هناك سينما ” نسائية” تسقط في التكرار و تعيد إنتاج السينما السائدة و لو بسيناريوهات نسوانية أو متعاطفة مع ما يسمى قضية المرأة ( وهي في الأصل قضية إنسانية). ثم هناك سينما التفرد التي تطرح بديلا على مستوى المقاربة الفنية
هل هناك خصوصية ما (جمالية أو درامية…) تميز الأفلام المنجزة من طرف نساء…هل هناك في إطار تاريخ السينما جنس فيلمي يمكن تصنيفه تحت يافطة “سينما المرأة”. يصعب تأسيس هذا الطرح على قاعدة رصينة مبنية على مرجعية مستوحاة من ما هو سينمائي.
وفي هذا الاتجاه يمكن الإشارة أنه في سبعينات القرن الماضي كان هناك تيار نسواني جامح في سياق الثورة الثقافية-المجتمعاتية التي عرفت أوجها في مايو 1968 ووصلت أصداؤه (التيار النسواني) وتأثيراته إلى السينما. وكانت هناك أسماء نسائية برزت بانجازها لأفلام جادة في محاولة تكسيرها للصورة النمطية السائدة في الأعمال السينمائية والسمعية البصرية خاصة الإشهار.
واذكر هنا بسرعة السينمائية الألمانية ماركريت فان تروطا التي استطاعت فعلا أن تطرح سينما بديلة على مستويين على الأقل. مستوى الموضوع بانحيازها لوجوه نسائية متميزة إما بتمردها على السائد اجتماعيا وسياسيا (روزا لوكسنبورك , ….) أو لانتمائها للهامش الاجتماعي (ربات البيت, الشغيلة النسائية). ولكنها لم تكتفي “بنسونة السيناريو”” بل طرحت مقاربة سينمائية تسعى أن تكون منسجمة مع الموضوع وخاصة على مستوى التقطيع وهيكلة الزمن الفيلمي.
ومقاربة الزمن هي محور الاختلاف والتميز إن صح التعبير, هناك زمن نسائي فرضه التقسيم الطبقي و الجنسي للمجتمع. وأتذكر أن تروطا في أحد أفلامها دفعت التحدي إلى أن ربطت ما بين زمن الحركة و زمن السرد في تصويرها لمشهد ربة بيت وهي تشتغل في المطبخ. فكانت النتيجة ملل و رتابة مقصودة لخلخلة أفق انتظار المشاهد التقليدي ولتذكيره بالكلفة الإنسانية للطعام الذي يتناوله…
ان هذا المثال يسمح لنا بطرح فرضية بأن داخل المتن الفيلمي المنجزمن طرف نساء يمكن ان نسجل أن المعادلة التي حكم هذه الافلام تبقى بين توجهين سينمائيين / مقاربتين جماليتين: التكرار و التفرد. هناك سينما ” نسائية” تسقط في التكرار و تعيد إنتاج السينما السائدة و لو بسيناريوهات نسوانية أو متعاطفة مع ما يسمى قضية المرأة ( وهي في الأصل قضية إنسانية). ثم هناك سينما التفرد التي تطرح بديلا على مستوى المقاربة الفنية. وأسوق كأمثلة في سياق مغربي سينما فريدة بورقية // سينما ليلى كيلاني…
والفلموغرافية المغربية تسمح بنقاش غني ومتنوع. هناك أفلام حققت نجاحا فنيا أو جماهيريا وهي تقارب “قضية المرأة” و هي من انجاز مخرجين رجال : الأفلام الأولى لجيلالي فرحاتي (بتعاون في بعض الأحيان مع فريدة بنليزيد) فلم نساء ونساء لسعد الشرايبي (وهو أيضا يشتغل مع السيناريست فاطمة لوكيلي), وهذا معطى عالمي . فأكبر الأفلام النسوانية وراءها …رجال: بركمان (هل هناك من صور وجه المرأة مثله)…وودي آلن…و فلليني.
وفي هذا السياق لا بد من التذكير بفيلم مغربي أفلح في تصوير المرأة “كحالة زمنية” وفي تصوير الفضاء المحيط بها كصورة استعارية لجسد متعطش للرواء. انه فيلم “الراقد” لياسمين قصاري (2004). فيلم يلخص كل الخطابات في بلاغة اللقطة والتركيب وعمق التقاط صمت حالة الانتظار (صورة الأم وهي تنظر الى الافق) وفي تمرد الجسد رافضا وضع الإقامة الجبرية الناجمة عن هجرة رجال القرية إلى ما وراء الضفة الأخرى.
هناك حيث الجسد ألذكوري يعيش هو ايضا ما أسماه الطاهر بنجلون “أعلى درجات العزلة”. رجال يوجدون سينمائيا خارج المجال: أي غائبين داخل اللقطة ولكن حاضرين بقوة في المخيال وفي الرغبة وفي الأفق… و الجميل أن فيلم الراقد يأخذ أبعادا أخرى عند مشاهدته بشكل موازمع الفيلم الوثائقي القصير “عندما يبكي الرجال” –1998- لنفس المخرجة.
يحقق الفيلمان معادلة سينمائية ناجحة. فعلى مستوى الفيلم الطويل يبقى الرجال خارج المجال ولكنهم الأكثر حضورا كهاجس متعدد الأبعاد: الابن-الأب – الزوج… وعلى مستوى الفيلم القصير تبقى المرأة غائبة في اللقطة ولكن حاضرة في خطاب العمال المهاجرين وفي صمتهم البليغ. في تركيب أخاذ لجمالية المجال/ خارج المجال.
عود على بدء: فيلم الراقد يستمد مشروعيته الفنية ليس من مقاربة النوع ولكن لكونه ينتصر للسينما أولا. ناجحا في تحقيق التفرد ضد التكرار.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.