عيد الفطر في القرية الأمازيغية، قيم التجمع وانبعاث الإنسانية…
بقلم: عبد العزيز اقباب
للعيد في الثقافة الأمازيغية الإسلامية هبة وقيمة عليا، ففيه تجتمع العائلة، وفيه تطهى ألذ المأكولات، وفيه تحيى وتتقوى الصلات، ما ينم عنه إحساس وجداني كبير وعظيم، ففضلا عن تعظيم شعيرة من شعائر الله، هو إحساس متولد عن اللمة العائلية، وعن التجمع وانبعاث الإنسانية، والصلاة اقتداء بالمصطفى قائل:”إنهم عجم من بلاد الأقصى” قاصدا الأمازيغ، ثم صلة الرحم، ولبس الجديد وغيرها مما يبعث السعادة في قلوب المومنين
في القرية الأمازيغية، هنا أحصرها في قريتي “أسغموا نايت زغار” بإمغران ورزازات، دائما ما أكون شاهدا على كون عيد الفطر حاضرا بأجوائه منذ الثلث الأخير من رمضان، فمعنى كون الشهر شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، يتجسد هنا ويظهر، أبناء البلدة يصلون بعد الإغتراب لأشهر، نساء القرية يتزينن، بقال القرية يتنفس الصعداء للتشطيب عن بعض أوراق “كناش الكريدي”، سائق سيارة يستفتح ببعض الدريهمات، مختلف الباعة يفرغون محلاتهم ويملؤون الجيوب وغيرها مما يبعث الفرحة على قلوب المحتاجين إلى الله
أما يوم العيد، فيجد الكل مسرورا، أمهات وفتيات يستيقظن لإعداد ما لذ وطاب من الأطباق، آباء يوقظون الأبناء ليوزعوا فطرة العيد قبل الشروق، فترى هذا يحمل كيس شعير والآخر يطرق باب المحتاج، حركات هنا وهناك. موائد مملوءة، ألفاظ تسمعها في كل بيت “باركات لايد نون” من قاطني القرية و”بارك عواشركوم” ممن يغتربون عنها كثيرا في محاولة منهم لتمزيغ لفظ دارجي صرف، أبناء يفرحون بلبس الجديد، ينتظرون قدوم الكبار لمرافقتهم للمصلى، وينتظرون منهم بعض العملات تزيد الفرح فرحة
يرتاد الجميع مصلى القرية، الذي يتم تحديده ليلة العيد حسب مستجدات الأوضاع بتمازيرت، علاقات الدواوير والساكنة، وتوفر الكهرباء وما يفرش للصلاة، يردد الجميع الذكر الذي حفظه أغلب الناس عن ظهر قلب وتوارث، بإيقاع رسمي حفظ منذ فجر الزمن، فلا أحد يغيره مهما صفيت حنجرته وتغنى بها، ويبقى صوت المسنين الطاغي على المشهد حاملا لب الإيمان والخشوع بدين الوسطية والإعتدال
بعد الصلاة، لا يغادر المصلى إلا شقي أو مظلوم لا يستطيع مصافحة ظالمه، يتصافح الجميع ويتسامح، تقبل الأيدي وتعلو الضحكات والإستغفارات، وترسم الإبتسامات، يعود الجميع إلى داره من طريق غير الذي سلكه أثناء الذهاب، ويسلم على أهل الدار راجيا لهم كل ما هو أحلى وأعز وأصفى وأرقى، تبدأ قوافل الفتيان والفتيات ترتاد البيوت، تبارك لهذا وتسلم عن ذاك، يدعوا لهم الجميع بالصلاح والفلاح، غير أن بعض الدريهمات أو الحلويات أغلى لديهم من كل ذاك، فهم يؤمنون بما يرى أكثر من الغيب وما ليس يرى، بعد الغذاء التزام وقتي يخصص لصلة الرحم من قبل الكبار، فتحس بالعيد وكأنه ينتشيك من غمرة “الروتين”، ويلبسك ثوب التقوى وبه علاقاتك تقوى
وفي أول عيد خارج البلدة الأم، وسط زحمة السادة بالعاصمة، غريب وسط الغرباء، ثقافة مختلفة كليا باستثناء كيفية إقامة الشعيرة الدينية من صلاة وخطبة، فمن “وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين” إلى انتشار في الأرض، فلم يتعانق أحد، ولم يسمع صراخ الصغار وفرحهم، فالكل مقيد ببروتوكول الأبوية “كلس حدايا وسكت” و “عنداك توسخ الحوايج” وغيرها مما يحد من حرية الصغار الغير آبهين برأي الغير ولا خطر الزحمة
فكانت صلاة العيد وكأنها صلاة ظهر يوم جمعة أقيمت في غير أوانها مع سبق الصلاة عن الخطبة، وترديد الذكر المعروف بلحن مختلف متأثر بإيقاع أندلسي، واصطفاف السيارات بجانب المسجد، لا يترك للمتأخرين مكانا للصلاة، وتسمع “عواشر مباركة” لمرة واحدة يقولها الناطق باسم مكلفي المسجد فاتحا بها خطابه لدعوة الناس للمساهمة في إغناء صندوق المسجد ببعض الرزق الصلب أو الورقي، فيفترق الجميع في الأخير، فيعود الغريب وحيدا لمدشره المستطيل، محاولا خلق جو العيد، الذي يأبى أن يختلق إلا بمكالمات هاتفية ورسائل مع الأحباب والأصدقاء
فيغدو الغريب غريبا، وهو ببيئة انتمى إليها بظروف الحياة، فيقرر أن يتكيف مع الوضع وهو الذي لا يستسلم في أقسى الأوقات واللحظات، فيخلق جوه الخاص ويتأكد من أن قول أن “الإنسان يتعافى بأحبائه وأصدقائه” ثابث وصريح، ويقول للجميع ممن سأل أو بارك أو قرأ هذه الأحرف: عيدكم مبارك سعيد وكل عام وانتم بألف خير و صحة وسلامة وعافية.
بقلم: عبد العزيز اقباب
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.