قبل أن تحاسبوا “الريف” حاسبوا هؤلاء المسؤولين* !

عبد الرحيم اريري

عبد الرحيم اريري //
لو أن كل وزير ومسؤول مؤسسة عمومية ورئيس جماعة ورئيس جهة ووال وعامل ألزم نفسه بتمرين يومي بأن يسأل نفسه قبل الخلود للنوم: ترى ماذا قمت به اليوم من صالح الأعمال لتجويد عيش المغاربة؟ هل اطلعت على سير الأوراش للتعجيل بإنجازها؟ هل اتخذت القرار لرفع مظلمة عن هذا أو ذاك؟ هل سددت المستحقات للشركات والممولين المتعاقدين مع وزارتي وإدارتي؟ هل تدخلت لتليين موقف أو سن قرار أو تشريع يتماشى مع الحالة التي استعصت؟
فلو أن كل مسؤول احترم هذا الطقس لما تحول المغرب إلى مجموعة من البؤر الملتهبة في أكثر من منطقة (الحسيمة – الناظور مثلا).
فوزراء الحكومة الحالية معظمهم كان في الولاية السابقة، وجزء من الاحتقان الاجتماعي الذي تشهده منطقة الريف يتحمل الجزء الأوفر منه هؤلاء الوزراء، وبدل أن ينسحب هؤلاء من المشهد العام أو يعتذروا على سياستهم الفاشلة، نراهم يعودون إلى الاستوزار وإلى تأجيج الاحتقان ليس في الريف وحده، بل في مجموع التراب الوطني.
لنبدأ بوزير الصحة: هل تساءل يوما كم من مستشفى بني في ولايته؟ وكم من طبيب متخصص عين في محور الناظور-الحسيمة؟
وهل تساءل وزير التجهيز يوما عن سبب تقاعسه في فك العزلة عن الريف بإخراج الطريق السريع (تازة- الحسيمة) إلى حيز الوجود في الآجال المحددة بدل أن يبقى المشروع يتجرجر؟
وهل تساءل مدير الوكالة الوطنية للموانئ ووزير الطاقة عن سبب فشلهما في الوفاء بإخراج ميناء «الناظور ميد» (المتخصص في الطاقة) في الوقت المحدد؟
وهل تساءل وزير الإسكان عن الأحياء الناقصة التجهيز التي تمت إعادة تأهيلها بالمنطقة وعن المدن الجديدة التي تمت برمجتها بالريف لتلبية العرض السكني؟
وهل تساءل وزير السياحة ذات يوم عن الأسباب التي جعلته يشطب على شريط الحسيمة من رادار المخطط السياحي بالمغرب، علما أن سواحل الحسيمة (الممتدة نحو تطوان) تعد أحد أجمل ما خلق الله على الأرض؟
وهل تساءل المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير عن سبب إقبار أطره وفروع صندوقه لأحلام الريفيين في رؤية أساسات المشاريع السياحية تنهض من تربة الريف؟
وهل تساءل مدير وكالة تنمية أقاليم الشمال ذات يوم عن دوره في محور الفوارق الجمالية وتسطير برامج ومشاريع متمفصلة بين مدن وقرى الريف بما يرفع من مستوى عيش السكان؟
وهل تساءل وزير الداخلية يوما ما عن سبب إحجام وزارته في إطلاق «صنابير» المئات من الصناديق والحسابات الخصوصية (المؤتمن عليها بوصفه آمرا بالصرف) والسماح بتدفق مواردها على الريف؟
وهل تساءل وزير التجارة والصناعة ذات يوم عن سبب إقصاء الريف من أجندته العمومية بما يتيح للقطاع أن يتحول إلى مضخة لمناصب الشغل؟
وهل تساءل وزير المالية ذات يوم عن فك اللغز المحير المتمثل في أن الناظور (وهي الصغيرة من الناحية الديمغرافية) هي ثاني مركز مالي بالمغرب بعد البيضاء، لكن لا تظهر أية معالم توحي أن الناظور هي ثاني مركز مالي بالبلاد؟
هل تساءل المدير العام للبنك الشعبي الذي يلهف الملايير من عائدات وتحويلات المهاجرين المغاربة (ومعظمهم ينحدرون من الريف والشرق) عن السبب في عدم قيام مؤسسته ولو بمبادرة مواطنة بمدن وقرى الريف لتحقيق الإنصاف؟
وهل تساءل المنتخبون (رؤساء جماعات ومجالس إقليمية وجهوية) عن سبب انتفاعهم بالسيارات الفارهة والمحروقات والتعويضات دون أن يكون لحضورهم أي أثر في الحراك الذي أشعل الريف؟
وهل تساءل زعماء الأحزاب عن مشروعية تسلمهم 533 مليار سنتيم سنويا (مقابل تأطير المواطنين) ومشروعية استمرار فتح مقرات أحزابهم في مدن وقرى الريف، علما أن هذه الأحزاب لم تقم بأي دور فعال في الوساطة أو التهدئة أو الالتزام بجلب مشاريع صادقة؟
وهل تساءل القضاة، وهم يرمون بمئات الضحايا بشريط الريف في السجون، هل كانت أحكامهم منصفة وتراعي خصوصية الفلاحة والكيف بالمنطقة؟
وهل تساءل أعضاء المجالس العلمية والوعاظ والقيمون والأئمة والمرشدون الدينيون ذات يوم عن جدوى استمرارهم في ملء المساجد إن لم يكن لوجودهم أثر في تحسيس أبناء الريف بالأمن والأمل؟
وهل تساءل مدير القطب العمومي ومدير دوزيم ذات يوم عن مسؤوليتهما في حرمان المغاربة من الأغاني الريفية وفي تغطية الأنشطة الاجتماعية وتسويق أسماء فنية ورياضية من منطقة الريف؟
لو قام كل هؤلاء بهذا التمرين، لدي اليقين بأن الريف ليس وحده الذي كان سينعم بالرخاء والاستقرار، بل وسيكون التراب الوطني كله واحة فيحاء بدل أن يتحول المغرب إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة..
الآن وقد ثبت فشلكم، قدموا كلكم استقالتكم، واتركوا مناصبكم الحكومية والعمومية والترابية والتمثيلية لمن له “كبدة على البلاد والعباد”!!
*افتتاحية أسبوعية “الوطن الآن” وموقع “أنفاس بريس”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد