عندما يكون وليد الرݣراݣي درسا سياسيا أيضا..

بقلم محمد لحميسة

على سبيل البدء والتقديم :
لست محلل رياضي بالمعنى التقني للعبارة، ولست ايضا محلل سياسي، ولست كذلك مناضل سياسي بمعنى انني أدافع عن مشروع وعن ايديولوجيا معينة، وان كان لامفر من التصنيف فإنني أجد نفسي في تعبير المثقف العضوي الذي ابتدعه غرامشي، انا ذاك النموذج المرتبط بمجتمعه ويسخر كل اسلحته وقدراته لمناصرة مجتمعه، وأظن أن لا سلاح في يدي غير القلم وبعض ميكانيزمات تحليل واقع مركب في عمقه لكن يوهم الجميع ببساطته وتوافقه .

ساذج من يعتقد أن كرة القدم مجرد لعبة عديمة النفع، اي تبخيسها في خانة اللهو والمرح وكفى، حسنا هي كذلك! لكنها تتخطى هذا الحصر البشع لتكون ملحمة مفعمة بالشغف والإرادة والتحفيز، إنها شرارة راغبة في التميز، قصة كفاح، ملجأ آمن من نكد الحياة والوجود، فلا يمكن بأي حال الإستهانة بتلك الجلدة المنفوخة بالهواء، كما لا يجوز لوم أحد على فرحة اقتنصها من فم الأسد، او بالأحرى من فم الثور الاسباني!

بالنسبة لي الخطة والتكتيك الذي لعب به الرݣراݣي مبارياته في المونديال أمام منتخبات كرواتيا، بلجيكا، كندا واسبانيا أمر يجب أن نستخلص منه الدروس والعبر، فهذه البلدان فضلا عن قوتها داخل المستطيل الاخضر فهي متفوقة في ميزان الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، وهذه من الأمور التي لا يجادل فيها أحد .

ان السمات الكبرى لتكتيك وليد الرݣراݣي واضحة للعيان، يبحث أولا عن تأمين مرماه وبعدها يبحث عن ثغرة يقتنص منها الهدف، بعبارة المغاربة إنه لا يَتَعَلَّقْ حيث يَتَفَلًَقْ، لا يبحث عن مجد زائف، يبحث عن صناعة التاريخ، والتاريخ لا يصنع الا بما هو صلب وحقيقي، والحقيقي في كرة القدم هو الفوز، ولا شيء غيره .

إن عقلية وخطة الرݣراݣي نموذج ممكن جدا اقتلاعه من كرة القدم وإسقاطه على جميع مجالات الحياة، أن لا تغامر، أن تدافع عن ما لديك، ثم تبحث بكل واقعية عن لسعة النحلة، عن الهدف، عن الانجاز .

درس قوي عن ضرورة تقوية الجبهة الداخلية أولا، بعدها نبحث عن الاخر الخارجي، تأمين مرمانا كأمة ومجتمع والبحث عن هز مرمى الأخر الخارجي لو توفرت الظروف .

انه نموذج أتمناه أن يكون النمط المثالي لتسيير أمور هذا البلد، أتمنى أن تنتقل عدوى الرݣراݣي هاته الى مسؤولينا وسياسيينا بهذا البلد .

إلى كل من يقرر في سياسات تدبير هذا البلد في كل المجالات، الاقتصاد، الصحة، التعليم، الثقافة …الخ، اتخذوا الدرس والعبرة من وليد، حصنوا المكتسبات وابحثوا عن مغانم اخرى ممكنة، لا تبيعوا الداخلي من اجل خارجي يتماثل مع السراب انفق السابقون حياتهم وهم يلاحقونه وهانحن اليوم ذا نكرر اخطاء الأمس ونتبع خطى السابقون .

من عايش المنتخب والصراعات التي كانت في فترة وحيد حاليلوزيتش سيعرف قيمة وليد في خلق اللحمة والتضامن بين لاعبيه، كأنه يقول إن حربنا وصراعنا ليس داخليا، فمن قال يوما أن زياش سيقاتل 120 دقيقة بتلك الروح والارادة، من قال أن حمدالله سيقبل طائعا لعبه لدور “ثانوي” ويظهر لنا في الفيديوهات يرقص ويمرح كأن لا شيء وقع، ان الامثلة بهذا الصدد كثيرة والفضل فيها كلها يعود الى وليد (بعد الله طبعا)، أكد على أننا ابناء هذا الوطن ولسنا أعداء، نملك عدوا خارجيا يجب تحصين وحدتنا امامه .

في السياسة شيء أخر يعاكس وليد تماما!

سياستنا التعليمية صنعت أساتذة يعادون الدولة وينتظرون كل فرصة ممكنة لرفع شعار لا للتعاقد، ولا زال الصراع محتدما بين التعريب والفرنسة وأضيف للصراع عنصر اخر النجلزة مع تغييب لعنصر لغوي اخر جذوره راسخة هو التمزيغ .

في الصحة انا متفائل بمسار التغطية الاجتماعية الشاملة وبالانتقال من “راميد” الى “أمو”، رغم ان الحدث برمته مازال في مرحلة المدخلات في انتظار المخرجات! لكن الأكيد هو أن الناس منذ عقود يعانون من الخدمات الصحية .

في الثقافة نحن أمام واقع غزو ثقافي لا تغفله عين محلل للواقع، تفسخ للقيم، استيلاب ثقافي وهوياتي يجعل النحن يريد ان يكون الهُم بأي ثمن، اذ أن هذا الهُم (الغرب بالدرجة الأولى) رمز للتقدم والتحضر، فيما النحن بثقافتنا ولغتنا ومعاييرنا رمز التخلف .

أما اقتصاديا يكفي أن أقول أننا في مرمى الأزمات الدولية، لقمة سائغة في فم البنك الدولي الذي أثقل كاهلنا بالقروض، ليس لنا أمن غذائي وهذا ما بدا واضحا في أزمة القمح نتيجة الحرب الأوكرانية-الروسية .

جل صادراتنا هي من مواد طبيعية ومواد أولية، منتجات فلاحية تجود بها أراضينا، واخرى سمكية تجود بها سواحلنا ومجالنا البحري .

الحقيقة أن هناك مادة اخرى لا تقدر بثمن نبيعها بدون فلس، هي الشباب الذي يلقي بنفسه للبحر رجاءا في رحمة الموج وشفقة الأخر الأوربي، في هذه اللحظة وانت تقرأ(ين) هذه الاحرف هناك الالاف من الشباب يتلصصون الفرصة في المعابر الحدودية بمنطقة الشمال المغربي، وهناك مئات الألاف ممن ينوون وتلازمهم فكرة الهجرة للضفة الاخرى بأي ثمن وطريقة!

شعار أخر يرفعه الرݣراݣي ونحتاجه كوطن وبلد، ديرو النية، كن صادقا في فعلك وقولك والله لن يخيب آمالك، تخلى عن أنانيتك واعطي للأخرين وهذا سينعكس ايجابا على حياتنا الواقعية، وقال ايضا ما يمكن تأويله على أنه دعوة للتخلص الكلي من عقدة النقص والعقد الكولونيالية، نحن لسنا ينقصنا شيء عن العالم ولسنا أقل من أحد، يجب أن نثق في ذواتنا وأن نحلم، فالحلم بداية كل شيء جميل، كل ملحمة، كل إنجاز. الحلم الذي يكون مقرونا بالعمل، بالبراغماتية الايجابية، بالنية، بالتفاؤل، بالثقة في النفس، بالإرادة القوية التي أتمنى من سياسيينا أن يقتبسوها من وليد وأبنائه، فالشعب يريد أن يفرح بالفوز ليس في كرة القدم فقط بل حتى في المجالات الأخرى!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد