أزول بريس- متابعة سعيد الهياق//
نصوص زجلية للشاعرة بهية الفتح كنطاق مقاربة في قراءة وتحليل إسقاطات الأنا وظواهر المجتمع على أصناف الزجل المغربي في مداخلة للشاعر حسن امكازن بن موسى.
يشهد الحاضر حركة ثقافة شعبية ونشاطا رغم محدوديته إلا أنه مكثفا بمجهودات فردية أو جمعوية داخل الصالونات والمقاهي الثقافية …حيث تنظم الملتقيات الأدبية والفنيةوأمسيات الشعر والقصة والنقد ودراسة الظواهر أوحفلات التوقيع أوبمناسبة معارض الكتب المحلية والوطنية. ويزدهر بالخصوص بعد انتشار حركة التواصل الأدبي عبر أقنية الأنترنيت حيث ظهرت كل صنوف الأدب من شعر فصيح وزجل وقصة بكل أنواعها ورواية ومسرح…وجميع أشكال الفنون. فانتشر الأدب المغربي بهده الوسائل في العديد من البقاع في تلاقح بديع مع المتكلمين بلغة الضاد، فاطلع الشعراء والأدباء على نتائج هذه الحركة من كل جوانبها فتأثروا بها وأثرت فيهم مما دفعهم إلى الإطلاع الواسع على الكثير من التجارب بما ينتج عن ذلك من تجديد في ما يناسب التطور الثقافي.
وفتحت الثقافة المتجددة بالوسائل الرقميةأمام الشعر آفاق تطوره في ارتباطه بالمجتمع فنلاحظ كثيرا من شواعرنا وشعراءنا وقد التصقوا بالواقع المجتمعي واليومي حتى أنهم اختصوا في الزجل لما يمثله من مقاربة تواصلية بل تصالحية مع الدات والواقع والمجتمع.
ومن بين شواعرنا الراقيات في هدا النمط من الكتابة الأدبيةالمعبرة عن الصفات
وما تكتنزه من تقاليد عريقة موروثة عن السلف…مع أنها تهدف في كثير من الأحيان إلى تصحيح ما اختل في نظرها من ظواهر دخيلة على مجتمعنا من خلال صوتها الشعري الزجلي الصداح بالكلمة المعبرة الناطقة عن الوضعية والمصححة لها من خلال خلخلة الواقع وإزاحته نحو الإصلاح ما استطاعت نجد الشاعرة : بهية الفتح.
فشاعرتنا تفتح آفاقا جديدة لنفسها في بناء النسق الزجلي إيقاعا وإقناعا حين تقول:
طير زماني
ما تهمك قوة الرياح
طير وما يهمك نباح
طير على كلامهم ماتولي
قول كلامك وسير فلعلالي
الكلمة الحرة مواعداني
وحدك أنت وحرفك معاني
وهدا مما يفسح لمقارنة مفاهيم الألفاظ الجماليةفي علاقاتها الدلالية للإثراء حين استعمالاتها المجازية لإ سقاط الرموز على الواقعية.
فالدعوة إلى التجديد كما فعلت في القصيد أعلاه يتجسد فيما لديها من شعور قوي في ملاءمة النسق اللغوي الموروث شفاهيا بمضامين خصائصنا المستحدثة وبسمات وجودة طرح السؤال حول بنية ولون الابداع في تنزيلة على الواقع المعيش فنيا برقة و جمالية تجعله سلسا في الالقاء والتلقي…مما يجعل لقصائدها لون يطرب سماعه أكثر من قراءته وتتوغل قوة تأثيره ويرجع لها الفضل لوزنها الشادي المختصة فيه مع إجادة شروط المجاز التي تستخدمها بيسر وبدقة بنائية جميلة.
أما من خلال نصها الزجلي التالي الذي تقول فيه :
يا الصا بر زيد ف الصبر
خليك قاعد …
لا تخمم لا تفكر
من جراحك
تولي صحيح
تعرف لقبيح من لمليح
يجيك زمان النصر
يفرحك ويزيدك ف العمر
فنجد أن الصنعة هنا فنا يحتوي على صفات وخصائص يتعب الشاعر في بناءها لأن للزجل قيود وحدود يجب الا لتزام بها وإلا يصير الزجل نثرا دارجا. والصنعة لها جهد في البحث والتنقيب والبناء وإيجاد الايقاعات المناسبة للايحاءات وللمضامين …قصد آداء مهمة مقصودة من وراء النص وإيصالها للمتلقي بالحودة المطلوبة شكلا وتعبيرا وإيقاعا ومضمونا …
والصنعة وجدت من القدم فنجدها في الشعر الجاهلي كما في كل أنواع الشعر الحديث.
والآن هي أساس من أسس الزجل المغربي المعاصر وتتسم بالمهارة والدقة وبالرصيد المعرفي واللغوي من الموروث الثقافي والأدبي الشعبي والتقليدي وبالاطلاع على أحوال الناس بالمخالطة اليومية للحصول على الرصيد الكافي لبناء الصنعة في القصائد الزجلية.
ونرجع للقصيدة الأولى المدونة أعلاه لتوضيح الشروط المجازية للشاعرة بهية الفتح حين بنت العلاقة في النسق حيث وجوب وجود علاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي عندما جعلت من الشيء المجرد صفات خاصة مرتبطة بشخص الشاعرة في التعبير لتحقيق راحة النفس من خلال استعاراتها الناجحةمما يسقط الأناعلى النص.
وبانتقالنا للنص التالي نلاحظ تركيبه النسقي واللغوي يبحثان في مكنون مقاصده في مقاييسها الخارجية للمقارنة…لتعالج الظروف والملابسات الخاصة بالنفس تارة وبالمجتمع تارة أخرى حيث نلاحظ تأثرها الكبير بالعوامل المحيطة بها مما ينعكس على قصيدها.
وهي تقول صادحة ببوحها:
تمنيت نحلم ونفيق
ونعرف لعدو من الصديق
شفت سمايا كلها ظلام
وأنا تا يهة ف أوهام
نفسي مهمومة من الآلام
وأنا وسط هاد الأ حلام
شفت عدوي بلا لجام
فالشاعرة في النص تبتعد عن الغموض رغم أنها تلتجئ غالبا إلى الإ يحاء والتحرر في المقاربة والتركيب لإسقاط نكاية المجتمع بها…إسقاطات مجتمعة على الأنا في النص… كما أنها تتوسع في المضمون مع الإختصار في الأسلوب والبناء مع التغيير الجلي والدقيق في اختيار الألفاظ. ولها مقاييس داخلية في مهاراتها المتعلقة بمظاهر التشبيه والإختلاف من حيث المعاني وربطها بالأفكار والأساليب في التركيب بتناسق بديع من خيالهاالواسع.
و كمدخل للدراسة والبحث في الخيال الشعري الزجلي لدى شاعرتنا بهية الفتح في ارتباطه بالموضوع لتوضيح مدى علاقته بإسقاطاتها للأنا الشخصية والجماعية وإشكاليات المجتمع في تداخل البناء الزجلي …حيث نجدها توضح بجلاء ذلك في قصيدة فتقول:
تفكرت القعدة ف الخيمة
الصينية وأتاي والشيبة
وحكاية جدة لحبيبة
الشمعة وضو المصباح
أنا فلاحة بنت فلاح
كان جدي يصول ويجول
فنرى الخيال في الظفر بالمعاني المعبرة يأتي في شكل إلهام فكري يضيف للشا عرة سمة وضع اللفظ المناسب للمعنى لضبط قواعد المطابقة النسقية بين الهدف المقصود
من النص وبين الوسيلة للوصول إليه وذلك من صفات الخيال الواسع في استجماع درر الكلمات من زبدة المجتمع التقليدي ومن الانساق الموروثة التي يكاد ينساها المجتمع المتمدن الحديث لولا الأيادي البيضاء لبعض زجالينا المغاربة المتألقين في المحافظة على أدبنا الشعبي وتراثنا الاصيل الذي يعبر بصدق عن أعماقنا ووجداننا وعن ماضينا وحاضرنا وواقعنا المعيش.
فالخيال فراسة الانتقال بالحرف من الخيال وجعله ينطق بصوت الواقع مع تناغمه في البناء والإيقاع والإيحاء…والشاعرة في ذلك تقف على أرض صلبة ولها قواعد تسمح لها بذلك وهناك إمكانبات لاختبارها. ولكنها تثبت المطلوب بخيالها الواسع الجلي في جل نصوصها الزجلية.
أما الغزل العفيف الراقي فمقصور على نصوصها في أحايين كثيرة وهو مليء بالمعاناة
و الأمل في نفس الوقت …ويصور تجربة تتمتع بالنضج والمرارة وأحيانا بالحزن والكآبة وأحيانا أخرى تسرد في أغراضه القضايا الانسانية بمعانيها العميقة قاصدة البحث عن وصفات لمداواة الاحاسيس والانفعالات …وقد احتل زجلها الرائع في ذلك مكانة مرموقة وحيزا لابأ س به حيث تنشر هنا وهناك باقات من حسن بديعها الغزلي حتى أنهاتتكلم عن واقع يفصح ويتخيل ويململ الاحاسيس كما في قولها:
هنا… فهاد لمكان
على وتار العشق
جاني الحال
حرفي دوا وقال :
على النغمة…على لا
وأنا بين الموج والبحر
ضربني لهبال
ومنهنا نرى أن نصوصها تتميز بالغزل الممزوج بالوصف لغرض الإخبار بحقيقة الشيء أو بتصوره في مخيلتها نظير رسم المهندس لمشروعه في خياله قبل تخطيطه ونظير الفنان التشكيلي حين يخطط على لوحته بمخياله قبل ريشته مما يجعلها تتعمد الرجوع إلى تقنية وفن الخيال لاستحضار الالهام في التصور لإنشاء الوصف البديع وهو ما يعطينا تفسيرا خاصا لنصوصها في تأثره بشخصيتها ووجهة نظرها ويجعل زجلها له سمات ظروفها الآ نية…كما تفو ح منه رائحة الماضي حين تستحضر ذكرياتها زجلا فياضا
فيظهر التفاؤل والتشاؤم بين الماضى والمستقبل.
وأرى أن الشاعرة تبني المضمون الأساس لزجلها غير مشروط بالإيقاعات أحيانا ومقطعا
إلى أسطرة كأنه شعر حر في البناء دون الوزن كقولها في إحدى قصائدها:
هنا غنى قلبي
فرياض ا لكلام
تجمعت لحباب
من كتاب العشق
ساويت الكلام
وعزفت لحن الحب
غنيت …موال
وحققت الآ مال
إلا أنه ما يهمنا أكثر في الموضوع أن قصائد الزجل بهدا المفهوم أحدثت كثيرا من التطور
وأزالت كثيرا من اللبس في توجهها الحداثي وفي تثبيتها في أدهان القراء نظرا لموضوعيتها بما لها من قرب لغوي ونسقي بتعبير العامة من الناس وبارتباطها بالتاريخ الشعبي وبالتقاليد كما ترتبط بجغرافية الموطن بما تكتسيه من صلابة الاتصال والتواصل بجل طبقات المجتمع. فتبدو ظاهريا كأنها جانب ضئيل من جوانب للادب المغربي لكنها في العمق هي نتاج ثقافة زبدة المجتمع في جلها المعرفي الثراتي ونتاج فكره في ماضيه وحاضره وتطوره. بل هي المعبرة عن الحرف الأم لكل القراء. فمن يتاح له أن يمنحه الله هبة التعبير الزجلي السلس بصدق المشاعرحيث ينوب عن الآخربإيضاح مشاعره في الافراح والاتراح …في الشده والرخاء كما هي شاعرتنا بهية الفتح حين تقول في فنانة انتهى بها القدر إلى دار المسنين وهي تكرمها لشخصها وإكراما للفن الأدب:
شفت وجه حزين
مرسوم عليه عداب مدة وسنين
دوز أيام الصغر والزين
اليوم نازل فدار المسنين
اليوم لا ولد ير حم
ولا حباب هزو الهم
جمع قصتو ورماها فسلة العداب
لا من يرحم ولا من يفتح الباب
وبدلك تكون ممن يساهم في نشوء تطويري للحركة الزجلية في ارتباطها بالمستحدث من الأمور في المجتمع …ولنا طائفة من المبدعين المرموقين في هذا المضمار من شواعرنا وشعراءنا الذين يتسمون بالدينامية الفعالة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الزجال المقتدر مصطفى أمزيل الزموري والشاعرة الزجالة رشيدة الشايك و أبو الانوار عبد المالك وكل من الزجالين ادريس بالعطار وادريس الهكار وحسن خيرة وطارق زيادة وأميرة الشافعي و لحسن دنوني وسعيد فناف …واللائحة طويلة لايستطيع هذا الموضوع حصرها.
وهؤلاء وأمثالهم من أثروا الزجل المغربي بالتجديد وأدخلوا عليه تحسينات في الانساق والبناء والإيحاء بالخيال وأدخلوا عليه أساليب التكرار والبتر والتشبيه بالمقا رنة والاستعارة مع بلاغة الامتاع والاقناع …وذلك ما جعلهم يتألقون في الإبداع بإضافة الحقيقة والمجاز والطباق والمقابلة حيث أحدثوا رونقا في تطور اللغة الزجلية والرفع من مستوى الآداء لديها. وهذا ما نشاهده عند الزجالة بهية الفتح في أغلب قصائدها وهي تستغل في بعض القصائد الأخرى بلاغية الجناس الدارج والسجع في بناء تناسق الالفاظ والقافية دون الاخلال بالمعنى لآداء الايقاعات العاطفية المطلوبة في تناغم تام مع الموضوع مما يجعل قصائدها سهلة الحفظ وسلسة الآداء والقراءة.
فهل مفهوم النص الزجلي يرتكز لدى الشاعرة على طرح تساؤلات حول مفهوم الزجل في وظيفته الأساسية لمعالجة الظواهر والإشكاليات الانسانية ؟
أم أنه رؤيا سببية لخطاب بياني يعبر عن رمزيته الشخصية دون قضايا العقل المغربي خصوصا والعقل العربي عموما ؟
إن النص الزجلي عند الشاعرة وانطلاقا مما سبق يتوضح بالممارسات التحليلية والقراءات المتأنية التأملية أنه مرتبط بسلطة الذات والمجتمع في آن واحد وبتداخل عميق مما يجعله مستقلا عن القوانين العقلية وينمو ويتطور عبر الزمان في حضن المجتمع وذلك يتجلى في العلاقة بين السيمياء وبيداغوجية ا لشاعرة إزاء دورها الريادي الجمعوي …فهي مرتبطة بالواقع ولا ترتفع عنه.
ونجد شاعرتنا في أحايين قليلة تعتمد على البؤرة الدرامية في بعض نصوصها والتي تستعصي على التحليل مما يجعل اللغويين يهتمون بها …كما أنها ترتمي في أحضان التنغيم الصوتي في تناولها لمستويات الكلمة والجلمة من خلال أبيات مثل:
كان جدي يصول ويجول
فلاحتو تعطي فكل فصول
الكرمة عناقدها مدلية عنب
بلادي حدها كلو قصب
الزهرة مفتحة والنخلة تدور
بلعمان ومسك الليل ريحت العطور
إذن إن استثمار تحليل النصوص الزجلية عند شاعر تنا ينطلق من مقاربة شكلية النص ثم لمضمونه في إيحاءاته وأهدافه لتأدية وظيفتها الاصلاحية للذات والمجتمع بايستراتيجية ما يستوجبه الادب الذي يضع المعيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بناء القصيدة.
فمعيار النقد في الأدب يرفض المعايير العلمية المجردة لمعالجة الظواهر الانسانية لأنها لا تفرق . ..بين ما هو سياسي\ أدبي …أو اقتصادي\ أدبي …أو اجتماعي\ أدبي.
فالادب عامة يهدف إلى خدمة القارئ من مختلف مشاربه والأدب الرصين هو الدي يعالج هذه القضايا في مضمونها وجوهرها لا في جوانبها.
فالنص الزجلي لدى بهية الفتح له دعاماته وركائزه الوظيفية سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو شخصية …إضافة إلى أشكاله البنائية الفنية التي استجلينا خصا ئصها من خلال هذه الدراسة المتواضعة.
فمن يريد أن يتمتع بلحظات شعرية زجلية فاتنة …بزمن من الغواية والانبهار.
ومن أراد أن يتصارع مع الذوق الشعري دون تكلف ولا إبهام ولا أسطرة للقصيدة عليه أن يقرأ للشاعرة بهية الفتح.
مداخلة الشاعر حسن امكازن بن موسى
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.