بالرغم من كل الانتقادات لسيادة الوزير’بلمختار’، فإن الرجل دو تأهيل وكفاءة عالية يشهد له بذالك مساره التربوي والمهني. لا يمكن الاستهانة بإنجازه العلمي والوظائف التي تولاها والمؤسسات التي احتضنته في مجالسها. قرار تعليم العلوم بالفرنسية ليس كارثة نظرا لتكوين مدرسيها من المغاربة باللغة الفرنسية ونظرا للمصطلحات والرموز والمعادلات والحروف الفرنسية التي تتداول في تلك المواد باللغة الفرنسية وأبجديتها، وقد يجد الطلاب صعوبة في أول الأمر خصوصا من قبل الذين لا يتقنون جيدا اللغة الفرنسية، لكنهم ليسوا ملزمين بإتقانها فالمواد ليست اللغة الفرنسية ونحوها وكتابة الإنشاءات والقصص وقراءة كتب التراث وما شابه ذلك، والعقدة من الفرنسية في العلوم لا مبرر لها على ضوء واقع وجودها في جامعاتنا ومعاهدنا وفي كل مكان تقريبا في الساحة المغربية. منطقيا الفكرة أنجع من مطلب تدريس العلوم باللغة الإنجليزية في الوقت الحاضر نظرا لندرة المدرسين الذين يستطيعون تدريس العلوم بها وتدريس اللغة نفسها. علاوة عن هذا، فإن خلفية طلابنا في الفرنسية أفضل من خلفيتهم في الإنجليزية مما يسهل تدريسهم بها حتى ترتقي اللغة الإنجليزية في السلم التعليمي إلى المستوى الذي نستطيع فيه استعمالها في تدريس العلوم والتكنولوجيا وغيرها من المواد التي يرى المجتمع ضرورة تعليمها وتكوين الشباب بها.وهذا مشروع وطني يتطلب تخطيطا محكما وإرادة قوية وشجاعة من الجميع مع الصبر وبعد النظر.
الانتقاد الذي وجه لسيدنا الوزير بالنسبة للغة العربية مردود على الذين صدر منهم كأنهم ينتقدون فرنسيا دخل إلى المغرب أول مرة ولا يتواصل إلا بالفرنسية لأنه يجهل كلام المغاربة. لا أعرف السيد بالمختار شخصيا لكن اسمه يوحي إلي أنه مغربي وأغلبية المغاربة يتواصلون بالدارجة وسمعتها في الإدارات وتحت قبة البرلمان, واختياره كوزير للتربة الوطنية ليس اختياره لمهام الأدب وكاتبة الشعر وإلقاء الخطابات البلاغية المرصعة بالسجع ونوادر الأشعار والأمثال والحكم. كل هذه المهارات متوفرة في الرأس المال البشري الذي تحتضنه وزارته وبإمكانه تسخير تلك الطاقات إذا اقتضتها الضرورة. ليس غريبا ولا بعيدا عندي قدرة الوزير على الرد بلسان لاذع بالدارجة تحت قبة البرلمان وفي أي مكان آخر، بل قدرته على الرد بالفصحى أيضا متاحة بأمر منه للأعوان الذين يتقاضون رواتبهم لمساعدته في مهامه, وهل يتقن السيد “أوباما” كتابة خطاباته؟ نحن في عالم التخصصات وكون السيد الوزير أديبا لايهمنا بقدر ما يهمنا إنجازه وقيادته لجهاز حيوي في المجتمع وقد تكون معظم قراراته وأوامره شفوية ولا أشك في قدرته على الحديث باللغة التي يفهمها مساعدوه.
أما فيما يتعلق بالانتقادات حول ما يسمى بالأساتذة المتدربين بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين والقرارات المتخذة تجاههم والاحتجاجات من قبل من يعنيه الأمر، فإن المنطق والتعقل يحتمان وضع الأمور في نصابها وتستدعي تقبل التغيير وفهم معنى ‘دوام الحال من المحال’ خصوصا إذا كان الحال مضرا للمصلحة العامة وتجاوزته الأحداث. أول الملاحظات أن التسمية ليست صحيحة ولا تعبر عن الواقع والحقيقة. فالذين يلتحقون بالمراكز الجهوية للتربة والتكوين ليسوا في الحقيقة أساتذة، بل هم طلاب أساتذة*. يدرسون مواد تربوية ويتدربون على التدريس ويخضعون للإمتحانات والإختبارات وتمنح لهم شواهد تؤهلهم لممارسة مهنة التدريس, إذن هم طلاب وليسوا أساتذة يتدربون لتجديد مهاراتهم التدريسية التي هي معدومة عند هذه الفئة جديدة العهد بالمهنة.
ثاني ملاحظة، هي أن كون الطالب يحصل على إجازة في أي حقل فهو طالب متخرج وإن قضى ثلاث سنوات فقط في الكلية(معظم الجامعات في العالم تتطلب أربع سنوات للحصول على الإجازة) وماذا يضر الطالب لو استمر في الدراسات التربوية والتدريب لمدة سنة دراسية أخرى كطالب؟ فقذ كان بمنحة وبدونها لثلاث سنوات وهي أقل بكثير مما هو متاح له في سنة التكوين والمدخل إلى العلوم التربوية, وقد تقتضي الضرورة مراجعة شروط التمتع بهذه المنحة بحيث لا يتمتع بها إلا من يستحقها من المحتاجين لها فعلا. أما مسألة التوظيف التلقائي في الوظيفة العمومية ففيها نظر وتعتمد على عدد من الأمور , فلو أعطيت الحرية والسلطة الإدارية لكل مدرسة أن تختار من تراه مناسبا ومؤهلا للالتحاق بأعضاء هيئة التدريس فيها وأسندت المهمة إلى المدراء بالتشاور مع المندوبين ، فإن الاختيار سيقع على الطلاب الأساتذة المتفوقين بتوصيات جيدة من أساتذتهم تدعم ترشيحهم لوظيفة التدريس. وفي انتظار وصولنا إلى هذه الوضعية، فليس لزاما منطقيا أن تتحمل الوزارة مسؤولية توظيف كل من يحمل دبلوم في التعليم وزيادة على ذلك فالمنطق يحتم مراقبة وتقييم أداء الأساتذة ,وإنهاء خدمات الذين لا يستطيعون منهم التأثير الإيجابي على أداء التلاميذ ولم ينسجموا مع زملاءهم وإدارة مدارسهم ولا تعكس تصرفاتهم ولاءهم لمهنة التربية والتعليم.
ومجمل القول في هذا المضمار هو تحويل المراكز الجهوية إلى كليات التربية وفصلها عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني وإلحاقها بوزارة التعليم العالي ربما في المستقبل. هذا هو المنطق، لكن وزارة التعليم العالي ليست قادرة في الوقت الراهن حتى على المسؤوليات الملقاة على عاتقها في الظروف الراهنة نظرا لفقدانها إلى المهنيين المؤهلين لتدبير شؤونها وشؤون التعليم الخصوصي، فكيف بها زيادة أعباء تكوين وتأهيل كل الأطر التربوية التي تحتاجها كل مراحل التعليم ما قبل التعليم العالي.
كل هذه المقترحات والتصورات توحي وتعكس خطورة الوضع في منظومتنا التربوية برمتها ولا يمكن معالجتها بالعواطف ولهذا السبب ما فتأت أدعو إلى ضرورة تجنيد جميع المغاربة للقيام بثورة علمية في التربية واللغات لرسم طريق سوي لإصلاح، بل لبناء نطام تربوي جديد يقضي على الجهل والخرافات والترقيع والاستغلال ويمنح للمغاربة فرصة الالتحاق بالركب الحضاري والتمدن والازدهار,
قد يرى البعض في هده السطور كأنني أتملق للسيد بلمختار، لكنني أرجوا أن لا يتسرعوا في أحكامهم وأن لا تذهب بهم عواطفهم إلى التقليل من شأن الرجل واتهامه بما هو بعيد عن الحقيقة والتشكيك في وطنيته وغيرته على مغربنا الغالي والغني بمجرد أنه أتخذ قرار تدريس المواد العليمة باللغة الفرنسية, الكل يعلم أن اللغة وسيلة لاقتناء العلوم وليست مدعاة إلى فتح باب الاستعمار الفرنسي الذي ناضل المغاربة للتخلص من هيمنته ولا أشك أن وزيرنا ملم كل الإلمام باللغة الإنجليزية وقد يكون أول من يدعو إلى استعمالها في جميع مراحل نظامنا التعليمي لو لم يدرك أن الوقت لم يحن بعد لذلك ويتطلب الاستعداد والتخطيط على المدى البعيد. أولم يترأس جامعة الأخوين التي يتم التدريس فيها باللغة الإنجليزية؟ أم أن البعض سيتوهم أنه يفضل الفرنسية مع أن الفرنسيين أنفسهم يدركون أهمية اللغة الإنجليزية ويمنحون درجات علمية في مؤسساتهم بها؟
إن البعض ينسى أن يقارن مؤهلات الوزير العلمية وخبرته الوظيفية مع بقية الوزراء والبرلمانيين, مع فائق الاحترام والتقدير لكل من يسعى بجدية وإخلاص إلى ازدهار وتقدم بلدنا الغالي والغني.
الدكتور عبد الغاني بوشوار. اكادير، المغرب الآمن
*student teachers
التعليقات مغلقة.