صوت الشعب على العدالة والتنمية، ففازت الاصالة والمعاصرة: الاستثناء المغربي

بعيدا عن الانجرار الى لغة التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية بالمغرب ، وقريبا من تحليل العملية السياسية بالمغرب تحليلا موضوعيا ومحايدا   ، تشكل انتخابات 4 شتنبر 2015 درسا سياسيا مهما لكل المهتمين بالحياة السياسية المغربية ، هذا الدرس مفاده ان الشعب المغربي  لم يقرر بعد مصيره السياسي  بالالية الانتخابية  لانها  الية عاجزة عن عكس طموحات الشعب المغربي في انتقال ديموقراطي حقيقي  يصنع انطلاقا من صنادق الاقتراع .

الشعب المديني بالمغرب صوت لصالح حزب العدالة والتنمية اذ اكتسح الحزب كل المدن المغربية  واربك كل الحسابات  السياسية داخل وخارج التحالف الحكومي ، وحصل الحزب  الاسلامي  على اكثر من مليون صوت  واستمال اصوات الطبقة المتوسطة في المدن وتعاطف معه كل  المقصيين بفعل الفساد والاستبداد  لعقود طويلة . ولكن انتخابات الجهات اعطيت على طبق من ذهب لحزب الاصالة والمعاصرة  ، هذا الحزب السياسي الذي كان من الممكن ان يصبح قاطرة الحداثيين بالمغرب  وبديلهم الحقيقي الا انه  اخترق من طرف اللوبيات والفاسدين وابعد منه الشرفاء والمثقفون واليساريون الحقيقيون  ، واصبح حزبا بدون طعم سياسي ولا رائحة ايديولوجية له ، حزب يريد ان يستقوي بالمؤسسات بل للدقة يريد ان يستقوي عليها .

ماوقع في انتخابات الجهات  هو نوع من الانقلاب المخدوم على  ديموقراطية  صناديق الاقتراع ، فانتم تصوتون على ما تشاءون ونحن نعين  من نشاء ليحكمكم هذه هي القاعدة الذهبية المعمول بها اليوم في السياسة المغربية . هذه الوضعية الانقلابية  السبب الرئيسي فيها هو انفراط  التحالف الحكومي الهجين الذي يجمع احزابا مختلفة لا يجمع بينها  سوى المجلس الحكومي  والوزاري  اما ارتباطاتها الخارجية  اي خارج الحكومة اقصد فهي متناقضة واغلبها احزاب غير مستقلة في قرارها السياسي عن حزب الاصالة والمعاصرة فتتحالف احيانا قليلة وتتصارع في اغلب الحالات .

ازاء التحولات  الكبيرة والمتسارعة التي يعيشها المغرب اليوم ديموغرافيا وسياسيا وتكنولوجيا واعلاميا ،  لم يعد من الممكن للنظام السياسي ان يكبح جماع الطموحات الشعبية المشروعة في محاربة الفساد واقرار تنمية حقيقية ، فما يعتمل داخل الساحة السياسية من احتقان اجتماعي  وعوز مدقع وانحلال للقيم وانتشار للثقافة الاستهلاكية ووعي سياسي متزايد ،  يجعل من الصعوبة بمكان  السيطرة السياسية والاعلامية  على الطبقات الشعبية  المكتوية بنار الازمات الاقتصادية والاجتماعية  المزمنة  واصبحت المدن الكبرى المغربية خزان استراتيجي  للمعارضين للسياسات القائمة.

.المراهنة على معاقبة اصوات الاسلاميين  والاصوات المعارضة في المدن من التيارات السياسية الاخرى  العلنية المشاركة في اللعبة او المتواجدة خارج السرب  لا يزيد الاحتقان السياسي الا توهجا واشتدادا وستحرق ناره كل البلد ، كما ان التخطيط   لاغتيال حزب العدالة والتنمية سياسيا  كما اغتيل الاتحاد الاشتراكي سابقا لن يجديا نفعا بل سيفاقم الازمات  ويحول النضال السلمي للقوى السياسية المغربية  الى عنف وفوضى ، صحيح ان ممارسات حزب العدالة والتنمية ليست كلها شفافة ونزيهة وواضحة فتحالفاتهم و مواقفهم  في بعض القضايا  مواقف لا تسر احدا ، ولكن حزب العدالة والتنمية  على الاقل حزب انبثق من الشعب وتدرج في الممارسة السياسية واحترم الحد الادنى من الديموقراطية الداخلية ، عكس احزاب مغربية اخرى تذبح الديموقراطية الداخلية كل يوم من الوريد الى الوريد وتبيع المراكز المتقدمة  في لوائحها بالمال العميم . المغرب اليوم امام  قطبين رئيسيين ، قطب اسلامي واضح وله شرعية نضالية في الشارع بينتها  صناديق الاقتراع  رغم حيف التقطيع الانتخابي ورغم امور كثيرة معرقلة  للتقاطبات السياسية بالمغرب ، وقطب “حداثي” لم يتبلور بعد بقيادة الاصالة والمعاصرة ولكن  هذا القطب الذي كنا نتمنى ان يشكل بديلا حقيقيا  ننخرط فيه بكل التزام ونضالية  لم يجعل من نشر الحداثة والديموقراطية هدفه المباشر   وانما اقصاء الاسلاميين وتشويههم والنيل من  شرعيتهم الشعبية بكل الوسائل وابعادهم عن دوائر القرار الفعلي .

من يريد خيرا للمغرب ولمؤسساته الدستورية  عليه ان يسعى الى كسب ثقة المواطن بالعمل الدؤوب نحو تحقيق الديموقراطية والرفاه الاجتماعي  وليس  اصطناع أعداء وهميين لتبرير  الفشل السياسي  وعليه ان يقوي الديموقراطية الداخلية ولا يستقطب المفسدين والمنبوذين إلى صفوفه ، حزب الاصالة والمعاصرة سيلعب دورا رئيسيا إذا ما تم إصلاح منظومته السياسية داخليا  وأعلن انفصاله عن الإقطاع السياسي وعن الممارسات السياسية المافيوزية التي تحقر عقل ووجدان المواطنين  . اكتساح العدالة والتنمية للمدن المغربية  تعبير عن تغير  قوي في السلوك السياسي لساكنة المدن  التي تزداد يوما عن يوم امام تقلص البوادي وانحسار  بل انحصار  الإقطاع السياسي  الذي كان يتغذى سابقا وحاليا من أصوات البوادي الذي كانت ولا تزال خزان استراتيجي لمعادلة العصيان المديني، على حكومة بنكيران اليوم ان تفكر في مكوناتها وفي القوانين الانتخابية  المجحفة والتقطيع الانتخابي المصنوع على المقاس وان تعرف بان الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون مصيرية للانتقال الديموقراطي المغربي .

 —-

انغير بوبكر

باحث في العلاقات الدولية

المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد