في رثاء الفنان محمد الشوبي.. الباعمراني الحر الذي حمل هم الثقافة والوطن

بقلم يوبا أوبركا *

الفنان الراحل محمد الشوبي لم يكن مجرد ممثل، بل كان رمزاً من رموز الثقافة المغربية، وهو خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، المؤسسة العريقة التي شكلت قطاراً حقيقياً لانطلاق المسرح المغربي الجاد ولتطوير الصناعات الثقافية والفنية بشكل عام.

انتماء الشوبي لهذه المؤسسة لم يكن مجرد شهادة أكاديمية، بل قلادة شرف وشغف حملها عبر مسيرته الغنية، وعبّر عنها في كل إطلالاته الفنية والفكرية. كان فناناً مثقفاً، صاحب رؤية فلسفية وإنسانية، تجاوز بها حدود الركح وشاشة التلفزيون إلى عالم أرحب من الفكر والرواية والشعر والسياسة.

كان محمد الشوبي من طينة الكبار، أعاد للفنان هيبته وقيمته، وناضل ليُثبت أن الفنان ليس مجرد صانع للفرجة المؤقتة، بل حامل لمشروع مجتمعي وإنساني، يُجسد قول أفلاطون بأن الفنان هو الوطن في أبهى تجلياته.

تكلم الشوبي في السياسة والجماليات، في الفن والتنمية، في الشعر والحياة، في الحب والوطن. وعبر مسيرته المتميزة، جسّد فكرة أن قلب وروح الوطن الحقيقي هو الفنان.

عرفته عن قرب خلال عملي كمساعد مخرج في تصوير فيلم “رياض الزيتون” بمراكش من إنتاج القناة الثانية، وإخراج أخي محمد ليشير. لم يكن مجرد ممثل أمام الكاميرا، بل فيلسوفاً يحمل رؤى متعددة وأبعاداً فكرية عميقة. ثم استضافه الصديق محجوب ين سي علي في برنامج فين غادي بيا على القناة الأولى، وكان ضيفا في تلك الليلة بدوار تاتمرت بجماعة ميراللفت، حيث قضى ليلة في بيتي خلال تصوير حلقات البرنامج. وفي نفس السنة، دعوتُه ليترأس لجنة تحكيم المهرجان الدولي للسينما والبحر بنفس المدينة، ليس فقط لكونه صديقاً، بل لإيماني العميق بأن الفنان هو فكر وروح وقلب نابض بالحياة.

لم تنقطع علاقتنا رغم المسافات، وجمعتنا لقاءات متعددة في الرباط ومراكش والدار البيضاء وأكادير.

رحيل محمد الشوبي ليس مجرد موت، بل خسارة فنية وثقافية وإنسانية من الصعب تعويضها. لقد كان فناناً تجاوز زمنه، تفوق في كل خطواته، وكان همه الأكبر ليس فقط الفن، بل أن يصير الوطن فضاءً للإبداع، للتسامح، للعلمانية، وللعيش المشترك.

الصورة المرفقة توثق للحظة حميمة تعود لعشر سنوات خلت، بعد نقاش عميق بيني وبينه حول قضايا الهوية والانتماء والمغرب المتعدد. حينها، أخبرني بعفوية مؤثرة أن أصوله تعود إلى قبيلة أيت باعمران، قبل أن تستقر عائلته بالمدينة الحمراء، مراكش. وبعدها قررت أن أهديه ‘الفوقية’ الباعمرانية الصحرواية، فارتداها بفخر، وكأنما يستعيد بها خيوط الجذور التي لا تنسى.

رحمك الله، يا من حملت همّ الفن والوطن بروحك وفكرك وصدقك.

*يوبا_اوبركا. مخرج ومدير المهرجان الدولي للسينما والبحر
ميراللفت.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading