قضية للبيع في مزاد المثقفين..

بقلم الحسين أكناو

صديقي محسوب على النخبة المثقفة المخففة (لايت)، يفهم القضايا ويحلل الأحداث ويركب الحلول بعمق ظاهر، في كلامه منطق متعِب وسلاسة مستفزة، له آراء محكمة الترتيب في كل الظواهر والأحداث، بدء بمرض كورونا حتى خسارة المغرب في نصف نهائي كأس العالم مرورا بقضية غلاء الأسعار فحرب أوكرانيا وغيرها وغيرها.

صديقي يخوض في ما يعلم ويدري متى يدبر، وكلما كانت معلوماته عن موضوع غير كافية أو ظهر له أن النقاش بئيس، يكتفي بالصمت، ويبتسم بتحفظ كلما ساءلته الأعين عن رأيه، مستعذرا بولاعة هناك أو بقايا سكر ضلت طريقها إلى كأس قهوة باردة.

صديقي متوسط الحجم ثقيل الهالة وازن الاسم، لكنه بلا مجد وبلا قضية. لا أثر لصديقي في الحياة العامة ولا وقع لعقله المنظم بين الناس، لا يدافع ولا يرافع من أجل ما يؤمن به، من أجل التغيير نحو ما يراه أفضل.

ذات مرة قلت لصديقي: لماذا لا تختار قضية واحدة وتكرس لها كل وقتك وتفكيرك؟! ترافع عنها وتنظر وتحاضر؟؟ فأجابني بتهكم من أعيته الفكرة أو لا يرى منها بدا: إن الله لم يخلق الطماطم حكرا على المعجنات. وما كل حارس يحرس في حقل الشوفان.

حقا أريد لصديقي قضية، أود أن يعدل جلسته ويجمع “وقفته”، أن يخرج إلى الناس علَّ عقله يشوَّش فيرتخي حبل تفكيره المشدود بقوة. ليناضل من أجل الطفولة مثلا، أو الحريات الفردية أو الحق في الصحة أو حرية الرأي والتعبير أو الإذاعات الجمعياتية، ليناضل حتى من أجل حماية طائر أبو المنجل في وادي ماسة، أو زرع نبات الزعتر في جبال إداوتنان.. كل ما يهم هو أن يقبل صديقي على العمل، أن يبادر..

صحيح أن لصديقي مجد واحد غابر، فذات حادث، استطاع أن يخرج حبة حمص من تجويف أنف صغيره دون الحاجة إلى طبيب مستعجلات. قلت له حينها: لماذا لا تجعل هذا قضيتك؟؟ تساءل باستغراب: أجعل ماذا ماذا؟؟!! قلت: تجعل قضيتك حماية الأطفال من حبات الحمص التي تعلق في تجاويف الأنوف، تنظم حملات تحسيسية في المدارس والمداشر مثلا و …

ضحك صديقي عاليا على غير عادته حتى بانت “عْمارة” أضراسه الداخلية، ثم قال: الحارس في حقل الحمص!! فكرة لا تبدو سيئة جدا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد