ككل الذين حضروا الندوة المنظمة من طرف المجلس الجهوي لسوس ماسة حول “الجهوية المتقدمة” يوم الخميس 15 مارس 2018 بالقاعة الكبرى لولاية أكادير، حصلت على نسخة من الكتاب المخصص لجهة سوس ماسة في إطار سلسلة سميت ب”دفاتر الجهوية” تحت إشراف الأستاذ محمد عبد الرحمان برادة. وككل الذين اطلعوا على الكتاب داخل القاعة، أحسست بخيبة أمل كبيرة مما جعلني أكتب هذه السطور لأتقاسم ملاحظاتي مع المهتمين وأيضا مع مدبري الشأن العام بجهتنا.
بداية، لا بد أن أعتذر لأساتذتي رحمة بورقية وامحمد الضريف وادريس الكراوي ومحمد الحجوي الذين تتصدر أسماؤهم الصفحة الثانية من الكتاب باعتبارهم أعضاء اللجنة العلمية المشرفة على الكتاب، وان كنت لا أدري إن اطلعوا عليه بإمعان أم لا قبل المصادقة على إصداره، لكن على كل حال فوجود أسمائهم وبحكم تجربتهم الكبيرة في مجال تأطير الأبحاث الجامعية يعطي مسبقا الصبغة العلمية لمضمون الكتاب وهو ما يتضح من قول الأستاذ برادة في تمهيده (ص.10)”وسعيا وراء إحكام المعلومات وتقديمها مبسطة ودقيقة في ذات الوقت، جمعت حولي فريق عمل يتكون من كتاب وخبراء ومختصين وصحفيين، كما توصلت إلى كسب ثقة أعضاء لجنة علمية تضم شخصيات بارزة مشهود لها بالكفاءة والجدية والنزاهة الفكرية والوطنية كي تتولى مواكبة مختلف مراحل انجاز هذا المشروع”.
فليعذرني الأساتذة الكرام، فملاحظاتي على الكتاب لا تنقص بتاتا من مكانتهم العلمية كخيرة الأساتذة في الجامعة المغربية بل مساهمة مني في إثارة الانتباه إلى بعض الأمور التي أثارتني كما أثارت العديد من أبناء الجهة المعنية بالكتاب. وقد قسمت ملاحظاتي إلى شقين : على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون.
على مستوى الشكل :
رغم أن الكتاب قسم منهجيا إلى عدة فصول، إلا أن القارئ سيحس أحيانا بأن العديد من الفقرات أقحمت في النص بدون الربط بينها وبين الفقرات السابقة أو اللاحقة وكأنها صيغت من طرف أشخاص مختلفين. فالانتقال من الحديث عن مدينة أكادير إلى الحديث عن تارودانت ثم طاطا ثم بشكل فج وبدون روابط (ص.26 و27). كما سيلاحظ القارئ تعدد أحجام حرف الكتابة بدون منطق معين وكثرة الألوان في العناوين بدون احترام لقاعدة معينة (العناوين الرئيسة ثم العناوين الفرعية،…). أما الصور الكثيرة المستعملة، فإلى جانب عدم ذكر مصدرها ولا حقوق أصحابها تحمل عناوين عامة ولا تحدد بالضبط موقع المشهد المتضمن في الصورة (ص.28 إحدى الواحات بجهة سوس ماسة)، كما أن العديد من المعلومات والنسب المئوية لا نعرف مصدرها بالضبط باستثناء عبارة “المندوبية السامية للتخطيط 2014” التي تتكرر في الكتاب. وبالفعل يتضح أن أغلب المعلومات الواردة في الكتاب تعود لسنة 2013-2014 ولم يتم تحيينها، رغم أن الكتاب تم إصداره سنة 2017. وفي غياب المصادر والمراجع فأغلب الظن أن معلومات كثيرة أخذت من الأنترنيت (عن الحاج بلعيد مثلا(ص.188)من ويكيبيديا، وكذا ما كتب عن علي صدقي أزايكو، حيث أن الخطأ المسرب (تافنكولت وايمي نتانوت ص. 184) هو نفسه الموجود في ويكيبيديا.
على مستوى المضمون :تجاهل الأمازيغية و الإصرار على استعمال كلمة “البربرية”
بغض النظر عن النواقص المنهجية فقد تضمن الكتاب معلومات مونوغرافية مهمة عن جهة سوس ماسة، لكن يبدوا لي أن الكتاب تعمدوا عدم ذكر كون 70 في المئة من سكان هذه الجهة يتحدثون اللغة الأمازيغية (تاشلحيت) حسب المندوبية السامية للتخطيط في إحصائها الأخير، وهو معطى ثقافي لا يمكن تجاهله أثناء الحديث عن ساكنة المنطقة خاصة وأن لهذه اللغة المستعملة بهذا المستوى دور أساسي في كل برنامج تنموي وفي كل خطوة لتفعيل الجهوية المتقدمة خاصة وأن دستور 2011 بوأها مكانة “لغة رسمية للدولة”. وأثناء الحديث عن العناصر المكونة للهوية المغربية ذكر المؤلفون الجميع باستثناء الأمازيغ. في ص129 نقرأ ما يلي “المغرب بلد متعدد الاثنيات يزخر بثقافة وحضارة غنيتين، لكونه استضاف العديد من الهجرات القادمة من الشرق (الفينيقيون واليهود والعرب)، ومن الجنوب (جنوب صحراء افريقيا) ومن الشمال (الرومان والوندال). وكان لكل هذه الفئات يد في التركيبة الاجتماعية للمغرب حيث انها تضم العديد من المقومات التي ساهمت في ولادة فسيفساء الثقافة المغربية، حيث وضعت المملكة ضمن أولوياتها الحفاظ على تراثها الثقافي وحماية تنوعها وخصوصيتها”.
ولا يمكن للقارئ أن لا ينتبه لإصرار مؤلفي الكتاب على استعمال كلمة “البربرية” إلا ناذرا مما جعلنا نشك إن كانت بعض فقرات الكتاب مأخوذة من مواقع الكترونية مشرقية (ص. 37 “القبائل البربرية”، ص68.”المنتوجات البربرية”، ص.79 “البربر اليهود”، ص. 167 “العرب والبربر”. لقد عدم إلمام المؤلف (المؤلفين) بالأمازيغية إلى تشويه كتابة الأسماء الأمازيغية فايدوكان أصبحت “أدوكان”(ص.82)وايكودار كتبت “أكودار”(ص.157) وايمي كتبت “أمي. أما أكادير ايغير فقد أصبحت “أكادي ايرير” (ص. 160) وكأن كاتبها أجنبي ثم كتبت اداوسملال “ادة أوسملال” (ص.167). أما كلمة تاونزا فقد أصبحت “التاونزة” (ص.137). بل إن بعض المعلومات التي يعرفها القاصي والداني قدمت مغلوطة. فزلزال أكادير حسب الكتاب وقع سنة 1962 (ص150) في حين يعرف الجميع أنه حدث سنة 1960. كما أن بعض الجمل المستعملة لا معنى لها وكمثال على ذلك “المدينة العتيقة بتيزنيت ومناطق الحماية” (ص.160) إضافة إلى تكرار ذكر بعض المعلومات التاريخية عن تزنيت و انزكان مثلا وعدم مراجعة المعلومات كتلك التي نسبت “تافنكولت” مكان ميلاد المؤرخ علي صدقي أزايكو لمركز “ايمي ن تانوت” (ص.184). وبما أن المؤلف لم يكلف نفسه عناء تحيين المعلومات فان الكتاب لا زال يتحدث عن مشروع المدينة الترفيهية “أكادير لاند” الذي لم يعد له وجود (ص.176).
أما موقع جامعة ابن زهر في الجهة فقد قزم بشكل كبير ولم يتم تحيين المعطيات بشأنه وهو ما يتجلى في تخصيص سطر ونصف للحديث عن جامعة ابن زهر (ص.135) بشكل أقل بكثير من التقديم المخصص لمركب محمد جمال الدرة وضمن خانة المراكز الثقافية. وفي مكان آخر (ص.124)قدمها المؤلف ضمن فقرة “التعليم الجامعي” وقال بأنها تضم 8 مؤسسات (اليوم 16 مؤسسة) و 120 ألف طالب وأكد على أن المؤسسات الثمانية تضم 760 أستاذا (ص.125).
أما المتتبع للشأن الجمعوي بالجهة فلا يمكن أن يقرأ الكتاب دون أن يتساءل عن المعيار الذي بواسطته تم اختيار الجمعيات المذكورة وكلها تأسست بعد سنة 2000 باستثناء جمعية اليغ. فهل هذا يعني أن العمل الجمعوي بسوس حديث جدا في حين يعرف الجميع اسم الجامعة الصيفية تأسست مند سنة 1979 واستمرت إلى اليوم لدرجة أن اسم أكادير مرتبط بها. وغياب التركيز لدى المؤلف جعله يكرر ذكر جمعية سوس ماسة للتنمية الثقافية مرتين، كجمعية (ص.112) وكمركز (ص.136) دون أن ينتبه إلى أنه يتحدث عن نفس الإطار الجمعوي.
أعتقد أن جهة سوس ماسة تستحق أفضل من هذا الكتاب وتتوفر جامعة ابن زهر على كفاءات علمية عارفة بالجهة وقادرة على أن تنجز موسوعة علمية حقيقية عن سوس إن توفرت لها نفس الإمكانات.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.