بقلم وكيم الزياني//
أي واحد منا لا يقبل أن يموت موتة محسن فكري أو يقبل لأحد غيره أن يقتل بالطريقة التي قتل بها الشاب محسن فكري، مع العلم أن الكثير من شباب وشبات بلادي أطفالا وشيوخا، نساء ورجالا… من هذا الوطن الجريح قتلوا بطريقة بشعة أو أكثر بشاعة من تلك التي قتل بها سماك الحسيمة الشهيد محسن فكري في جرائم تارة تتحمل فيها السلطة مسؤولية مباشرة وتارة أخرى غير مباشرة، ما دامت القاعدة تقول بأن “الدولة” هي التي توفر الحماية لحياة المواطنين والمواطنات وتوفر لهما الأمن من أي سوء قد يحدث لهم، ومثل هذه الجرائم والإغتيالات كثيرة في هذا الصدد سواء بالريف أو خارج الريف، البعض منها أضحت قضية رأي عام محلي ووطني وأخرى لم يكتب أو اردت السلطة أن يكتب لها ذلك.
فإلى عهد قريب قتل الشاب والرابور الريفي حسن بلكيش الملقب ب “ريفينوكس” بطريقة داعيشية بشعة حيث قطع رأسه ورمي به في “غابة كوروكو” نواحي أزغنغان بمدينة الناظور جريمة ما زالت حقيقتها إلى يومنا هذا غامضة تتحمل فيها العدالة المغربية كامل المسؤولية، ونفس الأمر حدث مع إبن أيث بوعياش الشهيد كمال الحساني، انها قمة البشاعة بالفعل أن يقتل في هذا الوطن شاب كافح طوال حياته من أجل الدراسة وبعدما يتخرج بشاهدة جامعية تخول له الولوج إلى سوق الشغل تكافئه الدولة بالزرواطة في ميادين الإحتجاج من أجل الشغل والعيش الكريم بالقتل الغادر من قبل بلطجية السلطة، وكذلك حدث مع شهداء محرقة البنك الشعبي الحسيمة الخمسة الذين ما زالت قضيتهما عالقة في وجدان الحراك العشريني بالمدينة والإقليم وعالقة امام غياب كشف الحقيقة.
رغم قتله البشع وطحن جسمه في شاحنة النفايات قد يكون محسن فكري هو النور الذي سينير طريق النضال الريفيين ضد الحكرة ومن أجل الكرامة والعيش الكريم والإقصاء ورفع الحصار الأمني والإغتيال الإقتصادي وللمغاربة عامة، بعدما أضحت قضيته حدث الرأي العام الوطني والدولي أعادت كما تتبعنا من خلال الشعارات التي عكستها محطات الحراك الإحتجاجي بالريف ومطالبه، قلت أعادت حقيقة شعارات “الإنصاف والمصالحة” مع الريف والريفيين إلى واجهة السياسة العرجاء التي كثيرا ما طبل لها النظام المخزني بهدف تلميع صورته أمام المنتظم الدولي.
فما عرفه الريف من مآسي القتل والاعتقال والإختطاف القسري والتهجير الجماعي والتي كان للنظام المخزني يد طولة فيها لا يمكن القفز عليها بسياسة الهروب إلى الأمام دون كشف حقيقتها الكاملة ولا بسياسة تكميم الأفواه وشراء ذمم بعض الضحايا من قبل ما عرف ب “هيئة الإنصاف والمصالحة”. ويا حسرتاه على الإنصاف والمصالحة المغربية!! ما زلت أتذكر كيف حكي لي أحد الضحايا إنتفاضة 84 الذي قضي شبابه في زنازن السجون والتعذيب البشع الذي مرس عليه هو وأصدقائه المعتقلين على خلفية هذه الأحداث، قال لي: “طلبوا منا أن لا نذكر جلادينا” يقصد “ممثلي هيئة الإنصاف والمصالحة” برئاسة إدريس بنزكري.
أي مصالحة هذه وأي إنصاف هذا الذي يطلب من الضحايا عدم الكشف عن جلاديهم الذين عذبوهم بأبشع وأشد طرق التعذيف في المخافر والزنازن؟ أليس من شروط القطع مع إنتهاكات ماضي حقوق الإنسان هي معرفة حقيقة ما جرى أولا؟ ومعاقبة الجلاد ثانيا، وتقديم إعتذار الدولة للضحايا ثالثا، وتعويض الضحايا رابعا، والتزام بعدم تكرار الجريمة أخيرا؟؟ أين هيئة الإنصاف والمصالحة فيما حدث بالريف من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من هذا؟ والطامة الكبرى أن هذه الهيئة الإستشارية أسست من أجل البث في بعض الإنتهاكات التي عرفها المغرب انطلاقا منذ سنة 1956 إلى سنة حدود سنة 1999. مع العلم أنها أسست في سنة 2004 ، لماذا لم تشمل فترة ما قبل الخمسينيات وفترة ما بعد سنة 1999؟ وكأن النظام المخزني يريد أن يقول بأن عهد الملك محمد السادس لم تحدث فيها إنتهاكات حقوقية لذلك اختصرت الهيئة على فترة ما قبل حكمه انسجاما مع شعاره “العهد الجديد” أراد به وضع قطيعة مع الماضي حكم أبيه الراحل “حسن الثاني”. ولكن بأي طريقة ووفق أي أرضية مبدئية في مسار رسم العدالة الإنتقالية؟ هل إلتزم النظام المخزني في شخص رئيس دولة “العهد الجديد” بشروط العدالة الإنتقالية الحقيقية؟ أكيد لم يفعل، ولو فعل ذلك لما وجدنا نفس الإنتهاكات الحقوقية تكرر، ولما وجدناها حدثت البارحة واليوم والآن.. وآخيرها قضية محسن فكري، مي فتيحة، كمال الحساني، ريفينوكس، عمر خالق، معتقلي الحراك العشريني، شهداء الحراك العشريني بالريف الخمسة والمغرب عامة، أما المعتقلين السياسيين فحدث بلا حرج.
إن ما حدث ويحدث اليوم بالريف من انتهاكات جسيمة في حق حقوق الإنسان من إعتقالات في مناضلين سلمين يطالبون بحقوقهم العادلة وما يعيشه من جرائم قتل للسلطة يد فيها هي تحصيل حاصل للمصالحة العرجاء التي إتبعها المخزن بالريف خاصة والمغرب عامة، أركز هنا على الريف باعتبارها المنطقة الأكثر تعرضا لأبشع الانتهاكات الحقوقية حيث انتفاضة 1958-1959 و1984 ثم 1987، و ضحايا 2004 مرورا إلى شهداء 2011 وصولا إلى 2014 و2016 جلها سنوات الجمر والرصاص والاختطافات والاغتيالات والاعتقالات والقتل، نفذت في حق الريفيين تارة بشكل جماعي وتارة بشكل فردي.
نستحضر هنا بعض التجارب العالمية في العدالة الإنتقالية مثل تجربة لجنتي تقصي الحقائق في الأرجنتين (1983) وتشيلي (1990)، حيث ساهمت تجارب الأرجنتين وشيلي في بلورة جملة من التدابير الإجرائية لصالح ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، مثلما أفضت جهود أوروبا الشرقية في التعامل مع انتهاكات الماضي من خلال فتح ملفات وكالات الأمن الداخلي السابقة وكذا منع منتهكي حقوق الإنسان السابقين من الوصول إلى مناصب في السلطة عبر عملية التطهير، كما أن أهم محطة تاريخية جد متميزة تتمثل في إنشاء جنوب إفريقيا للجنة “الحقيقة والمصالحة” في سنة 1995بغية تدبير ملف جرائم حقوق الإنسان التي عرفها عهد الأبارتيد، واشتهرت في هذا الصدد كذلك المحكمتان الجنائيتان الدوليتان ليوغوسلافيا ورواندا لكونهما اعتمدتا على مقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ان تكرار نفس الإنتهاكات من قبل المخزن يدل على فشل ذريع لما عرف ب “الإنصاف والمصالحة المغربية” ويدل على عدم قطع النظام المخزني مع ماضيه الأسود في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. والفشل نتاج لعدم تنفيذ شروط المصالحة الحقيقية مع الماضي لان من الناحية المبدئية طي صفحة الماضي مرتبطة بشرط معرفة الحقيقة فان الدولة المغربية لم تكشف للرأي العام الوطني والدولي حقيقة ما جر من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن المسؤول عنها في الريف مثلا ونفس الشيء بالمناطق الأخرى؟ هل نعرف مثلا من هم جلادوا انتفاضة 58-59؟ هل نعرف جلادو انتفاضة 84؟ هل نعرف قتلة الفنان الريفي ريفينوكس؟ أين حقيقة محرقة شهداء الحسيمة الخمسة في البنك الشعبي؟ أين حقيقة جريمة طحن الشهيد محسن فكري؟ هذه جرائم ضد الإنسانية، والجريمة الإنسانية وفق القانون الدولي لا يطالها التقادم وتبق مفتوحة للبحث عن مصير الضحايا والمتورطين في جرائمها حتى تحقيق العدالة الكاملة في حق الجماعات والشعوب والأفراد. كذلك فإذا كان من الناحية القانونية الجريمة تستوجب العقاب، فإن “هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب” اشترطت على ضحايا الانتهاكات عدم ذكر الجلادين وأسماء الذين ارتكبوا في حقهم هذه الانتهاكات، إذن أليس عدم مسائلة ومعاقبة الجلادين يشجع على إعادة ارتكاب الجرائم ضد المواطنين؟ إذ فغياب شرط عدم الإفلات من العقاب للجلادين يستحيل الحديث عن شيء اسمه المصالحة أو القطع الماضي.
إن القطع مع الماضي من الناحية المبدئية يتطلب أن يقف الحاكم في الدولة للاعتذار بشكل رسمي للشعب والضحايا التي أطالتها الانتهاكات وتلتزم الدولة أمام شعبها والعالم بعدم تكرار هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فهل حدث ذلك مما يعرف ب”الإنصاف والمصالحة” التي نهجها النظام المخزني مع الضحايا الإنتهاكات بالريف وخارج الريف؟
إستمرار إنتهاكات حقوق الإنسان والمس بكرامته من قبل النظام المخزني بالريف يستدعي من الريفيين وبالأخص أمام هذه الجريمة البشعة التي طحن بها الشهيد محسن فكري فتح ملفات قضايا الجرائم الإنسانية التي كان يد السلطة والنظام فيها، من أجل معرفة الحقيقة كل الحقيقة ومحاكمة الجلادين أمام التاريخ وتقديم جبر الضرر الفردي والجماعي لضحاياها؟ هذا من أجل الحفاظ على الذاكرة الجماعية للضحايا، ما دامت الذاكرة عبرة تاريخية لعدم تكرار نفس الإنتهاكات بالستقبل؟ وكذلك ما دامت المصالحة والقطع مع الماضي مسلسل شامل وكامل لا يمكن تجزيئه فآن الآوان للحراك الشعبي الريفي لفتح قضايا الإنتهاكات ميدانيا ومحاكمة الجلادين سياسيا أمام التاريخ، ولما لا تكوين ملفات حقوقية بهذا الشأن بغية الترافع الدولي من أجل الحقيقة والإنصاف الفعلي بعيدا عن الشعارات الممكيجة التي يتخذها المخزن المغربي وسيلة لتلميع صورته البشعة أمام المنتظم الحقوقي في المحافل الدولية، وهذا تماشيا مع مطالب الحراك الشعبي في شقه المتعلق بالغاء الظهير المشؤوم الذي يعتبر اقليم الحسيمة منطقة عسكرية، وإقرارها منطقة منكوبة تستدعي التدخل الآني والإستعجالي لما تعانيه من مشاكل إجتماعية واقتصادية (ضحايا السرطان الناتج عن الغازات السامة) وما تعيشه من كوارث طبيعية باعتبارها منطقة زلزالية ساكنتها مهددة في أي لحظة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.