ليبيا دولة مغاربية

إن دول المغرب الكبير الذي تشكل في ستينات القرن الفارط من مجموعة الدول المغاربية إبتداء من ليبيا  “الجناح الشرقي للمغرب الكبير”* على أسس  منطقة من مفهوم عصري ثقافي  وليس قومي شوفيني كانت واجهته الشرقية تبداء بالحدود الليبية أي المحادية لما يسمى دولة مصر.

وكان لهذا الإتحاد أو التحالف،إذا صح التعبير،لاشك جذور تاريخية قديمة عرفت قبل مجيئ العرب من الجزيرة العربية حاملين معهم الإسلام إلى السكان الأصليين للشمال أفريقيا بإستثناء مصر وكانت الأراضي التي تبداء بالحدود الغربية المصرية والمحادية لليبيا اليوم وحتى المحيط الأطلسي وكانت تسمى آن ذاك (ليبيا) وكما سماها الإغريق وهذا والإسم وارد حتى في كتابات المؤرخ الإغريقي المعروف “هيرودوت”..وتسمى هذه المنطقة جغرافيآ أيضآ “تامزغاء” وذلك لإن سكانها هم الأمازيغ أي سكان شمال أفريقيا الأصليين.

سكان المغرب الكبير يربطهم في واقعهم الجغرافي تاريخ وثقافة تم إنكارهما وبالذات بعد توغل الفكر القومي العروبي و تنعوشه بمساعدة بريطانيا  وفرنسا في المشرق وزيادة نشاط هذا الفكر القومي العروبي الناصري في مصر والبعثي في العراق وسوريا في المشرق والذي كان يسوق فكرة ”الوطن العربي الواحد” الكاذبة  مستنكرآ الإعتراف بالوجود التاريخي للسكان الأصليين  الأمازيغ والمكونات الإجتماعية الأخرى والمتواجدة  في الشمال الأفريقي والإصرار على عروبته كما كان يصر على عروبة الأكراد في العراق وسوريا وبهذا محاولا في يأس مستمر لتثبيت الفكر الأحادي في تعميق الأحادية الإثنية والدينية.

ما يسمى خطأ “المغرب العربي” هو إسم تم تسميته عند ما تم  إجتماع قادة الدول المغاربية الخمس (ليبيا،تونس،الجزائر،المغرب وموريتانيا) في مدينة “وجدة” المغربية في عام 1989 لإحياء ولتجديد  إتحاد دول المغرب الكبير   وكانت النية متجه  لتسميته “الإتحاد المغاربي”**على غرار ما كانت تسميته عند إنشائه في ستينات القرن الفارط، غير أن ديكتاتور ليبيا آن ذاك (القذافي) والذي كان مازال مهووسآ بالعروبية والفكر القومي الفاشي أصر وبتعنت على تسميته “إتحاد المغرب العربي”.

ما يثير التعجب هذه الأيام أن الكثير ممن يسمون أنفسهم كتاب ومثقفي وصحفيي عروبي الدول المشرقية يسوقون وبإيعاز من الدولة الوهابية السعودية  أن ليبيا ليست من دول هذا الإتحاد ويحاولون ربطها بالمشرق متناسين تاريخ ليبيا التي هي  واجهة “المغرب الكبير”.وأن لا شك أن حدود ليبيا مع مصر  تضم واحة “سيوا” المصرية والتي بها سكان أمازيغ مازالوا يتحدثون اللغة الأمازيغية ويعتبرون أنفسهم من أمازيغ الشمال الإفريقي…!!!

إن الإرتباط والواقع التاريخيي والجغرافي وآثاره الإجتماعية هو من يحدد جغرافية هذا الموقع للمغرب الكبير وليس له أي صلة بما أراد الزعماء تسميته في عام 1989 بل ليس له علاقة ما تقرره دولة الوهابيين السعودية وحليفتيها دولة الإمارات ومصر.

تعرضت الجزائر وموريتانيا ومن بعدهم تونس والمغرب  للإستعمار الفرنسي الذي فرض لغته على شعوب هذه البلدان وتعرضت ليبيا إلى الإستعمار الفاشيستي الإيطالي الذي تم دحره من قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية الذي أدى إلى تحكم  الإدارة البريطانية في الشمال الشرقي الليبي “برقة” وقامت  بالتحالف مع الحركة الحركة السنوسية الدينية ذات الأصول الجزائرية  والتي كانت تهذف فقط للحصول على  إستقلال إمارة “برقة” وتولى السيد محمد إدريس السنوسي ولاية “برقة” ولم يهتم ب “طرابلس الغرب” ولا ب “فزان”،وكانت النية مبيتة من بعض الجهات إلى خلق ثلات دول هي إمارة برقة التي تكون تابعة للسيطرة بريطانيا وحكومة طرابلس التي تكون تحت التبعية الأيطالية وحكومة فزان التي تتبع فرنسا؛غير أن هذا المشروع والمسمى مشروع (بيڤن سفورزا) وزيرا خارجية بريطاني وإيطاليا ،فشل في المصادقة لديه في مجلس الأمن عام 1948 نتيجة للڤيتو السوڤياتي

إن الإرتباط الإجتماعي والثقافي وتماثل العادات والتقاليد والذي يصل إلى الأكلات المعروفة وبالذات الأكلات القديمة مثل “كسكسو”***حسب ما زالت تنطق بالأمازيغية الليبية وغيرها من الأكلات “طاجين جبن” و”طاجين حوت” وطبق “الفتات” وطريقة  إعداد الشاهي بال”كشكوشة” واللباس الوطني وبالذات للنساء في المناطق الفلاحية وعادات الأعراس المفعمة ببعض الأساطير القديمة ،  ووجود الأمثال الشعبية التي تعكس بقايا الأساطير الثقافية التي مازالت موجودة  في بلاد المغرب الكبير ، زِد على هذا تشابه أسماء العائلات في بلدان المغرب الكبير هذا جزء من الإنتماء للهوية ذات التراث الأمازيغي القديم التي مازالت متواجدة في بلدان  المغرب الكبير..

إن محاولات العروبيين والقومجيون العرب نزع صفة المغاربية عن ليبيا هي محاولة لا فائدة منها لأنه كما ذكرت سابقآ إن إسم ليبيا هو الإسم القديم لمنطقة المغرب الكبير. وإن محاولات الدولة الوهابية السعودية والإمارات الحديثة التاريخ ومصر السيسي والطامعة في خيرات ليبيا****

لن تتحقق وستبقى ليبيا وطن لكل الليبين بعربه ومستعربيه وأمازيغه وطوارقه وتبوه.وطن يعترف بحقوقهم الوطنية ولا يفرق بينهم مهما حاول الكتاب العروبييون من تزييف للتاريخ الليبي والإفتراء على هويته المغاربية والتطبيل لعودة الديكتاتورية العسكرية لبيدقهم العقيد وميليشياته التي لم يتوانى على تسميتها الجيش “العربي” الليبي…!!

لتحاول الدولة الوهابية السعودية منشأ الإرهاب  والفكر السلفي وربيبتيها الإمارات ومصر .وستبقى ليبيا وطن مغاربي معتزآ بكل مكوناته الإجتماعية دونما آي تفضيل لمكوّن عن الآخر وسيسير أبنائه نحو بناء وطن الحداثة مبتعدآ عن الأحادية بجميع أنواعها وحثيتآ نحو الديمقراطية الحقة

محمد شنيب/ طرابلس مايو 2020.

هوامش :

*كما سماها الملك الحسن الثاني ملك المغرب في إجتماع قادة الدول المغاربية  في وجدة عام 1989

**يذكر هنا أنه في عام 1968 كان من أكثر المنادين والمناصرين لفكرة المغرب الكبير المناضل الصحفي الليبي ” فاضل المسعودي” والزعيم التونسي “الحبيب بورقيبة” وتجدر الإشارة هنا أنه عند إقامة أول مهرجان فني موسيقى مغاربي في المغرب  كانت ليبيا هي من كسب الجائزة الأولى في تقديم الفن الموسيقي الغنائي والمعروف والمشهور  فقط في المغرب الكبير ب “المالوف” ذو الأصل الأندلسي

**”كسكسو” هو النطق الصحيح لهذه الأكلة الليبية المغاربية؛ وليس كما تنطق اليوم في الكثير من مناطق المغرب الكبير “الكسكسي”. ويذكر أن وزيرآ جزائريآ وقف مرة عندما حاولت مجموعة من الدول إدخال مصر في منظومة المغرب الكبير قائلآ “إن المغرب الكبير ينتهي حين لا يعرف كسكسو كأكلة وطنية”

***يوجد حاليآ في الغرب الليبي ما يزيد  عن مليوني عامل مصري  يشتغلون في الزراعة والبناء وغيره من المهن وعائلتهم في مصر يعيشون على دخل هذه العمالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد