كرة القدم والدين..

الحسين بويعقوبي

لن يفيدنا في شيء البحث عن الأصول البعيدة لكرة القدم، ولا الهدف من ابتداعها، لكن ما يهمنا هنا هو كيف تحولت لعبة جماعية خلقت أصلا للترفيه إلى “معتقد” لا يختلف تأثيره على الإنسان عن تأثيرات باقي المعتقدات الدينية، سماوية كانت أو لا.

ولعل قدرة هذه اللعبة، التي تطورت في صيغتها الحالية ابتداء من أواسط القرن التاسع عشر بانجلترا ثم انتشرت في العالم، على حشد الجماهير والتعلق بها هو ما جعل علاقتها بالدين الذي يسعى لنفس الشيء تعرف نوعا من الصدام، قبل أن تنتبه المؤسسات الدينية لأهمية هذه اللعبة والإمكانات التي توفرها لكسب المزيد من الأتباع.

ولعل دورة قطر 2022 لكأس العالم كانت سانحة ليطفو هذا النقاش إلى السطح، بشكل يعطي الانطباع وكأنها أول دورة تسعى فيها الدولة المستضيفة التعريف بدينها و نشره بين الجماهير الغفيرة من المشجعين القادمين من مختلف بقاع العالم.

وكان لاستقدام قطر لبعض الدعاة المسلمين المعروفين عالميا كالداعية الهندي ذاكر عبد الكريم نايك، وتخصيصها لجناح خاص للتعريف بالإسلام كبير الأثر في طرح هذا الموضوع، رغم أن بعض الدعاة كانوا يحرمون هذه اللعبة، لكن شعبية كرة القدم جعلت دعواتهم دون تأثير.

وبعد أيام من بداية المونديال بدأت الأرقام تتقاطرعن عدد المعتنقين الجدد للدين الإسلامي بشكل يصعب التأكد من صحتها من عدمه. ولعل كون الدولة المستضيفة لكأس العالم 2022هي قطر، باعتبارها دولة عربية و إسلامية وما صاحب بروز نجم هذه الدولة في العقود الأخيرة من شد و جذب ثم سعيها للتأثير في العالم بمختلف الوسائل، كالإعلام من خلال قناتها الجزيرة ثم الرياضة من خلال امتلاكها لنادي باريس سان جيرمان والقناة الرياضية بين سبور، هو ما جعل كل المواضيع تطرح بشكل فيه الكثير من التحامل خاصة في الإعلام الغربي.

ففي دورة روسيا 2018، استغلت الكنيسة فرصة توافد الجماهير الكروية العالمية للدعوة للمسيحية، وهو ما عبر عنه رئيس بعثة أوراسيا سيرغي راخوبا بقوله “إن أكثر وسيلة فعالة لنشر الإنجيل هي استقبال الكنائس تجمعات لمشاهدة كرة القدم”، كما تم خلال هذا المونديال توزيع أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة من الإنجيل، دون أن يثير ذلك حفيظة أحد. وفي المقابل حين امتلك الإماراتيون أسهم ريال مدريد كان من أولى نتائجه إزالة صليب صغير كان يعلوا شعار الفريق الملكي.

لا يقتصر التبشير بدين معين في دورات كأس العالم على المؤسسات الدينية الرسمية، بل تعداه إلى اللاعبين داخل رقعة الملعب، حيث غالبا ما يتم ربط بعضهم، خاصة المسلمين، بديانته. وهكذا يتم تقديم اللاعب المصري محمد صلاح ممثلا للمسلمين، وكل انجازاته الشخصية تمثلهم، والشيء نفسه بالنسبة لبن زيما، الذي يتم التركيز أحيانا على لحظة لباسه للباس التقليدي و تناول وجبة فطور رمضان.

أما ليونيل ميسي فينظر إليه على أنه نبي الكرة، ويسعى المريدون لمجرد لمسه، و”التبرك” به، وبعضهم مستعد للتضحية بنفسه، في شكل جهاد، من أجل من يراه “نبيا”، بل ويسميه البعض “اله كرة القدم”، مع ما يستوجبه كل اله من تقديس و تعظيم، وبذلك يتم التأسيس لطقوس و ممارسات، حيث يحضر المقدس و المدنس، المفهومان الأساسيان لتتحول لعبة كرة القدم إلى “دين” له “أنبياؤه” و أماكن “عبادته” و “طقوسه” ومن أجله تحج الجماهير من كل حدب و صوب، فيتحول الملعب إلى معبد كبير.

بعض اللاعبين لا يخفون انتماءهم الديني، كما هو الحال بالنسبة للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي لا يخفي انتماءه المسيحي وهو ما يتجلى في العشرات من الأوشام التي تزين أدرعه، حيث تظهر صورة المسيح بادية في أحدها، أما اللاعب البرازيلي نايمار فقد ظهر حاملا على جبهته قطعة قماش أبيض تحمل عبارة “100% المسيح”، أما اللاعب الفرنسي أوليفيي جيرو فلا يخفي بدوره دينه المسيحي والذي عبر عنه بالعبارات الموشومة على يده اليمنى، كما صرح أنه يستحضر دائما دعوات المسيح في كل محاولاته للتسجيل.

وتبقى بعض الإشارات مشتركة بين كل اللاعبين باختلاف أديانهم، كرفع السبابة إلى السماء شكرا لله على تسجيل الهدف أو السجود وتقبيل أرضية الملعب شكرا لله، وبعضها مختلف نسبيا خاصة حركة ولوج لاعب البدلاء إلى الملعب حيث يلمس اللاعب المسلم بيده اليمنى جبهته ثم يقبل يده، وكأنه يطلب العفو “التسليم” من أهل الديار، وهي تلك القوى غير المرئية التي تحكم المكان كما هو معتاد عند الدخول لضريح مسلم، في حين يلمس اللاعب المسيحي جبهته وكتفيه في إشارة إلى الثالوث المقدس.

إن كرة القدم من جهة و الدين من جهة أخرى فعلان اجتماعيان يشتركان فيما يخلقانه من تأثيرات اجتماعية حيث استثمرت كرة القدم بعضا من الطقوس الدينية، كما يسعى الدين لاستثمار قوة هذه اللعبة في جمع الناس، لكن في الوقت نفسه يتنافسان في استراتيجية حشد الجماهير، وهو ما يجعل منهما موضوعان اجتماعيان بامتياز.

تعليق 1
  1. terry bek يقول

    لوكانت أوروبا والغرب عامة تذعم نشر المسيحية لما سمحت ببناء آلاف المساجذ على أراضيها كما تفعل الدول الإسلامية حيث تجرم التبشيرو تمنع بناء الكنائس. الغرب يستقبل ملايين المسلمين ولا يطالبهم بتغيير دينهم ولا يساومهم على ذلك كما لا يستقدم مبشرين لإقناعهم بتغيير دينهم واعتناق المسيحية. بل يسمح للعديد من الجمعيات الإسلامية الخيرية والدعوية منها للإشتغال بكل حرية، حتى أن المسلمين يصلون في الشوارع ويحتلون الأماكن العمومية لمارسة شعائرهم. كفاك كذبا وتزويرا للحفائق!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد