عبد الله بوشطارت : الدغيرني وأول مؤتمر حزبي ينعقد في الهواء الطلق
أزول بريس – في صبيحة احدى أيام الأسبوع الاخير من يناير 2007، تقريبا حوالي الساعة التاسعة والنصف، رن هاتفي النقال الصغير، وبدا اسم المنادي على شاشته يلمع باضاءة خفيفة Adghirni، هكذا تم تسجيل اسمه صاحب الرقم على قائمة الأسماء التي يحتفظ بها الهاتف، أجبت بعد تحية مقتضبة، ثم سألني داحماد أين أنت؟ قلت له أنا في خزانة الكلية، (جامعة محمد الخامس باب الرواح) ولدي حصة من العاشرة إلى الثانية عشر. قال حسنا، سانتظرك في المكتب على الساعة 12h30.
كان حينذاك مكتبه يقع في زنقة أبي فارس المريني في حي حسان غير بعيد عن محطة القطار.
وصلت إلى المكتب، وجدت داحماد مضطربا وسط حزمة من الأوراق والملفات، مشتتة في كل مكان. بعد نقاش قصير، قال لي، إنني أشك كثيرا في المخزن، ولا أعتقد أنهم سيتركوننا ننظم المؤتمر. لم تكن لدي تجربة كافية لادلي برأي في مثل هذه القضايا ولكي أقوم بتأويل لمؤشرات او أحداث سياسية، اكتفيت بالقول، ممكن مادام أن الداخلية تمنع إعطاء وصل الإيداع لفروع الحزب في الأقاليم والجهات فكل شيئ ممكن.
بعد نقاش في بعض الحيثيات، قال داحماد، الأهم الآن كيف سنتعامل مع المنع، هذا هو الأهم، ولهذا السبب قمت بالاتصال بك. ثم استطرد، لقد فكرت في الأمر ورأيت أنه يجب طبع كل وثائق المؤتمر من مشروع القانون الأساسي والبرنامج السياسي ومشروع البيان الختامي في عدد جديد من جريدة تامزيغت.
استفسرت، لماذا؟ اتفقنا يوم الأمس نحن والزملاء أن يتم طبعها على الأوراق وترتيبها في ملفات ثم تسلم للمؤتمرين.
أجاب داحماد : نعم قلنا ذلك يوم الأمس، ولكن هذا الصباح فكرت في قضية المنع، كيف سنواجهها إذا حصل. فإذا قامت السلطات بمنع المؤتمرين الدخول إلى القاعة، سنعقد المؤتمر في الخارج وستكون المهمة يسيرة اذا كانت الأوراق مجموعة في الجريدة، نوزعها على المؤتمرين ثم نتداول فيها ونصادق على التعديلات والمشاريع، وبالتالي يصبح المؤتمر سائر المفعول. والمخزن سيمنع علينا فقط الدخول إلى القاعة، كما فعل معنا في بوزنيقة 2 سنة 2001. وفي حالة عدم المنع فستكون مهمة قراءة أوراق ومشاريع المؤتمر سهلة ومرنة.
ولهذا سنذهب حالا إلى المطبعة، وستتكلف أنت بتتبع العدد وتصحيحه إلى أن يطبع.
كانت كل الأوراق بما فيها مشروع البيان الختامي مرقونة في clé USB, وكانت لجنة مصغرة من المناضلين قد اعدت جميع الأوراق، ويوجد على رأس لجنة المؤتمر المنسق الوطني الحسين اوبليح. حمل دا حماد مسرعا clé USB واتجه مسرعا نحو المطبعة التي تتواجد بقرب من المكتب، فوق مقهى هاواي قبالة محطة القطار. وكانت المطبعة تابعة للحركة الشعبية، تحدث دا حماد مع السيدة المكلفة باعداد الجريدة وشرح لها كيفية ترتيب المواد والوثائق، ثم انصرف، وبقيت انا انتظر استنساخ الطبعة الأولى للعدد لكي اقوم باعادة قرائة جميع الصفحات وتصحيح الأخطاء الواردة بقلم أحمر على أن اعيد الجريدة للسيدة لكي تدخل التصحيحات. فدا حماد يحرص كثيرا على هذه التفاصيل وينزعج بشدة حين يتم طبع نص او بيان او مقال يحمل أخطاء في اللغة.
لم يكن المزيد من الوقت بفعل اقتراب موعد مؤتمر الملائمة للحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي، والذي نظم في مدينة مراكش يوم 3 فبراير من سنة 2007.
وخرجت جريدة تامزيغت تحمل بين طيات صفحاتها كل وثائق ومشاريع أوراق الحزب، وفكر داحماد أن لا يتم شحن اعداد الجريدة في شحنة واحدة، حتى لا يتم سحبها من طرف البوليس. وتوزيعها على المناضلين.
كان فرع الحزب بمراكش قام بعمل جبار وتاريخي في حجز القاعة وأداء فاتورة كرائها ودفع كل التراخيص والطلبات الضرورية لدى السلطات… لكن للأسف حدث الأسوأ وهو محاصرة القاعة من قبل رجال الشرطة والقوات المساعدة والبوليس السري وغلقوا كل المنافذ والأبواب المؤدية اليها.
وقد حضر المؤتمرون من كل الجهات من الريف إلى الصحراء.. ناهز عددهم 950 فردا… وبعد منع الولوج إلى القاعة، كان ينتظر رجال الأمن ان ينصرف الجميع بعد لحظات وبعد إعطاء تصريحات، لكن اللجنة التنظيمية قامت بسرعة بتوزيع أعداد الجريدة التي تتضمن وثائق المؤتمر، وتم تنظيم حلقية موسعة أمام باب قاعة الحارثي وسط مدينة مراكش، وافتتح أمغار الحزب داحماد أشغال المؤتمر، يتلو مشاريع القوانين ويتم المصادقة عليها.
وكان ذلك أول مؤتمر ينعقد في تاريخ المغرب والعالم، في الهواء الطلق وعلى رصيف الشارع العام، نظمه الأمازيغ بعد أن منعتهم الدولة الدخول إلى القاعة، في مدينة مراكش التي أسسها جدهم يوسف بن تاشفين، وسماها “مدينة الله” لتكون المدينة الفاضلة التي يعمها الخير والسلم والهناء، لكن قدر الله على الامازيغ أن يمنعوا فيها ويحرمون من أبسط الحقوق وهي حق التنظيم السياسي السلمي والمدني.
لم يكن المخزن يعتقد أن يلجأ الامازيغ إلى حيلة عقد المؤتمر في الشارع العام. وهي خطة رقم 2 فكر فيها دا حماد بدهاء، وهي كيفية التعامل مع المنع.
وبعد أيام قليلة، تم جمع ملف القانوني لمؤتمر الملائمة كما ينص على ذلك القانون المنظم للاحزاب السياسية، وكلفنا مرة أخرى أمغار الحزب دا حماد أنا والمنسق الوطني الحسين اوبليح بايداع ملف الحزب لدى مصالح وزارة الداخلية. وكان ذلك صباح يوم الاثنين في الأسبوع الثاني بعد المؤتمر.
واستغرب كثيرا موظفي وزارة الداخلية وتعجبوا منا، كيف لشابان في مثل هذا العمر أن يحملا ملفا ثقيلا جدا من طينة ملف الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي، وتعجبوا كثيرا من الحاحنا على ضرورة تسلم الملف مقابل إعطاء الوصل.
ارتبك بعض موظفي أم الوزارات وأدخلونا إلى قاعة مكتب الضبط الموجودة بالقرب من الباب، بالرغم من اننا طلبنا الدخول إلى مصلحة الأحزاب السياسية، لاحظنا ارتباك كبير على ملامح الموظفين، كثفوا من الاتصالات، ومن المشي ذهابا وايابا، ثم أخذوا منا الملف. وتركونا ننتظر، ساعة، ساعتين إلى أن شعرنا بالخوف.
وبعد مدة، جاء موظف وسلم لنا وصل إيداع ملف الحزب عبارة عن ورقة مربعة صغيرة جدا، عليها خاتم مكتب الضبط وزارة الداخلية والتاريخ. هذا الوصل الصغير بالرغم من كونه لا يقوم مقام الترخيص للحزب، ولكن أسعد كثيرا أمغار الحزب دا حماد، وقال : المهم تيويمد الوصل نا، اجاتن أديس ضبرن غيلاد”. واتذكر كيف كان المرحوم دا حماد فرحا، لأنه كان ينتظر أن يرفض موظفي وزارة الداخلية تسلم ملف الحزب خاصة بعد المنع.
وكان وزير الداخلية آنذاك هو شكيب بنموسى والوزير المنتدب هو فؤاد عالي الهمة. وبعد شهور قليلة فقط على هذا الحدث، أي في يوم 6 غشت 2007 رفعت وزارة الداخلية دعوى قضائية ضد الحزب ترمي حله وابطال، وبعد يوم فقط أي 7 غشت 2007 أعلن الوزير المنتدب في الداخلية استقالته من الوزارة وأعلن ترشحه في بنگرير للانتخابات التشريعية لشتنبر 2007…
وبعدها جاء مسلسل تأسيس حزب PAM بعد منع حزب PDAM…وليست قضية حروف وكلمات وإنما جوهر القضية يكمن في المرجعية والشرعية والحرية.
عبدالله بوشطات
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.