بقلم ذ.الفنان عمر ايت سعيد
لطالما اعتبرت الأنثروبولوجيا الحفريات والنقوش الصخرية والعمران وثائق تاريخية تستحق النبش والاعتماد كمصار حقيقية للتأريخ. ربما يكون ذلك عكس علم التاريخ الذي يسعى وراء ايجاد الوثائق الرسمية الورقية لتحقيق عنصر الجدية في الـتأريخ. ولكون القصبات في الجنوب الشرقي تجسد الوجه المادي للحضارة الأمازيغية فهي تشكل مصدرا للبحث والتقصي لمعرفة جذورنا وإبداعات أجدادنا .
أليس الاهتمام اذن بتراثنا المادي أولوية ثقافية للحفاظ على النذر القليل المتبقي من رموز حضارتنا خاصة المادي منها ؟ تراث خلفه أجدادنا وجب علينا تتمينه ونقله للأجيال الصاعدة. فكيف يحق لنا أن نتغافل عن هذا التراث العريق ؟ لماذا نحن مستلبين في كل شيء، مستلبين في طريقة لباسنا ، في طريقة بناء عمراننا ، لماذا نحتقر ذواتنا ؟
في هذا المقال سنتحدث عن أحد مكونات هذا التراث المادي بمنطقة مكونة ويتعلق الأمر بقصبة’ ‘أيت أوراغ ” الموجودة بواحة امكون بالجنوب الشرقي المغربي بجهة درعة تافيلالت. تلك القصبة الشامخة شموخ أهلها وقريتها ، قصبة تحدت تعرية الأزمنة الغابرة ،هي نافذة حول الماضي وحول الإبداع المكوني نسبة الى ” سكان إمكون ” تلك الأرض المعطاء التي أنبتت ورودا وبساتين وقدمت للمجتمع الأسامري نسبة الى أسامر رجالا وطاقات مهمة في شتى التخصصات وعززت الساحة الفنية بشعراء ورقصات دخلت التاريخ من بابه الواسع ولنا في رقصة النحلة خير دليل فهي بدورها تستحق الدخول في التراث الوطني و العالمي عبر تسجيلها كتراث انساني في اليونسكو … واحة مكونة غنية بتراثها المادي واللامادي إذن و قصبة ”أيت أوراغ ” عنوان لترات مادي وجب الاعتناء به والتعريف به على أوسع نطاق ولما لا تسجيله ضمن التراث الوطني، وذلك لعدة أسباب وكتوطئة للتعريف بهده القصبة استعنت بالرواية الشفوية للإحاطة ببعض المعلومات التاريخية والسياق العام الذي بنيت فيه ، فاتصلت بأحد أبناء هذه القصبة وبالضبط بالإطار الإداري التربوي ذ.محمد أوراغ الذي مدني وتقاسم معي مشكورا عدة معطيات منها التاريخي والجغرافي والفني حول هذه القصبة الجميلة ، وباختصار شديد فلهذه المعلمة خلفية تاريخية مهمة جدا حيت يشير سي محمد أن هده القصبة في الأصل كانت من ممتلكات عائلة تسمى ”ايت عدي ” وكانت تلك العائلة تتخبط في ديون كثيرة فاشترى جدنا هذه القصبة بثمن 200 ريال ، بالعملة الموجودة أنداك ” ما يسمى ”الحسني ” هذا الجد كابد وتمحن وباع الكثير بدوره ليشتري هذه القصة، لنتكمن الأن من استثمارها . أسرتنا تسمى انداك أسرة أيت داوود وكان أخ جدي ”عدي أوعلي” هو الأمغار تقدم له القبائل الأخرى ”إيمساين ‘ أو تجديد البيعة والترشح للأمغار بحكم قوته ، أمام تلك القوة كان له اعداء ومناويين من قبائل أخرى خططوا أكثر من مرة لقتله، والصراع في غالب الأحوال كان بسبب السيطرة على الماء أي ماء سقي الحقول …سلم من خطة قتله في تغرمت نيت براهيم حيت حماه صاحب القصبة لكن تم قتله في قصبة أيت لالة لم يستطع أعداؤه مواجهته وجها لوجه فأطلقوا النار عليه من فوق سقيفة الغرفة التي كان نائما فيها ” قال لهم قبل أن يباشروا اطلاق النار عليه ” إعلموا فقط أنه لو كنتم رجالا احرارا لأتيتموني من الباب فتيقنوا الان إذن انكم قتلتموني من باب الغدر والخديعة ” لكن جدي إستطاع النجاة بحياته بأعجوبة حيت استطاع الهروب بمساعدة سيدة مسنة مكنته من معرفة السبيل للإفلات من المناوئين الذين كانوا ينتظرون خروجه من تلك القصبة لإطلاق النار عليه… في تلك الفترة بالضبط تعرضت قصبة أيت داوود للنهب والسرقة وهي التي يضرب بها المثل في توفرها على الكثير من الخيرات من تمر وملح وحبوب وغيرها. لما قتل الأمغار إذن أحس جدي بخوف كبير فقصد أيت مراو القبيلة التي تشكل حلفا لعائلتي وبقي هناك منفيا مدة سبع سنوات في قصبة أيت علي أيشو …حتى ثم تغيير الأمغار وحل محله أمغار جديد من قلعة مكونة ..
ونظرا لوجود روابط عائلية تاريخية بين عائلتنا وعائلة الأمغار الجديد بقلعة مكونة ، قام امغار القلعة بإرجاع جدي من أيت مراو الى قصبته ووفر له الحماية واسترجع جدي قيمته. وبدأ جدي حياته النشيطة من جديد غير انه كان دائما يفكر في الثأر والانتقام ” أسنخلف ” لإخوته وبالفعل خطط لذلك بمعية احد أعوانه من عائلة بطاح، فصفى كل ذكور العائلة التي أودت بحياة إخوته وهناك تفاصيل كثيرة أخرى لا يتسع لنا المقام لذكرها كلها في هذا المقال … إذ ارتأينا تخصيص هذه الكتابة لكشف الغبار عن هذه الأيقونة ،قصبة أيت أوراغ ” التي لها صيت كبير بالمنطقة وقد سبق لطاقم صحفي بالقناة الثانية ان زارها في أحد البرامج الخاصة بالعمارة الطينية ، كما أن عائلة أيت اوراغ قامت بقديم وإعداد عدة ملفات وطلبات لترميم القصبة ووجهتها لعدة جهات ولم تتلقى إلا جوابا واحدا من مديرية التراث وكان الجواب بقبول الترميم لكن بشرط بأن تفتح القصبة في وجه العموم مع العلم ان العائلة لا تزال تسكن في القصبة وهذا شيء لم تقبله العائلة ..
وعموما إن هذه القصبة شاهدة على العصرفعلا، قوية بجدرانها، وجميلة في هندستها، حيت ان الساهرون على بنائها كانوا يعدون الأتربة لمدة شهر وفق معايير مضبوطة لكي تتماسك أكثر مع الزمن .وفي سنة 1967 دخلت مياه الوادي الى القصبة ومع ذلك تحملت وصمدت أمام السيول الجارفة ولم تسقط جدرانها ، في بعض غرفها زخرفة فنية رائعة تذكر العائلة أنها من إبداع فنانين قدموا من دمنات قديما وتظم القصبة خمس طوابق بالإضافة الى أبراج عليها منقوشات جميلة وعدد غرف القصبة يصل الى 28 غرفة …
أما حاليا فالقصبة أصبحت أكثر من أي وقت مضى مهددة بمياه الأمطار ومياه الواد المحاذي لها، كما أن سقوف بعض الغرف فيها شقوق وجب اصلاحها وترميمها. أمام هذا الأمر الواقع نهيب بكل الغيورين على التراث المادي بالمغرب قاطبة وفي الجنوب الشرقي خاصة التفاعل والتحرك والمساهمة قدر المستطاع أولا، لإدخال هذه القصبة ضمن التراث الوطني والاعتراف بها كتراث مادي لمنطقة واحة مكون عامة وثانيا ترميم هذه القصبة الأيقونة أو التحفة التي بدون شك إذا تم ترميمها فستخلق جاذبية مجالية فنية، معمارية للجماعة المحلية ولجهة درعة تافيلالت قاطبة .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.