أزول بريس – د. خالد الشرقاوي السموني* //
عقد مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة ، يوم الأربعاء 21 أبريل، جلسة مغلقة، تم تخصيصها لمناقشة الوضع السياسي والميداني لملف الصحراء، بناء على قرار مجلس الأمن حول الصحراء 2548 الصادر نهاية أكتوبر الماضي. هذا الاجتماع، الذي ينعقد كل عام في شهر أبريل، أفرغته الجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو من رهانه الأساسي من أجل التوصل إلى حل سياسي متوافق حوله من خلال عرقلتها لتعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة إلى الصحراء بديلا للألماني هورست كولر. هذا المنصب ظل شاغرا منذ ماي 2019 بعد استقالة هذا الأخير .
مشاورات مجلس الأمن انتهت إلى دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تعيين مبعوث جديد من أجل إعادة إطلاق العملية السياسية المتوقفة في أسرع وقت ممكن ، والتأكيد على الحل السياسي للنزاع ومطالبة الأطراف المعنية بضرورة احترام اتفاق وقف إطلاق النار مع التنديد بعرقلة مليشيات البوليساريو لمعبر الكركرات والدعوة إلى التعاون مع بعثة “المينورسو”، و استئناف الموائد المستديرة المحدثة بمقتضى قراري مجلس الأمن رقم 2414 و 2440 ، التي يشارك فيها المغرب والجزائر وموريتانيا و البوليساريو ، كآلية مثلى في اتجاه حل سياسي توافقي.
جبهة “البوليساريو” الانفصالية كانت تنتظر من اجتماع مجلس الأمن أن يحدد موعدا لتنظيم الاستفتاء في الصحراء المغربية من أجل تقرير المصير، وهو ما لم يتحقق ، ما جعلها تصدر بيانا فور انتهاء الجلسة المغلقة أعربت من خلاله عن خيبة أملها وعدم رضاها على مخرجات الاجتماع، عندما اعتبرت خطوة مجلس الأمن لا تقوض آفاق إعادة إطلاق عملية السلام و تترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام تصعيد الحرب الجارية ، ودعت إلى الاستمرار في الكفاح التحريري للدفاع عن نفسها وتحقيق تطلعاتها في الحرية.
الجزائر و”البوليساريو” عندما شعرا بأن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل سياسي للنزاع صار يجد له أصداء إيجابية لدى مجلس الأمن الذي يرى فيه الحل الأنسب والأمثل ، أصبحا يضعان مجموعة من العراقيل، والعقبات بشأن موضوع تعيين مبعوث شخصي للأمين العام، واستئناف المسلسل السياسي للأمم المتحدة، ما دفع السفير، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة مؤخرا ، عمر هلال، أن يوجه رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن أكد فيها أن المغرب وافق، بشكل فوري، على مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تعيين مبعوث شخصي للصحراء المغربية، المتمثل في رئيس الوزراء الروماني السابق، بيتري رومان، في دجنبر 2020، ووزير الشؤون الخارجية البرتغالي، لويس أمادو لاحقا.
المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الحل السياسي الوحيد للنزاع الذي يكتسي المصداقية و الواقعية عندما تبين حقيقة استحالة تطبيق مبدأ تقرير المصير بالشكل الذي ترغب فيه كل من الجزائر و”البوليساريو”، تلك المبادرة التي أيدها مجلس الأمن الدولي في جميع قراراته التي تم اعتمادها منذ عام 2007 ، لأنها تعد مرجعا و خارطة طريق لحل النزاع حول الصحراء ، الذي لا يمكن إلا أن يكون حلا سياسيا وواقعيا ودائما ، و الذي يمكن أن يتبلور عن طريق النقاشات الجدية و النوايا الحسنة في إطار الموائد المستديرة و مراعاة التقدم الذي أحرزه المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كولر.
لقد اختار المجتمع الدولي طريق الشرعية من خلال اختيار لا رجعة فيه لحل سياسي وواقعي وعملي ودائم ، تجسده مبادرة الحكم الذاتي ، التي تم التأكيد على جديتها ومصداقيتها في 17 قرارا اتخذها مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة منذ عام 2007.
ورغم جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب و تم تثمينها من قبل المجتمع الدولي، فإنها مازالت تواجه عقبة الموقف الجزائري، والموقف الانفصالي، الذي يحاول عرقلة التفاوض بكل الوسائل الممكنة، بهدف إفشاله ، وتعطيل تعيين مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء . هذا ما قد يعرقل مساعي المجتمع الدولي وتعقيد المفاوضات داخل الموائد المستديرة التي حققت على أي حال تقدما نسبيا في اتجاه الحل التوافقي .
مع الأسف، الجارة الجزائر تبنت استراتيجية مختلفة، حيث توجهت نحو البرلمانات والمجتمع المدني والجامعات والإعلام، و خاضت معارك فاشلة ضد المغرب وعبأت كافة وسائلها لإدامة هذا النزاع، عوض الانخراط الكامل في مسلسل الموائد المستديرة . لكن هذا لن يثني المغرب عن التشبث بمواقفه الجدية والواقعية أمام المنتظم الدولي و بالحل السياسي للنزاع كحل أمثل و مقبول من قبل أعضاء مجلس الأمن. وهذا ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس في خطابه في 6 نونبر 2019، بمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء، بأن المغرب سيواصل العمل، بصدق وحسن نية، طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا، من طرف منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي.
و على الرغم من هذه العراقيل، فإن المغرب يمضى قدما في تثبيت قضيته الوطنية العادلة أمام المجتمع الدولي، في إطار دبلوماسيته الحكيمة ، تحت الرؤية المتبصرة لجلالة الملك ، والتمسك بالحفاظ على وحدته الترابية، وشرعية تواجده في أقاليمه الجنوبية ، و تعزيز مكانة هذه الأقاليم و تنميتها في ظل نموذج تنموي ،تم تعزيزه بإحداث عدد مهم من القنصليات للدول الصديقة بكل من مدينتي العيون و الداخلة.
*أستاذ بكلية الحقوق بالرباط و بالمعهد العالي للإعلام والاتصال
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.