية) بمجال محمية اركان للمحيط الحيوي، والذي يتسم بالهجرة القروية وتوسع التمدن، وذلك من خلال الانتقال من وضعية مجتمع “قروي” يعتمد على الزراعة المعاشية الى وضعية مجتمع تأثر بشكل كبير بالتغيرات المناخية يستحيل معها الاستمرار في لزراعة المعاشية، خصوصا بعد هجرة الفئات النشيطة الى المدن…. كل هذا يتطلب مواكبة ودراسة علمية لتحليل الأوضاع واقتراح الحلول البديلة للاستقرار بالمجال القروي وإرساء أسس التنمية المستدامة.
الإشكاليات البيئية:
يعيش العالم على إيقاع التغيرات المناخية، ولمحمية المحيط الحيوي لأركان نصيبها من هذه التأثيرات، فالمنطقة تعاني من التصحر ومن التوسع العمراني، ومن تغيرات واضحة نذكر من بينها:
– توالي سنوات الجفاف بفعل التغيرات المناخية أثر بشكل كبير على الموارد المائية سواء في المناطق السهلية او الجبلية حيث تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، الى حد تلوثها في المناطق السهلية ونذرتها في المناطق الجبلية، مما زاد من هشاشة الأوساط الجبلية .
– تراجع الغطاء النباتي متواصل بفعل التوسع العمراني وندرة التساقطات وممارسة الفلاحة العصرية وسط غابة الأركان والاستمرار في الرعي الجائر.
– الأوساط الجبلية المعروفة بهشاشتها البيئية تعرف خصاصا مهولا في الموارد المائية وبالتالي تراجعا في التنوع البيولوجي وتدهورا للتربة مما يسبب انجراف التربة وتوحل السدود كما يزيد من حدة هجرة الساكنة القروية.
– الاستعمال العشوائي للأعشاب الطبية –خلال الأربعين سنة الماضية-ساهم بشكل كبير في تراجع الغطاء النباتي
– استفادة الخنزير البري من اختفاء مفترسيه ومن حمايته كحيوان محمي جعله يتكاثر بشكل متواصل وبالتالي اعتداءاته على الفلاحة المعاشية لساكنة البوادي. كما ان عدم تحمل الدولة اعتماد نظام لتامين الخسائر التي يحثها الخنزير البري جعل الساكنة القروية تعزف عن الفلاحة المعاشية التي كانت مصدرا لعيش العديد من العائلات.
– استفحال ظاهرة الرعي الجائر والترحال بفعل ظهور مستثمرين نافذين في مجال تربية المواشي والجمال واعتداءاتهم على الساكنة المحلية، رغم وجود قوانين لصالح الساكنة المحلية.
تنضاف الى هذه الإشكاليات إشكالية الوضع العقاري بمجال RBA، حيث ان شجرة اركان تعتبر القرينة الغابوية التي يتم اعتمادها لتحديد الملك الغابوي، مما سبب مشكلا كبيرا بين الساكنة المحلية ومصالح المياه والغابات في تحديده. وقد عرفت عدة مناطق توترات عديدة بفعل هذا النزاع، بحيث ان الدولة تنازع الساكنة المحلية في ملكية الأرض، الشيء الذي يستحيل معه تحقيق التنمية المستدامة التي تفترض التشاور المتعدد الأطراف للتدبير التشاركي للمجال.
– روح قانون 1925 الذي نص على الحقوق السبعة لاستغلال غابة الاركان يتضمن ان تدبير هذا المجال مشترك بين الطرفين، وبالتالي غياب الية تشاورية وتشاركية للتدبير التشاركي زاد من حدة التوترات بخصوص تدبير غابة الأركان.
IV. تحديات الراهن وآفاق المستقبل
إن شبكة جمعيات محمية اركان للمحيط الحيوي تتبنى أساليب العمل المدني السلمي، وتمتح من المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، وتبني مواقفها بناء على خبرتها وتقديراتها للوضع وملابساته، وتتسلح بالتفاؤل والإيمان بالمستقبل في كل خططها. إلا أن اللحظة تقتضي الوقوف على التحديات التي قد تثبط بلوغ غايات هذه المذكرة، ورسم أهم معالم برنامج العمل المستقبلي.
شبكة جمعيات محمية اركان للمحيط الحيوي كغيرها من الجمعيات المغربية تواجه مجمل التحديات المطروحة في الساحة الجمعوية، إنْ على المستوى القانوني أو الواقعي. ولكن تنضاف إلى ذلك خصوصيات مرتبطة بالعمل على محمية المحيط الحيوي لأركان تم طرح جلها سلفا، ولا نعتقد أنه يمكن مجابهة هذه التحديات دون العمل على تأهيل الجمعيات العضوة في شبكة جمعيات محمية اركان للمحيط الحيوي وتقوية قدرات أعضائها، مع التركيز على الكفايات المطلوبة للحملة الترافعية حول هذه المذكرة وامتداداتها النضالية. مع ضرورة تعبئة الموارد المالية الكافية للقيام بحملة تستحضر البعدين الدولي والوطني.
أما بخصوص مداخل العمل من أجل استثمار المذكرة وتجسيد مضامينها على أرض الواقع فنعتقد أن هناك ثلاثة مداخل أساسية تضمن استمرارية وإشعاع المجهودات والإنجازات المتراكمة لدى شبكة جمعيات محمية اركان للمحيط الحيوي وهي:
· تفعيل الأدوار التي أسندها المشرع للمجتمع المدني في مجال الديموقراطية التشاركية، سواء ما يتعلق بتقديم العرائض إلى السلطات العمومية أو تقديم ملتمسات في مجال التشريع، أو من خلال ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى الجماعات الترابية والتمثيل في هيئاتها الاستشارية. لذا ينبغي اغتنام هذه الإمكانات المتاحة في سبيل وضع ملف محمية المحيط الحيوي لشجرة أركان على طاولة النقاش العمومي الوطني، والدفع به إلى مصاف الأولويات لدى المناطق والجهات المعنية.
· تفتح الآليات الدولية للرقابة على تنفيذ التزامات الدول آفاقا واسعة للترافع بشأن تنفيذ التوصيات الصادرة عنها، لذا يجب الحضور ضمن الأعمال الرقابية لهذه اللجان وتقديم تقارير موضوعاتية في مجال أركان والعمل على استصدار توصيات دقيقة ومتخصصة في أركان ومحيطه الحيوي.
· يجب محاربة العزلة القائمة بين مؤسسات البحث العلمي والمجتمع المدني ومد جسور التواصل بينهما، لكي يتسلح الفاعل المدني بالحجج والمعطيات العلمية لدعم مواقفه وينفتح الباحث على هواجس الفاعل المدني وتطلعاته. خاصة أن التجربة أثبتت أن الفاعلين الجمعويين ساهموا في تسهيل مهمة الباحثين في ولوج بعض المناطق ونسج العلاقات مع الساكنة. كما ثبت عالميا أن محميات المحيط الحيوي فضاء متميز وناجع للتجارب العلمية والمختبرية.
V. مقترحات ترافعية:
· إن هذه المذكرة تعبر عن انشغالنا واهتمامنا بأركان ومحيطه البشري والثقافي والاقتصادي والبيئي، وتلخص تطلعاتنا في ضرورة الانخراط في روح محمية المحيط الحيوي كنموذج للتنمية المستدامة بمجال محمية اركان للمحيط الحيوي كإطار للتنمية المجالية، وخلق الترابط بين تدخلات مختلف الفاعلين والوظائف المنوطة بهذه المحمية. لذلك فإننا نتطلع الى:
· أن تفي الدولة المغربية بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، خاصة الحقوق البيئية، ومواصلة انخراطها في الآليات الدولية لحماية هذه الحقوق. وتقوية دور المغرب ضمن الشبكات الدولية والإقليمية لمحميات المحيط الحيوي، والاستفادة من تجاربها الناجحة، والتعريف بنقط القوة في التجربة المغربية.
· أن نأخذ الحكومة المغربية أثناء سن السياسات العمومية ورسم معالم النموذج التنموي، الخصوصيات والمتطلبات التي تميز مجال أركان بعين الاعتبار. من خلال التفعيل الجدي للجهوية المتقدمة، وتمكين المؤسسات الجهوية والمحلية من إسماع صوتها في الشؤون المرتبطة بها.
ونظرا لأن جل الهيئات والمؤسسات الرسمية المكلفة بتدبير مجال أركان موضوعة رهن إشارة الحكومة، فإنها مطالبة بقياس نجاعتها وتقييم أدائها وتنسيق جهودها. والسهر على دعم تأسيس شبكة وطنية من محميات المحيط الحيوي، وشبكات للخبراء والباحثين بهذا المجال، ودعمهم بالوسائل الكفيلة بتحقيق النتائج المتوخاة.
· تقوية ودعم التواصل وتبادل التجارب بين المنتخبين والبرلمانيين والمسؤولين عن المصالح الخارجية بالجهات التي تضم محمية المحيط الحيوي لأركان، وعقد منتديات حول محمية المحيط الحيوي للأركان، ووضع آليات لتنسيق التدخلات في هذه الجهات، مع استحضار خصوصية أركان ومحيطه البيئي والثقافي واللغوي عند كل قرار.
· مواكبة ذوي الحقوق لتقوية تنظيماتهم في إطار جمعياتهم على المستوى المحلي للقيام بالأدوار المنوطة بهم في التمثيلية والحضور في مختلف الأجهزة والهيئات التي قد تمس حقوقهم في هذا الصدد. مع تغليب منطق الحكمة والتبصر واعتماد المقاربة التشاركية والتشاور متعدد الاطراف والانتباه لمتطلبات الحياة الحديثة وأثرها على نمط العيش والتملك …إلخ. والتسلح بمبادئ تدبير محمية المحيط الحيوي
· دعوة الفاعلين الاقتصاديين من مقاولات وتعاونيات المشتغلة في أركان إلى إعطاء المثال في تحمل المسؤولية الاجتماعية في مناطق اشتغالها، والحرص على تفعيل المنافسة ونبذ الاستغلال والاحتكار، واحترام حقوق المستهلك. والإبداع في دعم المبادرات والأبحاث المتعلقة بأركان من مختلف الزوايا.
· دعوة كافة المهتمين من جمعيات وفعاليات وكفاءات قانونية واقتصادية وتنظيمات حزبية وبرلمانيين إلى فتح ورش وطني، تنصب مجهوداته على إبداع إطار قانوني دقيق وموحد لتأطير كل جوانب أركان ومحيطه الحيوي. وتعتزم شبكة جمعيات محمية اركان للمحيط الحيوي في هذا الصدد القيام بتقديم ملتمس في مجال التشريع غايته وضع “مدونة أركان”.
كل هذه التطلعات ستعزز لا محالة انخراط بلادنا في إرساء أسس التنمية المستدامة تماشيا مع التزاماتها الدولية وترسيخ موقع الريادة الذي تحضي به على المستوى القاري والجهوي.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.