قطار التربية و التعليم في محطته الأخيرة .

مع مجيء الاستعمار الفرنسي فرضت علينا اللغة الفرنسية في قطاع التعليم كلغة رسمية ، و الجميع يعترف أنها أعطت أكلها أدبيا و علميا و تربويا ، و إن لم تكن لغة الأم و لا لغة الدين السائدة آن ذاك …

و على بضع سنوات من استقلال المغرب أجهر المنظرون ” الوطنيون ” على أن الفرنسية هي لغة المستعمر و يجب التخلي عنها و لو تدريجيا لنستكمل تحريرنا … و هكذا تبنوا اللغة العربية كلغة رسمية تدرس بها جل المواد ، و لم لا وخاصة أنها لغة القرآن ، و تعميمها فرصة لتوحيد صفوف الدول العربية آن ذاك و تدعيم فكرة القومية العربية لمواجهة الفكر الاستعماري الفرنسي الإنجليزي … و لكن مع مرور الوقت تبين أن لغة الضاد لغة جامدة مقارنة مع لغة المستعمر، إذ لم ترق إلى مستوى تطلعات العصر و مواكبة التطور التكنولوجي لمواجهة الدول المتقدمة و خاصة أن الأنظمة العربية أصبحت شماتة و غير مرحب بها عالميا و لا من طرف دويها …

و ليس ببعيد طلعت علينا الأمازيغية كلغة ، بفكرة تحقيق الهوية و رد الاعتبار لهذا الموروث الثقافي الأصيل مع إدماجها ضمن مناهج التعليم … و لقيت منذ البداية سدا منيعا خوفا من تمزيق الوحدة الوطنية بتقوية مختلف مكوناتها السوسيولوجيا ، معتبرين أيضا أن تفعيلها بمثابة مضيعة للوقت …

و أخيرا و ليس بالأخير فوجئنا بإقحام مصطلحات اللهجة ” الدارجة العامية ” ضمن كلمات اللغة العربية من أجل حل عقدتها ” التجريدية ” و جعلها تتحرك لتكون لها قابلية لذى التلميذ مع تبسيط مفاهيمها … إلا أن هذه المبادرة فتحت الباب على مصراعيه للنقد اللاذع عبر المواقع التواصلية بدعوى أن اللغة العربية المدرسة لها ضوابطها و قواعدها موحدة و مقننة على صعيد العالم العربي و لا يمكن أن نكون إستثناء و نغامر بمكتسباتنا … علما أن كل منطقة في المغرب لها دارجتها الشفوية …

قطاع التعليم و التربية كان و ما زال حقلا للتجارب إذ تعاقب على تدبيره منذ بداية الاستقلال عدة وزراء من مختلف الهيئات السياسية و التكنوقراطية كل بوصفته من منظوره الحزبي الضيق و حسب ما تم إملاؤه عليه … كلهم مارسوا السياسة على حساب التربية و التعليم … كلهم لجؤوا إلى أسلوب الترقيع و الإنتفاع المادي … كلهم اعتقدوا أنهم وضعوا اليد على الداء و الدواء معا خلال فترات تسييرهم للقطاع … و في الحقيقة كلهم أخطأوا الهدف …

ها نحن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن … نجني ثمار ما غرسناه من قبل : صناعة مواطن ثائر بمستوى أخلاقي و ثقافي جد هزيل ، لا هو يتقن اللغة الفرنسية الصرفة و لا اللغة العربية الصرفة و لا اللغة الأمازيغية الصرفة … و هناك من يعتبر أن لهذا التشابك اللغوي نكهة خاصة ، قد تميزنا عن غيرنا كما تغني رصيدنا الثقافي.

عبد الله الهاوتي
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد