كلميم : أرضية الندوة الموضوعاتية: تعزيز المساواة بين الجنسين، مداخل ومقاربات متقاطعة
انخرط المغرب في العقدين الأخيرين، وبفضل دينامية الحركة النسائية المغربية والمجتمع المدني الحقوقي، في مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية التي سعت للارتقاء بوضعية النساء بالمغرب ورفع التهميش والتمييز الذي يتعرضن له وضمان مشاركتهن الفاعلة في الحياة العامة.فقد صادق على مجموعة من الاتفاقيات المهتمة بحقوق المرأة وأهمها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، والتي تدعو إلى المساواة الكاملة بين الجنسين وتؤكد أن تنمية أي بلد لا تتحقق إلا بأقصى مشاركة ممكنة للمرأة على قدم المساواة مع الرجل في مختلف الميادين. كما قام بإجراء مراجعات مهمة في مجموعة من التشريعات الوطنية، من قبيل مدونة الشغل سنة 2003، ومدونة الأسرة سنة 2004، وقانون الجنسية سنة 2007، واطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 والتي أدمجت في استراتيجيتها مقاربة النوع الاجتماعي وغيرها من الاصلاحات.
وتعززت هذه المكتسبات مع الوثيقة الدستورية الجديدة التي أقرت مقتضياتها تمتع الرجل والمرأة “على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية والبيئية…” (الفصل 19 )، وأكدت سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، ونصت على إحداث هيئة دستورية هي هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز( الفصل 146). كما أرسى المغرب مجموعة من الآليات المؤسساتية والقانونية لتكريس المساواة ومناهضة التمييز بين الجنسين بعد دستور 2011 أهمها المصادقة، مؤخرا، على القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي كان مطلبا ملحا للفاعلين الحقوقيين عامة، والحركات النسائية على وجه الخصوص.فضلا عن تدابير أخرى في مجال تعزيز المشاركة السياسية للنساء، وتعديل قانون الجنسية وغيرها من التدابير.
ورغم أهمية هذه الاصلاحات الدستورية والمعيارية، فان واقع النساء ما زال يطرح تحديات كثيرة، فما زالت حالات العنف ضد النساء، سواء داخل الأسر أو خارجها، متفشية في المجتمع المغربي، وما زالت مجموعة من مظاهر اللامساواة تجاه المرأة قائمة وتحول دون مشاركتها مشاركة فعالة في عملية التنمية والاستفادة منها. فالكثير من النساء والفتيات ما زلن يعانين من التمييز و الإقصاء من دائرة الفرص المتاحة، واللامساواة في الملكية الاقتصادية، وصعوبة الاستفادة من مختلف الخدمات الاجتماعية الأساسية من صحة وتعليم وشغل وتغطية صحية، وصعوبة أكبر في مجال المشاركة السياسية رغم المجهودات الكثيرة المبذولة في هذا الاطار. وقد احتل المغرب مرتبة جد متأخرة في مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2014 ،الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بهدف فهم ما إذا كانت الدول توزع مواردها وفرصها بالتساوي بين الذكور والإناث. وهو ما أكده كذلك تقرير صادر سنة 2016 عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعنوان ” النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية” حيث أشار الى أنه رغم الاصلاحات الدستورية والمعيارية التي مكنت من احراز تقدم في مجال مساهمة المرأة في التنمية، فان “فعليتها تبقى غير كافية في ظل غياب رؤية واضحة للتحقيق الفعلي للمساواة بين الجنسين على المستويات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
من هذا المنطلق فتحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين يقتضي الانكباب على مقاربات ومداخل مختلفة ومتقاطعة تتجاوز ما هو معياري وقانوني، انسجاما مع التعليق العام رقم 16 الصادر عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تؤكد فيه في الفقرة السابعة أن : “المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بحقوق الإنسان يجب أن تفهم من جميع جوانبها. والضمانات المتعلقة
بعدم التمييز والمساواة الواردة في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان تنص على المساواة قانوناً وفعلاً على السواء. والمساواة بحكم القانون (أو المساواة الشكلية) والمساواة بحكم الأمر الواقع (أو الجوهرية) هما مفهومان مختلفان ومترابطان مع ذلك. والمساواة الشكلية تفترض أن المساواة تتحقق إذا تعامل القانون أو السياسة مع الرجل والمرأة بطريقة محايدة. أما المساواة الجوهرية فتهتم، علاوة على ذلك، بتأثيرات القانون، والسياسات والممارسات العملية، وضمان عدم إدامتها للمساوئ التي تعاني منها أصلاً فئات معينة من الأشخاص، بل تخفيفها بالأحرى.” ويضيف ذات التعليق العام في فقرته الثامنة أن ” المساواة الجوهرية بين الرجل والمرأة لن تتحقق ببساطة من خلال سن قوانين أو اعتماد سياسات تبدو في ظاهرها محايدة من حيث مساواتها بين الجنسين. فينبغي للدولة أن تضع في الاعتبار أن مثل هذه القوانين والسياسات والممارسات قد لا تعالج عدم المساواة بين الرجل والمرأة، بل قد تؤدي إلى استمرارها لأنها لا تأخذ في الحسبان أوجه التفاوت القائمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما تلك التي تعاني منها المرأة.”
لذلك تسعى هذه الندوة الموضوعاتية، المنظمة تخليدا لليوم العالمي للمرأة وبدعم من وزارة العدل وتنسيق مع مركز الشروق للديمقراطية والاعلام وحقوق الانسان، لمقاربة مختلف المداخل الأساسية ( قانونية واجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية…) لتعزيز وحماية حقوق النساء وضمان المساواة الفعلية بين الجنسين. وسيشارك في تأطير هذه الندوة الموضوعاتية أساتذة باحثون/اث من حقول معرفية مختلفة، وفاعلون/ات حقوقيون/، ومشتغلون /ات في مجال القانون، ومهتمون/ات بالموضوع .
عن المكتب التنفيذي للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان، الرئيس : انغير بوبكر
التعليقات مغلقة.