فشلنا يجب أن نعترف
لما كانت سماؤنا ترعد، قلنا إنها تتجعد. فشكّكوا في زعمنا مجيبين لا تتوعد.
نبهنا إلى ضرورة التأطير و دور الفكر في تكوين النشىء و الخلف وإلى خطورة إهمال العقل و الاستغناء عن النظر و مشقة الاعتماد فقط على التكرار و المعاودة، فأغفلوا تحذيرنا و اطمأنوا إلى صنعهم واجتهدوا في أدائهم .
والآن و هي تمطر و تنذر بالمخاطر، فبعدما أن ثروا و اغتنوا، استخفوا بالأمر، و أعرضوا عن كل شيء إلا استقصاء الخلوة و تحري الاختلاء وصاروا يعلقون الآمال على المساطر.
عقد من الزمن كان كافيا لتعطيل مسيرة النماء و التطور. سياسة أحدثت، لمدة قصيرة، تحولا عميقا في المجتمع، اجتثت جذوز ثقافة دأبت على المقاومة و غيرت ملامح شعب تميز طيلة الأزمنة، وتمكنت من قتل قيم صارعت الظروف القاسية و كافحت من أجل الحياة منذ عهود غابرة. تدبير أتى على الأخضر و اليابس على قول ابن خلدون خريج جامعة الزيتونة.
غَفلة من المغاربة أدت بهم إلى أزمة سيذكرها التاريخ.
فشل على جميع الأصعدة، في إعداد المشروع المجتمعي ومنه في اصلاح المنظومة التربوية و في احترام الحقوق و الحريات، وفي تشغيل الشباب…
لماذا نستغرب كثيرا من السلوك الذي قام به شبابنا (رغم وجوب إدانته) في بعض المدن عند اعتدائهم على الكسابة بائعي الأضحيات ؟
ألا يذكرنا هذا السلوك بما نُسب إلى بعض نواب الأمة في قبة البرلمان؟
إن التنشئة الإجتماعية ليست بالأمر الهين و لا تخص مؤسسة دون غيرها، فمها ثابرت الأسر و حاولت، فإن جهودها ستذهب سدى في مثل سياقنا الإجتماعي. إن فشل المدرسة في أداء مهمتها و القيام بأدوارها، و انحياز الإعلام في أغلبيته و بكل أنواعه إلى الرداءة و رعايته للتفاهة و محاربته للجد و الرزانة ، و سيادة قيم النفاق إلإجتماعي و العنف و التحايل، وحظوة و مكانة المادة في المجتمع تجعل أغراض و مجهودات من كان به هوس التربية في مهب الريح .
لماذا لا نحاول الربط بين الخلاصات و المسببات؟
إذا كانت التنشئة الإجتماعية تقليد و محاكاة الصغار للكبار ومحاولة البالغين إكساب اليافعين ثقافة المجتمع من سلوكات و اتجاهات و نظم تفكير، فإن كل عيب في الكبار ينتقل إلى الصغار و بهذا الشكل تنتشر الأمراض المجتمعية و تنتقل من جيل إلى جيل. فالسطو على ملك الغير من طرف الكبار يجعل الصغار يسطون على كل ما يرغبون فيه مهما كلفهم ذلك. و حمل أكياس مملوءة بالحلوى أو تجهيزات مستشفى يؤدي بشبان غير يقظين إلى أخد أكباش و خرفان بالقوة، من كساب ذاق المرارات كلها، من قساوة البرد وشدة الحرمان و طول مدة الحجر الصحي و إغلاق الأسواق و غلاء العلف. سرقة من أجل توفير الأضحية لأسرهم المعوزة. أي عقل( غير عقل البعض منا) يقبل جواز أضحية مسروقة و أي دين يبيح مثل هذا السلوك؟ أي ثواب أو أجر يبتغيه سارق أضحية؟
قد نتساءل، لماذا لجأ هؤلاء الشباب إلى هذا التصرف و لماذا خطر ببالهم أصلا؟ هل يفكرون كذلك في مساعدة أسرهم عن طريق العمل و الكسب بعرق الجبين أم أنهم ألفوا مثل هذا السلوك فرادى و ظهر جليا عندما أقدموا عليه جماعة؟
لقد رعينا الجهل حتى أصبح قدوة و صُنّا النفاق حتى صار همة و ها نحن اليوم نجني ثمار تهاوننا و فتورنا.
فبقدر ما ننتقد هذا السلوك و نشجبه، سواء الذي صدر عن الكبار أوعن الصغار، بقدر ما نناشد كل القوى و الضمائر الحية في البلاد من أجل استئصال هذا المرض العضال الذي ينخر مجتمعنا لغة و ثقافة.
بمثل هذه الأحداث أصبح بلدنا محط استهزاء و سخرية عبر العالم، فبعد أن تساءلت قناة أجنبية عن الذي استولى عن الحلوى، هاهي تعود ثانية لتتحدث عن السرقة و الفوضى في عز أيام العيد.
نعم تاريخنا عريق، فكل الحضارات تتحدث عنه. أجل قيمنا انسانية كونية، مكنت مَن عمّروا شمال افريقيا منذ القدم من التعايش مع كثير من الأمم و الشعوب.
لكن، أين نحن من عظمة سلفنا ومرجعيتهم القيمية؟
كيف بلغنا أدنى الدرجات في زمن قياسي؟
الغازي لكبير
أغبالو .
التعليقات مغلقة.