على هامش الاستقبال الفخم لرئيس جمهورية كارطونية من قِبَل رئيس دولة عريقة
بقلم عبداللطيف مشبال
أستاذ للقانون الدستوري يتجاهل قواعده
تمكن الرئيس التونسي من فرض حالة الاستثناء في بلاده في 25 يوليوز2021 مستغلاً عدة عوامل ، لعل على راسها، حالة التطاحن السياسي وفشل النخب السياسية في السمو بالتجربة الديموقراطية الفتية لمواجهة مختلف التحديات وفرز نموذج تنمية اقتصادية قابلة للتطبيق،كما تمكن لاحقاً ، عبر استفتاء مشكوك في مصداقيته ،من إقرار دستور للجمهورية الثالثة، أهَّله ليرتقي الي مصاف رئيس مستبد بقوة الدستور الذي سبق له أنْ كلَّف لجنةً مكونة من استاذين للقانون الدستوري بإعداد مشروعه، غير أنه سرعان ما تنكر له بعد نشر مُسوَدته في جريدة “الصباح التونسية “بتاريخ 3 يونيو 2022 واستبدله بمشروع آخر أقْحَم فيه كل الأحكام التي تستجيب لطموحاته الهادفة الى إقرار نظام سياسي يمنحه كل السلطات دون أي تقاسم لها مع رئيس الحكومة، ودون سلطة رقابية من البرلمان،أو سلطة قضائية مستقلة ، مُكَرِّساً رؤيته للسلطات التي أضْحت مجرد وظائف.
إن مجمل التطورات السياسية التي حصلت بتونس بعد إعلان حالة الاستثناء أفرزت ميلاد نظام دكتاتوري مُقنَّن بقوة الدستور برئاسة السيد قيس بن سعيد، لينضم الي الجيل الجديد من الدكتاتوريين بعد أفول بئيس لنجم الدكتاتوريين العسكريين.
ففي خِضَم هذه التطورات اللافتة، اختار الرئيس التونسي – مُتسلحاً بسلطاته الدستورية القوية الجديدة، وغياب وضعف المعارضة نتيجة تشتتها – استقبالَ ما أسْماه البلاغ الصادر عن وزارة خارجيته برئيس “الجمهورية العربية الصحراوية” مُعلِناً بذلك عن تَخلِّي بلده عن موقف الحياد الذي التزمت به دوماً، عِلْماً أنه سبق ذلك ظهورُ إرهاصاتِ تغيير هذا الموقف من خلال إمْساك تونس عن التصويت خلال مناقشة مجلس الامن لقضية الصحراء المغربية في اكتوبر الماضي.
واعتباراً لكون الاستقبال السيئ الذكر تمَّ بقرارٍ من الرئيس التونسي الاستاذ السابق للقانون الدستوري ، فإنه يجدر مخاطبته – في هذا المقام – بلغة دستورية تقتحم رمزية الاستقبال المذكور ودلالاته وشكلياته.
فمن المعلوم أن القانون الدستوري هو القانون الذي يتضمن القواعد التي تنظم كيان الدولة والسلطات الداخلة في تكوينها ، والقواعد التي تنظم مساهمة المواطن في تكوين هذه السلطات ، على اعتبار ان الرئيس التونسي ، وكما يبدو بالرجوع الي بيان وزارة خارجيته ، استقبل ابراهيم غالي باعتباره رئيس ما يسمى بِ “الجمهورية العربية الصحراوية” دون أن يأْبَه بأن الأخير هبط علي مدارج المطار علي متن طائرة للرئاسة الجزائرية، والأدهى ، أيضاً ،انطلاقاً من أراضي الجزائر ، وليس من أراضي الجمهورية الوهمية لترتيب كل الآثار القانونية الواجبة التطبيق ،في هذه الحالة ، من وجهة القانون الدولي العام الذي أفاضَ في التذكير بوجوب احترامه في العلاقات الدولية خلال خطابه الذي ألقاه اليوم بمناسبة اختتام اشغال اللقاء الياباني الإفريقي للاستثمار بينما اختار تجاهل قواعده بمناسبة الاستقبال المذكور الامر الذي لا تَخفى دلالاته،إنه سقوط مريع للأستاذ السابق للقانون الدستوري والرئيس الحالي في تناقضات خطيرة لا تليق بدولة تونس الشقيقة الضاربة في التاريخ والمدنية الأمر الذي انعكس علي مجريات الصراع السياسي الجاري الذي طغي عليه الطابع السلمي بما يعني سمو القانون في التعاملات بين أفراد الشعب وبالأحرى في العلاقات بين الدول سيما الشقيقة منها.
فغني عن البيان ، وفق قواعد النظام الدولي ، أن للدولة مظهران : مظهر ها الداخلي( السيادة الداخلية) المتمثل في قيام سيادة كل دولة على كل إقليمها ، وفي سلطتها التي لا تستطيع أي سلطة اخرى أن تَحُدَّ منها أو تُقيدها، ومظهر خارجي ( السيادة الخارجية )ويترتب عنه عدم خضوعها لأي إشراف أو وصاية من سلطة أخرى،ومن ثمة فإن مُؤَدَّى خضوع دولة لدولة أخرى في علاقاتها الدولية يعني بوضوح ، ومن باب اللزوم، انعدام سيادتها .
ولما كانت مقومات الدولة منعدمة تماماً في حالة الجمهورية الوهمية المذكورة ، من خلال المؤشرات الكافية المشار اليها ، والعناصر الضرورية لقيام الدولة، من منظور السيادة الداخلية، وحتي من خلال تصريحات بعض قياديي “البوليساريو” ، مثلما ما ورد في تصريح المسمي مصطفي سيدي البشير الذي جاء فيه “أن الجمهورية الصحراوية لا وجود لها ” يكون من الثابت أن الاخيرة لا تعدو أن تكون سوى كيان على الأوراق تُستعمل من طرف الدولة الجزائرية لإضعاف المغرب وتحقيق أهدافها التوسعية، ومِن ثَمَّ فإن ماورد في بلاغ الخارجية التونسية حول موضوع الزيارة لا يعدو ان يكون تجاهلاً متعمداً للوقائع الجاثمة على الأرض التي تَدْحَض بالملموس وجود جمهورية صحراوية مزعومة ، ويُشكِّل سلوكاً غيرَ لائق وغير حضاري صادر عن رئيس دولة متحضرة عرفت اول دستور في العالم الاسلامي سنة 1861.
عبداللطيف مشبال
التعليقات مغلقة.