تُعد ماسة، أو ماست، كما تُحبّذ ساكنتها أن يطلق عليها، بجماعتيها، ماسة وسيدي وساي، إحدى المناطق القروية التابعة لإقليم شتوكة آيت باها، في جهة سوس ماسة، وتبعد عن مدينة أكادير بحوالي 55 كيلومترا، وعن مدينة تزنيت بحوالي 45 كيلومترا، وتتربع وسط سهل سوس، يخترقها وادي ماسة الذي يقسمها إلى ضفتين شرقية وغربية، وبها مصبه في المحيط الأطلسي.
كثيرة هي مؤهلات “ماست”؛ شريط ساحلي ممتد، وادي ماسة التي يخترقها، والذي يوفر ثروة طبيعية وبيئية غاية في الأهمية، أراض مسقية باعتماد نظام الري التقليدي في “تاركا ن ماست”، مآثر عمرانية وأسوار عريقة، منتزه وطني يضم طيورا وحيوانات نادرة، بالإضافة إلى عنصر بشري مؤهل فكريا وثقافيا، إلى جانب تاريخ تليد، جرى تناوله في أبحاث ومراجع كثيرة.
في الجانب التدبيري، تعاقبت على تسيير الجماعتيِن مجموعة من المجالس المنتخبة؛ وإن كانت لكل تجربة خصوصيتها، فإن القاسم المشترك بين تلك التجارب هو الاهتزاز السياسي الذي وسمها، والذي كان يصل حد إقالة رئيس أو محاولة ذلك، أو عزله، ما كان يخلق أجواء متوترة في تدبير الشأن المحلي، لازالت متواصلة، وأثرت، بلا شك، في المجال التنموي؛ ما كان يدفع الساكنة إلى التساؤل عن جدوى انخراط الطبقة السياسية المحلية في تطاحنات تؤخّر الفعل التنموي، وتؤثر على سرعة تنفيذ المشاريع المبرمجة.
الجانب البيئي في ماسة شهد في الآونة الأخيرة اختلالات خطيرة، إذ نضبت مياه أحد أعرق منابع الماء في منطقة “أغبالو”، والذي كان دعامة أساسية للساكنة في التزود بالماء الشروب؛ كما شهدت واحة ماسة “تاركا ن ماست” تدهورا كبيرا، بعدما كانت مصدرا أساسيا للكلأ والمعيشة، أضف إلى ذلك ما شهده وادي ماسة، في الآونة الأخيرة، من نفوق أعداد كبيرة من الأسماك، ما أثار كثيرا من ردود الفعل، لاسيما لدى المهتمين بالمجال البيئي.
محمد زايد، فاعل جمعوي بـ”ماست”، قال في تصريح لهسبريس: “مرارا ما نادينا بتوحيد الرؤى والمصلحة حينما يتعلق الأمر بملف كبير عن جماعة أو أخرى بماسة الكبرى؛ فالملفات الكبرى تستدعي من الجماعتين العمل سويا بعيدا عن التقسيمات الإدارية، التي لم تجن إلى حد الساعة منها ماسة الكبرى إلا ضياعا للمصلحة العامة، وتدهورا في كل المجالات، خاصة إن واكبتها الحزازات السياسوية التي لن تفيدنا في شيء، إن تعلق الأمر بملف كبير كحجم ملف الوادي، وادي ماست، وما آلت إليه الأوضاع في هذا الإرث والتراث المادي الأصيل”.
وأضاف المتحدّث ذاته: “إنقاذ المنظومة البيئة لوادي ماسة ومحيطه، بتاريخه التليد والعريق عبر مر العصور والحضارات، ودوره في الحفاظ على التنوع البيولوجي الإحيائي، وما نعيشه اليوم كساكنة المنطقة إثر ظاهرة نفوق الإحيائيات بسبب خلل في التوازنات الطبيعية للوادي، نتيجة كثرة الآزوت والملوثات في المواد المستعملة لأغراض زراعية، زد على ذلك عدم ضخ ميزانية خاصة وسنوية من طرف الجهات العليا لتنقية الوادي في فترة الجفاف، طبعا من الطحالب المائية التي تستهلك بكثرة الأكسجين الخاص بالإحيائيات، ما يؤدي إلى تدهور “الإكوسيستم”، وبه إلى نفوق وموت الأسماك والإحيائيات بصفة عامة”.
ويرى الفاعل الجمعوي ذاته أن إنقاذ هذا الموروث والتراث المادي الأصيل يتطلب “عقد دورة استثنائية طارئة ومستعجلة وموحدة بين مجلسي ماسة وسيدي وساي، لدراسة الظاهرة في شموليتها، للوصول إلى الحلول الممكنة والآنية قبل تفاقم الأوبئة والأمراض، التي لن نرحم عند ظهورها أي جهة مسؤولة عن تفاقمها كهيئات من المجتمع المدني، خاصة الصحية منها”.
“كما يتوجب على المجلسين تقديم ملف مطلبي للجهات المعنية، سواء جهويا أو وطنيا، لاستجماع الضيعات المائية وتنقية الوادي والقناطر حتى تتخذ القطرات المتبقية مجراها نحو المصب، وعلاجها بالأدوية الملائمة، إلى جانب إبعاد كل ما من شأنه الركوب على الظاهرة لأمور انتخابوية وما إلى ذلك، باعتبار الأمر مصلحة عامة تستوجب منا توحيد الصف وفي أقرب وقت ممكن”، يورد المتحدّث.
الظواهر التي تساهم في تدهور المجال البيئي بماسة في الآونة الأخيرة يقترح بشأنها الفاعل الجمعوي محمد زايد، على جمعيات المجتمع المدني، “الوقوف في موقف تأهب وتوجيه عرائض وشكايات للجهات المسؤولة لاحتواء الوضع، خشية تدهور الموروث المادي وظهور الأوبئة، بالإضافة إلى عقد مناظرات وندوات لتحسيس الساكنة بالحدث والظاهرة، والحلول الممكنة، حتى تشارك في نظافة المكان”.
رشيد بيجديكن
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.