قصة قصيرة بعنوان المسرح الأزلي …

محمد لحميسة

كنت تائها أنظر للمسرح الضخم الكبير نظرة الحائر الذي لم يفهم، كالأعمى الذي أنعم عليه الرب بالبصر فجأة فظل سجين دهشته ، لم يكن هناك أحد قريب لأسأله عن معنى ما أراه، عن معنى المسرح الضخم الذي اختلط فيه الجمهور بالممثلين حتى أنني لا استطيع بأي شكل من الاشكال التمييز بينهم .
في عز التوجس والدهشة اللذان يسيطران علي احسست بيد تدفعني بقوة لوسط المسرح احاول مقاومتها بعبث لم ادركه الا وأنا وسط القاعة الضخمة اتوسط الجمع اواجه ما قاتلت لكي لا اصل اليه، بعد ذلك وقف الجمهور والممثلين -اللذان هما في الاصل واحد- ويصفقون لي، لم اجد بدا غير تقليد تحركاتهم ورقصاتهم، اهز اطرافي كما يفعلون وأمثل كما يمثلون، إن توقفوا توقفت، إن ضحكوا ضحكت، لم يكن الامر يتطلب تفكيرا، الجمع هو من يفكر في مكاني، ويفكر في مكان الجميع على ما أظن، أليس ممتعا؟ ان تنخرط في جو البهجة والسرور، أن تكون منسجما في المسرحية وتمثل والبقية معجبون بتمثيلك وبعطاءك، ان تكون ملتزما بدورك في المسرحية الغير مكتوبة والغير واضحة السيناريو، انت فقط تمثل ، هذا ما تفعله وتستمتع به.
بعد فصول وفصول من التمسرح ، بغتة انظر للجهة البعيدة وأرى بقعة تمطر فيها السماء بالكتب، قادني الفضول باتجاهها ،حتى قاطعني المخرج والممثلون والجماهير -اللذان هما في الأصل واحد- بصراخهم ونظراتهم الغاضبة، لم أكن أريد إغضابهم فتداركت خطواتي ورجعت المياه الى مجاريها كما يقولون، انخرطت في جو التمسرح مجددا والكل يبتسم لي، لكن تلك الرغبة الجامحة في الاطلاع على تلك الكتب لم تمت انما غافية وسأوقظها متى ما سنحت الظروف، ارقص واتحرك كما يفعل الاخرون لكن عقلي هناك يتخيل محتوى تلك الكتب التي وقف الكل في وجهي لما اردت ان اذهب اليها، كل ممنوع مرغوب اليس كذلك !
المخرج بذكائه وفطنته دعاني وأعطاني كتابين ، عنوان الاول “كيف تكون ممثلا رائعا “، والثاني “إنسجم في المسرحية اكثر”، قرأت الكتابين وأصبحت ممثلا أفضل، منسجما في المسرحية اكثر من ذي قبل، والاخرون راضين بأدائي وتمثيلي، لكنني وبسبب فضولي، اردت ان اعرف السبب لماذا منعوني من قراءة تلك الكتب، وأقسمت بأن أذهب وقتما انشغل عني المخرج والاخرون .
وذلك ما كان عندما اقتنصت فرصتي وارتميت في غفلة من الجميع الى حيث تمطر السماء بالكتب، فوجدت هناك الحقيقة التي كنت اعلمها لكن بطريقة مختلفة، او انها بدت في هذه الكتب اكثر وضوحا، اذ ادركتها بمعزل عن الاديولوجيات والشوائب التي كانت تغلفها في المسرح، وأدركت لماذا لم يريدون لي ان اذهب لهذه البقعة الصغيرة من المسرح الكبير، وبعد ذلك تساءلت لما أمثل ؟ هل يعلم الأخرون انهم يمثلون ؟ كيف هو سيناريو المسرحية ؟ والى اين يقود ؟ تساءلت و تساءلت و تساءلت، ولم أجد جوابا يشفي غليل تلك التساؤلات، ادركت انه في هاته البقعة من المسرح الضخم حيث تمطر بالكتب القيمة تكمن في الاسئلة التي تطرح وليس في الاجوبة التي تقدم .
خرجت من هناك الى المسرح ووجدت الجمهور والممثلين -اللذان هما في الاصل واحد- مازالوا يمثلون، يرقصون، يحركون اطرافهم كما تركتهم في وقت سابق، سألت الاول: ما الذي تفعله بحق السماء ؟ فقال لا اعرف، فقط عِشْ، وتركني لينخرط مجددا في المسرحية، سألت آخر اكبر سنا وبالتالي اكثر حكمة وربما يعلم شيئا: ما اسم المسرحية؟ فقال الحياة، تبا، اردت منهم اجوبة فزادوني اسئلة اكثر فظاعة وتعقيدا، كلا لن اسألهم فرادى، سأجرب هاته المرة بصيغة الجمع ربما تلك هي الطريقة التي ستنحل بها كل عقدي الفظيعة، فقلت صائحا ياقوم هل تعلمون جدوى حركاتكم وتمثيلكم هذا ؟ فتوقف الجمع عن الرقص والتمثيل وعم الصمت أرجاء المسرح بضخامته وكبره، لحظات قليلة حتى صرخ المخرج بقوة وقال : هيا مثلوا . فكان كلامه زر تشغيل الالة التي توقفت عن العمل بفضل سؤالي، ذاب جليد التساؤل ونسي الجميع ما كنت اقوله لينخرطوا في التمسرح من جديد، ولم يعودوا يكترثون لصراخي، كنت أبكم بالرغم من قدرتي على نطق الحروف، خارت قواي فجلست أنظر، أتأمل، في الوقت الذي يزدريني فيه الجمع ولا ينظر لي او يبتسم في وجهي كما كان يفعل أيام تمسرحي، الا المخرج الذي ظل ينظر إلي بمكر وعبث، كأنه يقول بعيناه لا سبيل الى مواجهتي او التغلب علي، انا أقوى منك، وأقوى من كل أمثالك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد