في الحاجة إلى ” متحف الكرنفال و التراث المحلي بإنزكان “
بمناسبة الاحتفالات الجارية ببيلماون أو بوجلود ، والاعداد لتنظيم الدورة الرابعة من كرنفال بيلماون بودماون بمدينة انزكان، وفي خضم النقاش الدائر حول سبل تطوير هذا الموروث الثقافي الأمازيغي وآفاق استمراره في التنمية المستدامة بجهة سوس، نعيد نشر مقال الدكتور الحسين بويعقوبي حول ضرورة وأهمية إنشاء ” متحف الكرنفال و التراث المحلي بإنزكان “، وقد سبق نشر ذات الموضوع بالعدد 15 من جريدة نبض المجتمع الأمازيغية.
—————
الحسين بويعقوبي
تطرح التطورات الهامة التي تعرفها احتفالات بيلماون على مستوى عمالة إنزكان ايت ملول أسئلة عديدة حول سبل الحفاظ على التراث و الإمكانيات التي يوفرها للمساهمة في التنمية الاقتصادية للمدينة خصوصا و الإقليم عموما، فالانتقال باحتفالات بيلماون من مسخرة شعبية إلى كرنفال يطوق للعالمية يفرض التفكير بجدية في سبل تثمين هذا التراث دون خلخلته من الداخل، و الاستفادة من التجارب العالمية التي جعلت من الكرنفال رمزا هوياتيا لمدنها، ورافعة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و كل التجارب الناجحة في العالم عرفت تعاون السلطات العامة و المجالس المنتخبة و المجتمع المدني. كما أن الكرنفال يضم في طبيعته الاحتفالية إمكانية تحريك الحياة الثقافية للمدينة في كل تجلياتها : موسيقى، رسم، نحث، مسرح، تصوير، سينما… إلى جانب دعم و تطوير المهن اليدوية التقليدية: خياطة، نجارة، حدادة… و فوق هذا و ذالك يدعم الكرنفال قدرات الجاذبية المجالية للمدينة و يجعلها قبلة مفضلة للسياحة الثقافية .
إن الدينامية التجارية لمدينة إنزكان ذي السيط الوطني، جعلت بعدها الثقافي يختفي أمام جاذبية مال التجارة، الشيء الذي يجعل من كرنفال بيلماون و الدينامية المرافقة له فرصة لنفض الغبار عن التراث الغني للمنطقة و التفكير في وضع استراتيجية محلية للتنمية الثقافية. في هذا الإطار و سيرا على خطى كل المدن المتوفرة على كرنفال في العالم، تطرح فكرة تأسيس ” متحف الكرنفال و التراث المحلي بانزكان” نفسها كإحدى سبل التنمية الثقافية بالمدينة.
لماذا تأسيس متحف:
دون الرجوع إلى تاريخ تأسيس المتاحف في العالم و سياقاتها التاريخية و الإيديولوجية و أدوارها المختلفة، فقد أصبح المتحف مكانا لحفظ الذاكرة و مجالا لإنتاج المعرفة و التصورات عن الماضي و الحاضر، كما يمكن أن يلعب دورا مركزيا في تنشيط الحياة الثقافية بالمدينة و في جلب الزوار و المهتمين.-فكل المدن المتوفرة على كرنفال سنوي فكرت في تأسيس متاحف لحفظ ذاكرة كرنفالها خاصة بعد ان أصبح رمزا هوياتيا للمدينة و نذكر على سبيل المثال: المتحف الدولي للكرنفال و القناع ب بانش البلجيكية ( هنا نشير إلى أن هذا المتحف يحتفظ على أقنعة مغربية أخذت منذ سنوات الثمانينات في احتفالات “أوداي ن تعشورت” بكلميمة)، متحف كرنفال سياتشا بإيطاليا… بل إن بعضها يحفظ ذاكرة قرون من الكرنفال. وعليه فمدينة إنزكان تحتاج لمتحف يحفظ ذاكرة كرنفال بيلماون الذي أصبح يعرف على المستوى الدولي خاصة بعد أن أصبحت مدينة إنزكان تذكر في اللقاءات العالمية كإحدى مدن الكرنفال إلى جانب (ريو، نيس و فينيز…).
إن خلق هذا المتحف سيعزز مكانة إنزكان وجهة سوس ماسة و المغرب عموما في الشبكة العالمية للكرنفالات و هو ما سيعزز مكانة جهتنا و بلدنا ضمن البلدان المستقطبة لآلاف عشاق الكرنفال،)مليون ونصف سائح بكرنفال نيس وأكثر من 500 ألف سائح بكرنفال ريو) خاصة و أن كرنفال بيلماون بإنزكان و إمعشار بتزنيت ينظمان في توقيت مغاير تماما لكرنفالات أوربا المرتبطة بشهري فبراير و مارس من كل سنة .
و إلى جانب كرنفال بيلماون الذي أصبح يفرض نفسه كحدث ثقافي هام في المنطقة و يعيد تشكيل هوية مدينة إنزكان فإن المتحف المقترح سيحفظ ذاكرة المدينة على مستويات عدة : الفني و الرياضي و السينمائي و الفلاحي و البحري و التجاري.
و بما أن هذا المتحف سيخصص للكرنفال و الموروث الثقافي فيمكن أن ينظم على الشكل التالي
- جناح كرنفال بيلماون :
سيضم هذا الجناح كل ما يتعلق بطقوس بيلماون من معرض للصور يؤرخ لتطور هذا الموروث إلى اليوم و اهم الشخصيات المحلية الممارسة له و صور الأحياء الشعبية “إسوياس” المعروفة به إلى جانب مراحل إعداد الجلود و طريقة تهيئتها و الطقوس المرتبطة بها كما سيكون المتحف مكانا لعرض المجسم الرسمي لكل سنة و نبذة عن الفنان الذي أبدعه إلى جانب صور المجسمات و اللوحات الفائزة بجوائز كل سنة.
- جناح الذاكرة الرياضية :
يعرف الجميع الأهمية التي كانت لمدينة إنزكان و لفريقها اتحاد كسيمة مسكينة USKM إلى جانب فتح إنزكان من أهمية على مستوى رياضة كرة القدم بالجهة. و إنشاء هذا المتحف سيحفظ الذاكرة الرياضية للمدينة من خلال عرض الصور و الوثائق و التي شكلت مجد المدينة على المستوى الرياضي.
- الذاكرة الفلاحية و المائية :
من يتذكر اليوم أن مدينة إنزكان و النواحي كانت أراضي فلاحية خصبة عرفت نشاطا فلاحيا كبيرا و ساعدها على ذلك تواجدها على ضفاف واد سوس الدائم الجريان سابقا. و هذا ما جعل سكان المنطقة يكتسبون تجربة مهمة في المجال الفلاحي من خلال التقنيات المستعملة. فهذه الثقافة الفلاحية تحتاج اليوم للحفظ خاصة بعد التحولات الكبرى التي عرفتها المنطقة على مختلف المجالات.و ارتباط الفلاحة بالماء جعل سكان المنطقة يبدعون في أشكال السقي التقليدي و تعتبر “تاركا ن الجهاد ” بالدشيرة و “تركا ن حماد” بتراست خير مثال على ذلك و ما صاحبها من أعراف تنظم توزيع المياه و استغلالها، و يعتبر المتحف خير مكان يمكن أن تحيى فيه هذه الذاكرة لفائدة الأجيال الحالية و المستقبلية .
- الذاكرة الفنية و السينمائية :
لا يمكن الحديث عن متحف بإنزكان دون التفكير في جناح خاص بالذاكرة الفنية فأحياء عمالة إنزكان ايت ملول ساهمت بشكل كبير في الدينامية الثقافية بالأمازيغية بميلاد مجموعات فنية كتبغينوزت، و لقدام و إزنزارن و إيموريك …
تحتاج ذاكرتها للحفظ فالأرشيف الشخصي المتواجد لدى أعضاء هذه المجموعات سيساهم في توثيق ذاكرة فناني المنطقة و مجموعاتهم الموسيقية. هذه الدينامية الثقافية مازالت مستمرة اليوم خاصة بعد ظهور السينما الأمازيغية و التي لعب فيها أبناء المنطقة ( مخرجين، ممثلين، كتاب سيناريو…) العمود الفقري. و هنا نستحضر الأهمية التاريخية و الثقافية لسينما “كوليزي” و ضرورة التفكير في تهيئتها و جعلها فضاء ثقافيا حيويا بعد إيجاد حل لمختلف المشاكل الإدارية المرتبطة بها .
- الذاكرة البحرية :
قلة من أبناء إنزكان من يعرف اليوم أن سكان المنطقة كانت لهم علاقة وطيدة مع البحر و كسبوا في ذلك تجربة مهمة و أنتجوا معرفة غنية. في “إيمي واسيف” كان هناك مرفأ مهم يستحق أن توثق ذاكرته كما أن مدينة إنزكان عرفت تأسيس إحدى أهم التعاونيات البحرية في عهد الحماية الفرنسية .هذه الذاكرة البحرية (و التي تضم أسماء الأسماك بالأمازيغية و التقنيات المستعملة و كل المعجم المرتبط بها … ) يمكن ان تكون مادة غنية لتأثيث جناح خاص بالذاكرة البحرية.
- الذاكرة الفقهية :
يضم المجال الترابي لعمالة إنزكان أيت ملول عددا مهما من المدارس العتيقة و الزوايا و تشكل تراثا روحيا غنيا يجب توثيقه كما أن المنطقة أنجبت فقهاء داع صيتهم على الصعيد الوطني ( عبد الرحمان الإنزكاني، محمد العثماني…) تركوا وثائق و أعراف تصلح أن تعرض في المتحف. كما أن الصور القديمة للزوايا ( زاوية و مسجد تراست مثلا او أموكاي بالدشيرة…) سيعرف الأجيال الحالية و المستقبلية بالمعمار الأصيل للمنطقة و طرق التعليم التقليدي.
- الذاكرة التاريخية و التجارية :
إن ربط تاريخ إنزكان بالتجارة ليس وليد الصدفة، فمنذ البداية ارتبط تطور إنزكان بتطور سوقها الأسبوعي “ثلاثا واكسيمن” الذي كان ملتقى قبائل المنطقة. و بعد أن أصبحت إنزكان اليوم إحدى أهم المراكز التجارية بالمغرب لا بد من حفظ ذاكرتها التجارية التي تعتبر جزءا مهما من ذاكرتها التاريخية. كما أن هناك فترات تاريخية تحتاج للتوثيق و الحفظ: فترة الحماية الفرنسية (1913-1956)، دور انزكان بعد زلزال اكادير لسنة 1960 ثم دور إنزكان في المسيرة الخضراء لسنة 1975
في الأخير إن كان هذا المقترح مقنعا فإن تحقيقه يتطلب إلى جانب توفر الإرادة لدى المعنيين، التوفر على البقعة الأرضية اللازمة لذلك و هنا يحظر مقترحين:
- مكان مدرسة الفضيلة و الذي يعتبر في حد ذاته جزءا من ذاكرة إنزكان .
- تيكمي أوكسيم( المسماة أيضا : القصبة ، البيرو أعراب، مقر العمالة القديم)، و الذي لا يختلف اثنان في كونها أنسب مكان لهذا المشروع الطموح.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.