كطلونيا على صفيح انفصالي ساخن
بقلم: المصطفى روض//
يواصل الحراك الانفصالي بإقليم كطلونيا نشاطه العنيف منذ انطلاقه يوم الثلاثاء 16فبراير على خلفية اعتقال مغني الراب “بابلو هاسل”، في ذات اليوم، بعد رفضه الاستجابة لأمر المحكمة التي منحته مهلة حتى الساعة الثامنة مساء لدخول السجن طواعية بعد أن صدرت في حقه حكما نافذا لمدة تسعة أشهر بتهمة تمجيد الإرهاب و إهانة الملكية.
و ما أن تمكن رجال الشرطة من نقل “هاسل” إلى السجن، حتى بدأت شوارع المدن الكطلانية، و في مقدمتها بارشلونة، تكتسح من قبل جحافل المتمردين الانفصاليين بأعداد كبيرة للتظاهر العنيف و ممارسة حرب الشوارع على القوى الأمنية بمبرر احتجاجها و غضبها على قرار المحكمة الوطنية بسجن مغني الراب الذي اعتبرته مسا “خطيرا” بحرية التعبير.
و من المحقق أن “هاسل” سبق و أن حكم عليه من قبل بنفس التهمة بالسجن النافذ لمدة سنتين، غير أن المحكمة الوطنية أبطلت قرار حكمها بمبرر أن المغني ليست لديه سوابق، فأطلقت سراحه، لكنه لم يتخلى عن ممارسة تمجيده للإرهاب بواسطة أغانيه و تغريداته، ما دفع المحكمة إلى إصدار حكم جديد آمرة باعتقاله و الزج به في السجن ليقضي عقوبة 9 أشهر نافذة على ارتكابه لأفعال تمجيد الإرهاب. و يستغرب الكثير من المراقبين من ظاهرة الحراك الانفصالي الكطلاني، كيف أنه اكتسب زخما هائلا و استقطب له الملايين من المتظاهرين و المنتفضين، حيث أن المتعاطفين مع هذا الحراك و مع مغني الراب “هاسل” و المطالبين بإطلاق سراحه، يوجدون حتى في العديد من المدن الإسبانية خارح إقليم كطلونيا بما فيها العاصمة مدريد على الرغم من أن الأمر يتعلق بتهم خطيرة، إذ كيف يعقل أن يخرج الناس بتلك الأعداد الكبيرة للدفاع عنه منذ 12 يوما دون توقف و باستعمال أخطر أساليب العنف وحشية تتجاوز حرب الشوارع مع القوات الأمنية إلى إقامة الحواجز و تكسير المتاجر و إشعال الحرائق في الشوارع و المحلات التجارية و السيارات و البنوك و الفنادق رغم أن الرجل كان يمجد الإرهاب.
لكن لا أحد من المراقبين قد تنطلي عليه لعبة هذه الظاهرة الاجتماعية التي نسجت خيوطها بحبكة سياسية متقنة الأحزاب الانفصالية في كطلونيا التي انتهت في الانتخابات التشريعية الأخيرة من الفوز بحصة من المقاعد تعطيها الأغلبية ما جعلها تضبط هجومها على المؤسسات الديمقراطية باستغلال حالة اعتقال فردية في محاولة لإحياء الطموحات السياسية بضرورة الانفصال عن الدولة الإسبانية و إقامة جمهورية كطلانية.
و قد أثير نقاش في الإعلام الإسباني بقوة حول علاقة تمجيد الإرهاب من قبل “بابلو هاسل” بواسطة أغانيه بحرية التعبير، ففي ما يعتقده الكثير من الصحفيين و الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم و أحزاب اليمين أن لا علاقة لتمجيد الإرهاب بحرية التعبير و قاموا بإدانة “هاسل” على ما تتضمنه أغانيه من إساءات و وقاحة و إشادة بالإرهاب، تعتبر الأحزاب الانفصالية في كطلونيا و الباسك و في مناطق أخرى من إسبانيا بما فيها حزب “بوديموس” اليساري الذي هو طرف ثاني في الحكم، و زعيمه “بابلو إغليسياس” يشغل منصب نائب رئيس الحكومة بيدرو سانشيس، اعتبرت أن اعتقال “هاسل” مسا بحرية التعبير و طالبت بإطلاق سراحه و كأن الأمر لا يتعلق بممارسة لتمجيد الإرهاب، و هو الأمر الذي أقلق رفاق “بوديموس” الإشتراكيين في الحكومة و جعل عمليا حزب “بوديموس” اليساري متخندقا مع انفصاليي كطلونيا في حراكهم المشبوه. و في مسألة حرية التعبير و مدى علاقتها بتمجيد الإرهاب، فإن المحكمة العليا في إسبانيا التي أيدت قرار الحكمين الصادرين في حق مغني الراب، أقرت بأن جريمة تمجيد الإرهاب يمكن أن تتعارض مع الحقوق الدستورية مثل الحق في التعبير، مؤكدة أن العديد من رسائل و أغاني “هاسل” تتجاوز حدود هذا الحق و تحرض على تكرار الأعمال الإرهابية مما يولد خطرا حقيقيا كبيرا عندما يحاول أحد المتتبعين العديدين للمتهم في شبكات التواصل الاجتماعي تكرارها.
و الذين يتحمسون كثيرا من خارج إسبانيا للحراك الانفصالي الشعبي في كطلونيا، يجب أن يعرفوا أن مغني الراب “بابلو هاسل” لا علاقة له بالشيوعية و الاشتراكية و أن الوعي السياسي المزيف الذي يحكمه، يسيء كثيرا للفكر التقدمي و الديمقراطي، و أن أغانيه ممجدة و مشيدة بالإرهاب بشكل يثير الشفقة عليه و على الملايين من الانفصاليين الذين خرجوا للتضامن معه و المطالبة بإطلاق سراحه تحت زعم أنه يمارس حرية التعبير.
و أغاني “هاسل” عندما يسمع لمضمونها أي ديمقراطي و تقدمي و شيوعي حقيقي في العالم، سيتقزز من توحش مضمونها و من تمجيدها المفرط للإرهاب، فهي لا تتغنى بالحرية و الكرامة و بالقيم الإنسانية لتحرر الشعوب و مناصرة قضاياها العادلة و المحتفية بالعدالة الاجتماعية لصالح العمال و الفلاحين مثل أغاني “فيكتور خارا” في الشيلي، و أغاني “ميرسيدس صوصا” في الأرجنتين، و أغاني “بوب ديلن” و “جون بايز” في الولايات المتحدة، و أغاني الشيخ إمام و مارسيل خليفة و أحمد قعبور و مصطفى الكرد في عالمنا العربي.
و التقدميون أكيد أنهم مسكونون لا محالة بهذا النمط الأخير من الجماليات الغنائية ذات البعد التقدمي العميق في إنسانيته و الحامل لمشعل القيم بأبعادها الكونية التي جعلتهم يتخندقون مع قضايا مختلف الشعوب التي تعرضت لاستعمار أراضيها و لاضطهاد القوى الخارجية أو لظلم و استبداد ديكتاتوريات متوحشة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.