اولا: الكتب التي تم نشر صفحات حقيقية منها في الفيسبوك (دعنا من الفوتوشوب أو كتب لدول أخرى)، هي كتب السنة الأولى والثانية من التعليم الابتدائي، وهنا لا داعي لنقاش تطوير اللغة، أو تمرير قيم ومهارات تفوق مدركات الأطفال في هذا الطور، بمعنى يجب أن نناقش هل ما في هذه الكتب يلائم هذه الفئة العمرية أم لا، دون القفز إلى إشكالات مرتبطة بفئات أخرى، أو قضايا “كبرى”.
ثانيا: ليس في تلك الكتب أي إدماج للدارجة مطلقا، فكلمات مثل بغرير هي أسماء أكلات تبقى على حالها، أو تخضع لقواعد الاشتقاق في اللغة المعيار فقط، وستجد كلمات مثل : الكنافة أو بايلا أو بيتزا في الكتب المدرسية لبلدان تعتبر هذه الأكلات من ثقافتها المحلية، أما جملة ” تسخن عظيماتها” فهي جملة سليمة تركيبيا وصرفيا وتداوليا بلاغيا، فهي مجاز مرسل ، والعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي هي : ذكر البعض وإرادة الكل.. طبعا هي جملة في أصلها التداولي / لا التركيبي من العامية المغربية، لكن حين تم إخضاعها للنسق الفصيح لم تخل بأي شرط من شروطه. وهذا نوع من أنواع التجسير اللغوي الذي يساعد على اكتساب اللغة سريعا عند الأطفال في هذا السن.
ثالثا: يحتج البعض بأن كلمات : بغرير و بريوات، فيها تسطيح للوعي!! وهو قول مجانب للصواب، وكأن الكتب المدرسية كلها دروس في الطبخ، هي صفحة واحدة من بين مئة صفحة، ولها سياقها. وهنا نعود لديداكتيك تدريس اللغات في التعليم الأولي والسنتين الأوليين من التعليم الابتدائي، في هذه السنوات الأولى تكون الكفاية المستهدفة هي قدرة المتعلم على قراءة وكتابة جملة بسيطة.. وهنا لتسهيل عملية اكتشاف الحرف واستذكار رسمه/كتابته بشكل سلس، يحبذ اكتشاف الحرف ضمن كلمة مألوفة عند التلميذ، ويسهل عليه اكتشاف الكلمة من خلال الصورة المرافقة.. لذلك يتم الرهان أكثر على ما هو مألوف عند التلميذ: أفراد الأسرة، الأكلات، اللعب، الحيوانات….
رابعا: هناك عملية اجتزاء لبعض الصفحات وعزلها عما قبلها أو بعدها: فمثلا نص عزل ذكر الأرنب عن انثاه،، هو نص في الدرس العلمي( في المستوى الرابع وليس الأول) عنوانه” التكاثر عند الحيوانات” ، عبارة عن وضعية تعلمية، ينطلق منها الأستاذ لبناء خلاصة مع متعلميه من الأطفال أن التكاثر عند الحيوانات يحتاج لذكر وانثى، وليس هناك أي حديث عن العلاقة الجنسية ، وهذا الدرس موجود في كل دول العالم.
خامسا: توظيف بعض الصيغ مثل : بوووووم/ طاااخ، هو توظيف عاد مرتبط بتكثيف عملية إيجاد الرابط بين الصوت وبين الحرف المعبر عنه، وهذه الصيغ موجودة في كل الكتب المدرسية بالعالم ، من يدرس أبناءه في مدارس البعثات أو المدارس الخاصة سيجد في كتب الفرنسية : poom craaach ouuuuhh 
سادسا: نص اللفتة التي طارت، هو نص مترجم من قصة فرنسية مشهورة للأطفال، وللأسف لن يعترض أحد لو رآها في كتاب الفرنسية، ومع ذلك فشخصيا لم استسغ النص، ولم أرى أي جدوى بيداغوجية تبرر نقله للتلميذ المغربي، في تراثنا من قصص الأطفال ما يغني عن ذلك. أما بوبي في المدرسة فعاد جدا، لأنه من المحبب عند الأطفال،، ومن المألوف عندهم في الرسوم المتحركة مثلا، وفي فرنسا مثلا هناك شخصية قرد يذهب لمدرسة فيها أطفال.
سابعا: ما أشدد على التنبيه عليه هو ضرورة حصر النقاش البيداغوجي والديداكتيكي في السنتين الأوليين من التعليم الابتدائي، حتى نفهم مغزى ما في هذه الكتب، وكذا الاختلالات وهي موجودة.
ثامنا: يطرح البعض أن كلمة مثل بغرير لها مقابلات في مناطق أخرى من المغرب، هنا يجب أن نستبعد مقابلاتها في المناطق الناطقة بالأمازيغية، لأنه توجد كتب مدرسية لمادة الأمازيغية، التي يجب أن نناضل لتعميمها، وتلك معركة أخرى ومستعجلة.اما المناطق غير الناطقة بالأمازيغية ولا يسمون البغرير، فذلك يقتضي الدفاع عن إخراج المقررات المحلية والجهوية التي توجد قوانينها في الأوراق فقط.
تاسعا؛ ما كتبته ليس دفاعا عن تلك الكتب، ولا عن الوزارة، فتقريبا كل البحوث التي اشرفت عليها مع طلبتي كانت حول الكتب والمقررات التي لا تتوافق مع قيم التعدد وحقوق الإنسان، وتحمل تميييزا ضد المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والبادية والمختلفين من حيث اللغة او اللون أو الدين. ما كتبته هو تنبيه لانجرارنا نحو نقاش موضوع غير موجود.. هنا اطرح سؤالا: من له المصلحة في إثارة موضوع الدارجة في هذه المرحلة، وجر المجتمع الفيسبوكي ثم الرأي العام إليه؟
أخيرا: مع الدخول البرلماني في أكتوبر ستتم المصادقة على القانون الإطار للتربية والتعليم،، قانون سيحكم المنظومة التربوية لسنوات قادمة، قانون إطار يمهد لإلغاء المجانية . ولتعميق التعليم الطبقي.. هذا ما كان يجب أن تتكتل حوله الجهود لإسقاطه، لكنهم كانوا ماكرين وأخرجوا ورقة “الهوية” المهددة بالبغرير، لأنهم يعرفون أن معارك “الهوية” هي مجال خصب للانفعالات والشعبوية والتضليل وسهولة التلاعب بالعقول، ومن ثم سهولة الانقسام إلى فسطاطين/جيشين. 
ملحوظة: من من جيلي يتذكر نص “المقامة المضيرية” ؟.. في هذا النص ذكر للمضيرة والفالوذج وهما اكلتان عراقيتان.. ولم يعترض أحد من بعض من اعترضوا على البغرير.. ملاحظة للتأمل فقط.

الاستاذ خالد البكاري