كذبة “العروبية”

هذا العنوان قد يبدو غريبآ أو تهجميآ على من يسمون نفسهم العرب.وأنا كأمازيغي ليبي لا أكن أي عداء للعرب ولا أحمل أي حقد على العرب ولا على أي جنس بشري يعيش على الكرة الأرضية ،بل كليبي اأمازيغي أكن كل الحب والإحترام  لكل الليبيين سواء أكانوا من الليبيين الأمازيغ أو  المستعربين أوالعرب الليبين الذين هم  أشقائي في الإنتماء إلى ليبيا الوطن، ويشكلون  أساس  تراثنا الليبي.

ولكن ما أود أن أتطرق له هو واقع منطقة الشمال الأفريقي والشرق الأوسط المسماة إستفزازيآ وتعسفيآ ليس من القومجيون العروبيون فقط بل من الكثير من سكان  هذه الأرض بالمنطقة”العربية” أو “الوطن العربي” أو “العالم العربي”بالرغم من أن هذا الإسم أو هذه الأسماء تطلق على  منطقة بها إثنان وعشرون دولة ممتدة وترتمي ما بين  قارتين جغرافيآ من الجنوب الشرقي في أسيا وتحديدآ من الخليج الفاصل بين شبه الجزيرة العربية ودولة إيران إلى غرب الشمال الأفريقي وحصريآ على المحيط الأطلسي……….

كل ما أرغب كتابته هو موضوع يتناول كذبة كبيرة عاشتها هذه  المنطقة بشعوبهاالمختلفة التي عاشت تجارب تاريخية مختلفة متعرضة للحضارات التي دسادت في حوض البحر المتوسط بل حتى إلى هجمات من أواسط وشمال أوروپا والمعروفة بالڤندال (في شمال أفريقيا) وإلى هجمات التتار (في الشرق الوسط).ولا شك أن هذه الحضارات والهجمات أدت إلى تأثير في التركيبة الثقافية والمعيشية لهذه الشعوب.

ونتيجة لهذه التسمية  (العروبية) الكاذبة قتلت فيها الهوية والإنتماء الوطني ولم تتكون  فيها  المواطنة ولم تتح فيها الفرصة لخلق الأوطان العصرية وبالطبع لم يتم الإعتراف فيها بحقوق وواجبات المواطن التي تتطلبها وتمليها الهوية والوطنية العصرية والتي جائت مع عصر الحداثة

لا شك أن شعوب  هذه الدول عاشت فترات تاريخية مختلفة ومتفاوتة تداخلت فيها الحضارات المختلفة وبالذات الفينيقية اليونانية (الإغريقية)والرومانية والبزنطينية قبل الغزو العربي وإنتشار الإسلام وتحكم الخلافات الإسلامية من الأمويين والعباسيين والفاطميين وسيطرة الخلافة التركية العثمانية (بالذات في الشمال الأفريقي)…وإختلط سكان هذه الدول مع السكان الوافدين من تلك الحضارات المختلفة لتظهر تركيبة شعوبها الممتزجة ولكل منها لها ثقافتهاوتراثها وعاداتها وتركيبتها الإجتماعية المختلفة التي تخص كل شعب من هذه الدول…

فهذه الكذبة الكبيرة والقديمة ترجع إلى الف وأربعمائة سنة خلت أي بعد الغزو العربي (من سكان شبه الجزيرة العربية) وإنتشار الإسلام في الشمال الأفريقي أيام الدولة أو الخلافة الأموية *…ولأن القرآن جاء باللغة العربية أو كما سماها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في الكتاب الأول من مؤلفه “تاريخ الأدب الجاهلي ب”اللغة “القرشية” التي كانت تتحدث بها قبيلة “قريش” المكية وقبيلة النبي محمد،ولأن اللغة “العربية/القرشية” هي لغة القرآن ولأن الدول الإسلامية (الخلافة الإسلامية الأموية والعباسية بالذات في دمشق وبغداد والفاطمية في مصر) المختلفة عبر التاريخ  فرضت تبني اللغة العربية على السكان وبذا إنتشرت اللغة العربية وتقلص إستخدام لغات الشعوب الأصلية كالكردية والأمازيغية وغيرها من لغات الشعوب الأصلية وإمتزج الإنتماء الديني بالتعريب المفروض على الشعوب المختلفة.وأصبح الخلط بين الإنتماء، الإنتماء السيني الإسلامي والإنتماء العروبي …وخاصة أن الطقوس والشعائر الإسلامية وقراءة القرآن تطلبت إيجاده اللغة العربية….

توارث السكان الأصليين اللغة العربية وبالدرجة الأولى بحكم تواراثهم الدين الإسلامي وفرض على إنسان المنطقة وبدون أي منطق إلا أن يكون عربيا ومسلما وبدون أن يكون فهد رأي في ذلك وأصبحت كذلك “هويته”..ونتيجة لهذه الكذبة التاريخية وجد إنسان المنطقة عليه أن يقول إنه عربي يمارس الشعائر الإسلامية ب”العربية/القرشية” حتى وإن لم يكن عربيآ وإن قال إنه ليس مسلم سيعتبر مرتد ويحق قتله وتطبق عليه الحدود وإن قال إنه ليس عربي سيتهمونه بالخيانة والتعامل مع القوى الأجنبية لتقسيم وتفتيت “الأمة العربية”.

المواطنة هي مفهوم حديث دخلت القاموس مع دخول الحداثة إلى عالم الدولة الحديثة ولم يكن بالإمكان معرفته إلا عندما توفرت الشروط اللازمة لإستيعابه في جو ديمقراطي يعترف بالآخر وبحقوق الحرية بالمفهوم العصري الذي يحدد حرية الفرد بالإنتهاء عند بداية حرية الآخر أي إلغاء الفكر الأحادي والإعتراف بالآخر؛والفكر الأحادي كان دائمآ سمة التفكير” العروبي” منذ أيام الدول الإسلامية.غير أنه علينا الإعتراف بأنه كان ذلك الفكر السائد في معظم الحضارات القديمة وذلك لعدم تبلور الفهم الديمقراطي للتعددية الفكرية وإحترام الآخر.فالتعددية الفكرية وإختلاف الأراء لم تظهر إلا مع الحداثة وبالذات بعد الثورة الفرنسية.وعلينا أن لا ننسى مع ما حدث مع إبن رشد عندما كان قاضيآ في قرطبة ونادى بإستخدام العقل في قرآة وتفسير القرآن**.

المواطنة لا يمكن أن يعترف بها في المجتمعات الأحادية التفكير التي. لا تعترف بالآخر وإعتبار وجوده المخالف، فالثقافة الأحادية هي سمة المجتمعات “العربية” وتمارسها منذ القدم

المواطنة تعني  الإنتماء إلى الوطن الذي يختلف عن الإنتماء الديني والقومي أو الإنتماء إلى الأمة.فمسطلح الوطن لم يظهر إلا بعد الثورة الفرنسية وإزداد تعمقآ في الفكر الإنساني ليصل إلى المواطنة والإعتراف بحقوق الإنسان وتحديد واجباته كمواطن في الدولة الحديثة والتي ليس لها إنتماء ديني أو إنتماء قومي.وفي القواميس الحديثة لا يوجد حتى مفهوم لما يسمى” أمة،”هذه الكلمة التي ليس لها مدلول ملموس فيعمرها هذاو كان المقصود بها في الماضي قبائل أو سكان شبه الجزيرة العربية والتي جائهم الإسلام كدين وقاموا بنشره وفرض اللغة” العربية\القرشية” ،والتي كانت لغتهم التي جاء بها القرآن، على شعوب المناطق التي قاموا بإحتلالها وتهميش اللغات الأصلية لتلك الشعوب وتم ذلك من خلال حروب وغزوات إستمرت  لعشرات السنين (بلغت السبعين سنة) قبل أن ينتش فيها الإسلام بحد السيف وما تم فيه (من قبل القادة الغزات) من ترهيب وقتل وسبي للنساء وأخدهم  كجوارئ وفرض فيها الإسلام تحت شعار” أسلم تسلم “أو أدفع الجزية وتعامل كأهل “الذمة” أي مواطن ليس لك كل الحقوق ***. ثم ألحق هذا بغزو إستيطاني شرس جاء على الأخضر واليابسة تم أيام الدولة الفاطمية ؛عندما غزت قبائل بني سليم وبني هلالل منطقة شمال أفريقيا والتي دعت إبن خلدون أبو التاريخ الإجتماعي أو كما يسميه علماء الإجتماع مؤسس علم الإجتماع ، إلى تسميتهم بالجراد بعد نزوحهم من الجزيرة العربية إلى مصر ومن تم إلى شمال أفريقيا وذلك لما قاموا به من إبادة للمزارع وإزالة كل ما هو أخضر طبيعي لتنصيب بداوتهم وخيامهم لدرجة أنها دعته لقول كلمته المشهوره (إذا عربت خربت وإذا خربت لن تعمر).

وإستمر هذا الحال البائس وازداد سؤا بمجيئ الإستعمار التركي بإسم الخلافة العثمانية، وهبط إلى أدنى مستويات الإنحطاط الحضاري…وبعد هذا جاء الإستعمار البريطاني والفرنسي *والإيطالي أو ما يسمى الإستعمار الحديث والذي خلق فكرةالقومية العربية**** لكسب شباب من المشرق لضرب الدولة العثمانية الجاثمة على كل المناطق المسماة عربية

هنا نجد بدايات إنتشار الفكر القومجي العروبي وترسيخ هذه الكذبة العروبية المنشاء والأصل والتي إنتشرت في كل منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي وسميت المنطقة بكاملها المنطقة العربية والعالم العربي بل تجراء العروبيون على تسميتها الوطن العربي…!  وطن ينتشر ما بين قارتين وعلى إمتداد مساحة جغرافية مابين جنوب غرب أسيا وعلى ضفاف الخليج الفاصل ما بين بلاد فارس أي إيران وشبه الجزيرة العربية  شرقا حتى شواطيء المحيط الأطلسي غربآ.هذه الكذبة التي فرضت وجعلت الشمال الأفريقيون  يصدقون أنهم عرب هذه الكذبة التي ألغت حق تكوين الأوطان المختلفة بمفهومها العصري والحداثي لكلمة الوطن..

كانت هناك محاولات نسبية للوقوف ضد هذه الكذبة أو التيار الكاذب كتلك التي قام بها الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة والمحاولة التي قتلت  في المهد والتي قام بها رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد البكوش في ستينات القرن الماضي رافعآ شعار “الشخصية الليبية” في وجه التيار القومي اعربي الناصري .غير أن محاولة الرئيس الحبيب بورقيبة قد نجحت بعض الشيئ حيث أننا نلقى اليوم الإنتماء الوطني في تونس اليوم مازال قويا ومتقبلا للإنتماء الوطني.أما في ليبيا فنجد أن نظام الديكتاتور القذافي حاول وبكل سبل الإرهاب التي كانت متوفرة له من طمس الروح والإنتماء الوطني وإصراره على تعميق الإنتماء الفاشي العروبي.

كان القذافي عنيفا جدآ في عملية نشر العروبية وفرضها بقوة الحديد والنار وأساليب البطش التي خول بها لجانه الثورية لتطبيقها على كل من ينادي بالإنتماء الأمازيغي وإحياء الثقافة واللغة الأمازيغية. فبعد أن قام بسجن قيادات كانت تنادي بالحقوق الأمازيغية؛منع التحدث باللغة الأمازيغية في خارج البيوت كما منع تداول الأسماء الأمازيغية وكان يردد دائمآ وبإستهزاء  أن الأمازيغ هم من بني حمير***** وكان كثيرآ. ما يتهكم في نطق كلمة “حمير” وبدون تشديد حرف الياء لتعطي بالعربي معنى حمير جمع حمار وكان دائمآ يقول إن المرأة الأمازيغية المرضع إنما ترضع طفلتها وطفلهاالسم.

والحقيقة أن القذافي إبن مدينة سرت تاريخيا ينتمي إلى “لواتة” إحدى البطون الأمازيغية ولكن   كان يسعى من إنكار أصله الأمازيغي وتبني الكذبة العروبية تحقيق مآربه ومجده الشخصي .وعندما فشل في تحقيق ذلك إتجه الفترة إلى تبني الإنتماء الأفريقي مع أنه لم يمكن مؤمنآ بذلك حيث أنه كان في جلساته الخاصة يصف بكل صفات العنصرية السكان الأفريقيين.. وكان يحلم بأن يصيح الرئيس الأول للولايات المتحدة الأفريقية  USA ******وكان يهدر الأموال الليبية لبناء مجده الشخصي.

ومن المؤسف أن المؤرخين الأوروپيين قد ساهموا في نشر هذه الكذبة فهم حتى يومنا هذامازالوا يسمون سكان منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي العرب متجاهلين أن السكان الأصليين هم من إثنيات وإنتمآت عرقية مختلفة.فنجدهم يشيرون ،إلى بعض الفلاسفة والعلماء اللذين برزوا أيام الدولة العباسية في بغداد والدولة الأموية في الأندلس من أمثال الفرابي وإبن سينا والخوارزمي الأتراك والفرس وإبن رشد وعباس إبن فرناس الأمازيغ ،يشيرون إليهم بالعرب. وأرى أن سبب هذا الخلط هو بروزهم أيام هذه الدول “الإسلامية”….

محمد شنيب/ ميلانو إيطاليا.


هوامش : 

*يقال أن أيام الغزو العربي لشمال أفريقيا أيام الأمويين كان الغازي العربي “عقبة بن نافع” عندما ينتصر على أحد القادة الأمازيغ كان يقوم بقطع جزء من أذنه وجزء من سبابت يده ويقول له “إني أفعل هذا حتى تتذكر دائمآ أنك هزمت من قبل  “العرب” ولم يكن مهتمآ  بنشر الإسلام بل بنشر “التعريب”

**تم حرق كتبه وفر هاربآ بحياته من قرطبة إلى المغرب.

*** في بعض الدول الإسلامية لا يحق للسكان المواطنين الغير مسلمين من حتولي الوظائف العليا.

****قامت بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط وبالذات في منطقة الشام والعراق بالترويج لفكرة “القومية العربية” بين الشباب المتطلع للتخلص من الإستعمار العثماني.

***** كان دائمآ في خطاباته حول الأمازيغ يصفهم ببني حمير وبدون التشديد على حرف الياء مبتسمآ بإستهزاء.ناسيآ أنه هو من بُطُون أمازيغية مستعربة.

وبني حمير بتشديد حرف الياء  هم قبائل عربية سكنت الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية المعروف باليمن وهم من بني قحطان ويعتبرون من العرب العاربة (أنظر كتاب من تاريخ الأدب الجاهلي الجزء الأول للدكتور طه حسين المسمى عميد الأدب العربي).

‏******USA هي نفس الحروف المختصرة (باللغات الأوروپية) للولايات المتحدة الأمريكية والولايات المتحدة الأفريقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد