كل ما أعرفه ، هو أنني لا أعرف شيئا!
بقلم محمد لحميسة
في جو السلم أو الركود المُمنهج من الصعب القول أننا الأن نعيش حربا ، لأن الحرب في مخيلة الجميع تستوجب أسلحة دمار وصواريخ وعتاد عسكري في جو مكهرب سماته الضغط والقلق والدعوة للتجند ومن لا يحمل السلاح ليس وطنيا أو بالأحرى ليس مواطنا ويجب قتله لأنه مثله مثل العدو .
إلا انني أقول بأننا اليوم نعيش حربا ، لا جياد فيها ولا سيوف ، لا دبابات ولا صواريخ ، بدون قنبلات وبدون زي عسكري مزركش بالأخضر ، حرب سيميائية كما تنبأ وسماها المرحوم المهدي المنجرة ، حرب يقودها أصحاب الياقات البيضاء النقية ، أصحاب بدلات التوكسيدو الغالية .
لا نستطيع بأي حال أن نميز قذائفهم التي تتجسد في الخطابات ، حرب دعائية وإعلامية تسوقُنا كما لو كنا قطيع ، حتى لو تمرَّدت لن تخرج من ذاك القطيع ، أينما اتجهت تجد نفسك تتوسطهم وقد تم التلاعب بك ، أو الحقيقة أنه تم رميك برصاص حديث وليد تحولات العولمة يخرج من اللسان لا المسدس.
حرب نحن جنودها ، نتطاحن لنُسَوِّقَها ولنتشارك مأساتها ونتجرع كلماتها كأنها سم لا هروب منه والكل يتسابق لشربه ، سم يقتل ببطئ ولكنه أوكسير للحياة تكاد الحياة تنعدم بدونه، لا عجب في أنهم يسمون هذا الاعلام بالسلطة الخامسة ، والحقيقة انها اقوى سلطة في العالم الحديث .
فالعالم ما بعد القطبية الثنائية ، عالم “الترشيد العقلاني” كما يسميه ماكس فيبر ، يعيش هذه السلطة -أي سلطة الاعلام- لأنها تأخد قسطا كبيرا من حياتنا ، بموجبها نعرف ما جرى في كل مكان ، لكن نعرف فقط ما يريدون لنا أن نعرف ، حتى لو عرفنا الحقيقة فإن طريقة روايتها تكون الفارق .
لهذا، و بعد التفكير الملي أظن أنني سأكون أحمقا إن قلت يوما أن هذا رأيي بخصوص هذا الموضوع أو ذاك، لأن الحقيقة هي أنه ليس رأيي ، بل هو رأي أُرِيدَ لهُ أن يكون رأيي .
ولأنني لا أريد أن أكون جنديا في حرب سلاحها اللسان والقلم ، علمت قيمة الصمت وجدواه كما قال ميخائيل نعيمة في مذكرات ” الأرقش”، وأدركتُ حلاوة السكوت، ولم يدرك المتكلمون مرارة الكلام، لذا سكتّ والناس يتكلمون”، وأدركت أن كاهنة دلف كان تعي ما تقوله وليس كلامها ضرب من سراب عندما قالت أن سقراط حكيم اليونان.
وسأضيف عن ذلك بأنه أحكم الرجال في التاريخ وليس في اليونان فقط والحكمة متجسدة كل التجسيد في قوله “كل ما أعرفه ، هو أنني لا أعرف شيئا ” .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.