ليبيا : ماذا أفرزت بوزنيقة؟
أزول بريس – محمد شنيب – ميلانو – سپتمبر 2020 //
مازالت الأزمة الليبية تتخبط وتتفاقم يوما بعد يوم بل تزداد ابتعادا للوصول إلى الحل الأنجح والأنسب لحلها. سبب هذا التخبط والابتعاد عن الوصول إلى الحل يقع ليس في عدم وجود حل لهذه الأزمة المتفاقمة بل في إصرار اللاعبين في الأرينا السياسية على التالي:
أولا- ارتباطهم وتمثيلهم التطوعي لعمالة موزعة بين عدة دول ابتداء الدول الشرق أوسطية كالدولة الوهابية السعودية ودويلة الإمارات الغنيتان بالنفط واللتان تحاولان الاستفادة من موقع ليبيا الجغرافي وشواطئه المطلة على البحر الأبيض المتوسط (1) وكدلك دولتا مصر والأردن
واللتان تحاولان الاستفادة من تعميق هذه الأزمة في تحقيق مآرب لهما لحل مشاكلهما السكانية والاقتصادية من بطالة متفاقمة ومتزايدة بشكل طردي (بالذات في دولة مصر)(2)وعدم وجود إمكانيات لحل هذه المشاكل علاوة على الفساد والطمع المتزايد في أنظمة الحكم بهما وبالذات دولة مصر العسكرية،والغريب في الأمر أن هذه الدول هي لا أكثر ولا أقل من بيادق لدول كبرى أخرى هي فرنسا وروسيا اللتان تطمحان في السيطرة على ثروات ليبيا وتسخيرها لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية. هذا من جانب دويلة قطر الحالمة ايضآ بالحصول على الشواطئ الليبية ودولة تركيا لتي بدات تخطت لاسترجاع وبسط الخلافة العثمانية الإسلامية من جديد،وخاصة وأنها لم تفلح في محاولاتها الدخول في الاتحاد الأوروپي بالرغم من وجودها في في حلف الناتو علاوة على قوتها العسكرية التي تعد الثانية في الحلف بعد الولايات المتحدة الأمريكية. فقامت مع دويلة قطر الصغيرة في العدد والغنية بالغا ز الطبيعي بإستخدام التيارات الاسلامية متمثله في المجموعات التي تعد غريبة على المجتمع الليبي والتي تكونت أثناء الحرب الأفغانية وكذلك أيضآ تنظيم إخوان المسلمين الذي تربى ونما في المشرق وبالذات في مصر (3)
ثانيا -عدم فهم وإصرار المجتمعين من الطرفين على الفكر الجهوي بل القبلي الغريب (4)وتحديد هدفهم من اللقاء في “بوزنيقه” على توزيع الوظائف بين الجهات المختلفة أو بالأحرى على نظام الولايات الذي إنتهى في عام 1963.هذا الهدف الذي لم يعطي أي إعتبار إلى الحل للمشكلة الليبية ولم يتناول خلق وطن حديث بل أصر على جعل ليبيا دولة مهزوزة لا وجود لشعب له دور أساسي في تسيير أموره التي تقيمها الديمقراطية وسعى جاهدا للحلول الجهوية والقبلية والرجوع إلى الوراء إلى ما فبل عهد الولايات الذي إنتهى في 1963 من القرن الفارط. وتناسى هذا الإجتماع بأن المناصب(الوظائف) تعطى حسب الرجل المناسب في المكان المناسب وليس على أساس المحاصصة الجهوية.
وهنا يجب أن نذكر أنه عندما إندفع الشعب الليبي في إنتفاضة 17 فبراير عام 2011 مقدمآ ألاف الشباب لتنحية نظام القهر والعبودية القذافية ذلك الحكم الفوضوي الذي حكم ليبيا لمدة 42 عام والذي عاش فيها الشعب الليبي وبالذات الشباب في عزلة تامه عما يجري حوله في العالم حرمت فيه الحقوق والأنشطة السياسية ومنعت فيه أي إتجاهات ثقافية وقلصت الصحافة لتكون فقط أبواق دعاية لأفكار القذافي الغريبة، وتكون جيل من الشباب لم يكن له أي طموح ذو أبعاد سياسية أوثقافية ومنع تعليم اللغات الحديثة كالإنجليزية والفرنسية ومنع الإعتراف بحقوق الليبيين الأمازيغ حتى أنهم منعوا من ممارسة الحديث بلغتهم خارج بيوتهم وحرم حتى إستخدام أسماؤهم الأمازيغية،وزادت طوابير البطالة وشجع إنتشار المخدرات بين الشباب وزاد الفساد في أجهزة الدولة والشركات العامة والخاصة، كانت أهداف الإنتفاضة إلى جانب الإطاحته بالقذافي بناء وطن مبني على الحداثة والديمقراطية التي رفعت شعاراتها الإنتفاضة وبكل وضوح غير أن طابور الدول الطامعة وشراذم المتخلفين سياسيآ (من إسلاميين على مختلف مللهم والجهويين القبليين الذين لم يستوعبوا أن الوطن للجميع) كان متربصآ للوقوف ضد الإنتفاضه ومنعها من تحقيق أهذافها معتمدآ أساسآ على ضعف البنية السياسية للإنتفاضة،حيث أنه لم تكن وراء الإنتفاضة أي أحزاب سياسية ولم يكن هناك أي برنامج سياسي ناضج مطروح لتنحية الديكتاتور القذافي وأكثر من هذا لم يكن هناك أي إنتماء سياسي لمعظم الشباب الذين قاموا بالإطاحة بذلك النظام الفردي/العائلي،لم تكن هناك سواء الفطرة السياسية ذات الطابع الوطني…وأطيح بالقذافي وعاءىلته وزبانيته.
وتشكلت أحزاب سياسية ليس لها سابق خبرة في العمل السياسي الحزبي وبالرغم من كسبها إنتخابات أول پرلمان ديمقراطي حزبي في تاريخ ليبيا إلا أن قوى العمالة المرتبطة مع القوى الأجنبية تمكنت من تغيير مسار الپرلمان وتسيير البلاد نحو نفق مظلم كلف البلاد حرب أهلية وصراع بين الدول الكبرى. هذا النفق الذي لمتخرج من ظلمته ليبيا.
اليوم يجلس شراذم في “بوزنيقة” ليتقاسموا الكعكة بين جهويي من يسمي نفسه رئيس پرلمان “طبرق” والمنتهية صلاحيته منذ 2016 ومن أنصار الجهوية القبلية ومن كان له اليد الأولى وراء مجرم الحرب على طرابلس “البيدق العقيد حفتر”(5) مع من يسمون أنفسهم ممثلي رييس المجلس الأعلى والمعروف بإنتمآته الإسلامية المشبوهة؛ ولا نعرف حتى كيف تم إختيارهم سوى من التيار الإسلامي فداخل هذا المجلس.لماذا يجلس هوءلاء مع بعضهم ليجدوا أن الأزمة الليبية هي أزمة توزيع الوظاءىف وليست بناء أسس وطن حديث،متناغمين مع ما أملته عليهم الدول التي يمثلون مصلحتها إبتداء من دويلة الإمارات ودولة الوهابية السعودية وجمهورية مصر والمملكة الهاشمية الأردنية وفرنسا وروسيا التي سيطرت على الحقول النفطية من جانب ودويلة قطر ودولة تركيا من الجانب الآخر.
تجاهل الحاضرون الليبيون في “بوزنيقة” ليبيا والليبيون ولم يتعرضوا للتواجدات الأجنبية ولم يذكروا حتى كلمة واحدة عل التواجد الروسي في الحقول والموانيء النفطية ولم يتحدثوا عن دولة الديمقراطية والحداثة والتي قوامها الأساسي الدستور والإنتخابات الديمقراطية بل رجعوا إلى عصور القبلية وتوزيع المناصب.
هوامش للمقال :
(1)ليبيا هي الدولة الوحيدة التي لها أطول شط على البحر الأبيض المتوسط يبلغ طوله حوالي 2000 كم مقابل الشواطيء الأورپية.
(2)تعاني مصر من إنفجار سكاني رهيب وإزدياد في عدم وجود فرص العمل وحاليآ يتم تهديدها بتحديد كميات الماء التي تأتي مع نهر النيل وخاصة بعد إنشاء سد “النهضة” في أثيوبيا
(3)تأسس تنظيم الإخوان المسلمين بمساعدة بريطانيا عام 1928 ف مصر
(4) المجتمع الليبي ليس مجتمعآ قبلييآ كما يحاول التسويق له الكثير من الشرقيين، وحتى عند وجوده في بعض المناطق وبالذات الشرقية من ليبيا نجد لا وجود لشيخ القبيلة من ناحية التاثير السياسي.
(5)السيد عقيلة صالح “رييس پرلمان طبرق لم يعترف بإتفاق “الصخيرات” وقام بتفويض هجوم مفتر على “طرابلس” بل طالب في جلسة في الپرلمان المصري تدخل عسكريآ في ليبيا. اليوم طرح نفسه ممثلا للشرق الليبي ومصرآ على حل المشكل الليبي على أساس المبادرة المصرية..!
التعليقات مغلقة.