شعر: “قراصنة يسرقون الحلم” للأستاذة مينة الحدادي..

  • قراءة ذ. أيوب مهراز //

أصل هذه الورقة، تقديم للديوان الشعري“قراصنة يسرقون الحلم” في إطار مساهمة لقراءة وتقديم العمل ولصاحبته لرواد دار الشباب اليوسفية بالرباط ومنخرطي نادي القراءة التابع لذات المؤسسة، والذي يشرف على سيره أعماله الطالب بسلك المعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة بالرباط.

1- صاحبة “قراصنة يسرقون الحلم”:

الأستاذة مينة الحدادي، أو اللبنة الصلبة في أساسات الإبداع النسوي المحلي، فاعلة أدبية وتربوية بامتياز، تقلدت عدة مناصب ومهام، فهي أستاذة للتعليم الثانوي الإعدادي بمؤسسة حمادي امبارك بمديرية شتوكة آيت باها، حيث تتولى مهام المصاحبة والتأطير التربوي وتنسيق أعمال نادي “القراءة والإبداع”، وبإطلالة من نافذة تشرف على مشهدية نشاط أمينة خارج عملها الأصلي، تجدها كالأوب في غدوه وآصاله نحو المباءة، فهي معدن لا ينضب من العطاء، إذ تقلدت المسؤولية كرئيسة لرابطة كاتبات المغرب -فرع شتوكة آيت باها-  وعضو بالمجلس الإداري لرابطة كاتبات إفريقيا، ورئيسة لجمعية مهنية تروم تطوير أداء مدرسي اللغة العربية ومردودية موادها بالإقليم الذي تنشط داخله.

مينة الحدادي من زاوية أخرى، فهي فاعلة مدنية في الكوتشين وفي مجال التدريب المعتمد، تخصص صعوبات التعلم بالذات، شاركت في عدة ملتقيات ومنتديات محلية، إقليمية وجهوية ووطنية، لها أعمال فردية وأخرى في إطار جماعي، بحيث صدر لها:

“تأشيرة البكاء” و”تلك الخطى ليست خطاي” وهي عبارة عن نصوص شعرية، أما الأعمال المشتركة، فقد صدر للسيدة مينة ”تعابير قزحية، و”حين تبدع أنثى” وقراءات نقدية، منها ما طبع ورقيا وإلكترونيا ومنها ما زال قيد النشر. ولها خواطر موسومة بـ “قراصنة يسرقون الحلم” ستكون هي مربط فرس هذا التقديم. فما سمات “قراصنة الحلم“؟ 

2 -قراءة في العنوان: “قراصنة يسرقون الحلم”،

في اعتقادي، كان يستحسن على المبدعة مينة أن تكتفي في عنوانها للمجموعة الشعرية بـ “قراصنة الحلم pirates de rêve” على اعتبار أنها تلخص معنى المجموعة وتوجزه، على اعتبار أن العنوان بعد إخضاعه لترجمة المعنى استقامت أنساقه بهذا الشكل، فالقراصنة، من قرصنة Piraterie وهي مفهوم غربي يقابله في المعاجم العربية التاريخية كلمة “جهاد بحري” وهما معا يحيلان على مجموع العمليات العسكرية التي تدور رحاها في عروض البحار، قصد سلب الآخر مما يتوفر عليه من مدخرات ومقدرات مادية ومعنوية وبشرية…

وخلفيته الدينية في العالم الإسلامي مؤطرة بنصوص بين ما هو للطلب وما هو للدفع سواء أكان برا أو بحرا أو جوا… غير أن الغرب في تطاحنهم مع المسلمين على حظوة الغلبة والسيطرة على البحر المتوسط في إحدى المراحل التاريخية، كانت مؤشرا لوصفهم لهذا الصراع بالقرصنة الإسلامية، مزيلين منها كل النفحات الدينية تاركين بعد السرقة كمحدد وأساس لهذه العمليات.

وعليه، فالقرصنة التي حاولت السيدة مينة تبييئتها وعملها الأدبي؛ كمفهوم غربي، فهي لا تستقيم إلا والسرقة، ومن تم كان على مبدعتنا علاقة بعملها أن تكتفي بقراصنة الحلم فهي حمالة للمعنى الذي كانت تقصده في صياغتها… فالعنوان من خصائصه الوضوح والموجزية والتركيب، باعتباره عصارة العمل، ومرقى التركيب إحدى سماته الأساس.

وللاستدراك، يمكن اعتبار -وهذا استثناء لا محاكمة للنوايا فيه- أن السيدة أمينة وهي تنحت عنوان ما جمعته من مادتها، أن خصّت القراصنة الذين يسرقون الحلم فقط، ولا شأن لهم في بقية اللصوصية أو السرقات الأخرى. وهذا مدخل أدبي آخر، يمكن استشرافه فنيا بعيدا عن كل سياق اجتماعي أو تاريخي أو حتى نفسي. سرقة الحلم، ومن أحد معانيها أنها أشد وطأة وتنكيلا بالناس، حتى لو اقرنت بسرقة المال والمستلزمات الخاصة، لسبب بسيط أنها إجهاض للأمل في المستقبل، وتسييج للخيال ولكل ما هو جميل. وهو اعتبار كذلك، كي لا تحذو القراءة حذو التعتيم.

3 – قراصنة يسرقون الحلم: قراءة داخلية

تندرج نصوص» قراصنة يسرقون الحلم « ضمن صنف القصيدة النثرية أو الخواطر النثرية، فهو بوح بدون قيود شعرية، يعانق كل ممكنات أجناس الفنون الأدبية، فالأصل في » قراصنة يسرقون الحلم « أنها كتابة حرة لا تتقيد بنظام صارم كما هو الشأن بالنسبة لشعر المدارس والاتجاهات التقليدية.

خواطر» قراصنة يسرقون الحلم « عمل أدبي في شكل ومضات شعرية مثقلة بأفكار امرأة مفعمة بالإحساس والمشاعر الدفينة، صورتها في لحظات استجابة طبيعية لدفقات شعورية متعددة، مرت بها ذاتية المبدعة وعبرت عنها بلغة راقية السبك؛ طرقت من خلالها الحب والحرب، العشق والهوى، وألم الفراق ولوعة الاشتياق… أبواب الوحدة والمشاعر الإنسانية والاجتماعية؛ هي الأخرى تم طرقها بقوة الراغب وبعناية ولين المُجيب.

»قراصنة يسرقون الحلم « نصوص شعرية في طبعتها الأولى أغنت الخزانة الأدبية بمولود يافع سنة 2023، لا ندري حيثيات وخلفيات الولادة، التي تعودنا على صعوبتها ومخاضها العسير، كأنها مشكاة وظل ثقيل مصاحب للباحثين والمبدعين، غير أننا نعلم أنها تمت في غرفة دار نشر محترمة بالرباط، وَسْمُها “دار القلم”، فيما كان الفضل في إخراج هؤلاء القراصنة لحيز الوجود للأستاذ سعيد بوطرين، وشكَّلت أنامل المبدعة نادية متفق لوحة السرقة الموصوفة هاته.

قدَّم لـ »قراصنة يسرقون الحلم « الشاعر محمد السعداني في مدخل نقدي بعد إهداء “لكل الأرواح التي رفضت المكوث في الظل”  في أربع صفحات خفيفة ومتوازنة كأنها قِرى ومقبلات وجبة شهية قبل الغوص في حياة القراصنة ومظاهر اغتصابهم لحُلمٍ أبى أن يكبر.

بلغ عدد نصوص الخواطر الشعرية 61 نصا؛ غطت مساحة 206 صفحة، دون إهداء الدعوة للبروز إلى الشمس والتقديم الطازج الذي أعد على نار هادئة، دون أن يحرق صاحبه تطلعات القارئ للمتن الشعري، علاوة على فهرس العناوين والموضوعات.

61 نصيا شعريا من لون قصيدة النثر، نصوص تعددت مواضيعها كفسيفساء مزركشة بكلمات بسيطة المظهر، عميقة، مطاطة ولزجة من حيث المعنى، هو بوح شعري تملأه التناقضات والتردد بين التخلي والتمسك، الموسيقى والموت، الفرح والانتظار…وغيرها من المواضيع المزجاة، والتي حاكتها شاعرتنا بنفس قصي وممتد داخل القصائد وحتى ضمن الطراز الواحد. وبهذا، يمكن القول أن أثارتني بعض المواضيع التي لاحت تصفحي السريع -سريع بفعل عامل الزمن، وفترة توصلي بالعمل التي لم تتجاوز برهة يوم وليلى، أوردها اختزالا وإيجازا في الآتي:

  • الرغبة في الفرح: 

تغنت الحدادي كثيرا بالفرح داخل متنها الشعري، وهي تومئ أيضا إلى حالة من الحزن أو التمزق حين قالت: 

فرح ينتعل صدى أغنية 

………….

تكفيني للدهشة 

تكفي للفرح…. المستعار

وذاك الصدى

 يردده أزيز المذياع

 ص-ص. 13-14

…….

عديني أيتها الأغنية 

أن الجسور عذاب 

بين المرارة والظمـأ 

ص 14

وفي نفس السياق، نجد السيدة حدادي تعبر عن رغبتها في الفرح والرقص، وهي حالة منافية عنونت بها متنا شعريا أخر في حالات نقيض:

على مرافئ الفرح سنرسو

ص. 187

وكأنها تسلم بنهاية الانتظار الطويل على أنها سترسو على ميناء الفرح حين كتبت:

ماذا سألبس؟

كلَّ معطافي على مشجب الذكرى.

ص. 76

  • الرحيل: تعبير من الشاعرة على الامتلاء أو الاكتفاء في القصيدة

“عبارة واحدة تكفيني”

لكن القارئ والمتمعن لكلماتها المتواترة يجد نفسه أمام نوع من التناقض، متمسكة بالشخص أو الكيان الراغب في الرحيل:

لا ترحل، فالأمنيات

تشدني إليك

ص. 91

وهذا ما يماثله بوحها الشعري مرة أخرى في قصيدة:

“مزقوا ستائر النسيان”

وتصالحوا مع مجالس أعماركم

ص. 82

من أجل التذكر فالإنسان كائن تاريخي يشده إحياء الماضي. وهذا ما عبرت عنه في مقام آخر

عاشقة للغياب

عازفة لألحان الأغصان

عذرا… لا أرغب

في الكلمات

5 – الحب في الزمن الراهن والتليد

المتصفح لكلمات السيدة مينة في مجموعتها الشعرية، سيجد حضورا قويا لمؤشرات الاضطراب الزمني، فهي تارة تعود بإحساسها إلى أزمنة بعيدة، وتستشهد بمدلولات ضاربة في عمق الماضي لتحاول عكس إحدى جوانبها على فترة راهنة… وهو نوع من التراقص الشعري بمدلول LE vas et vient ، وهو الأسلوب الذي لا يبرعه إلا متمكن من ناصية ورجوعات التاريخ المتكررة، كتوظيفها لعلَم هيرودوت صاحب التواريخ في الفترة القديمة، وعنونتها لإحدى القصائد بـ “حقائب الغفران”، التي تحيل على ثقل الماضي في حقيبة الذاكرة، كما أنها قد تحيل على ثنائية صكوك الغفران التي وظفها القساوسة في سرقاتهم لأحلام الإنسان المخطئ، ومينة الحدادي تجد في سرقة الحلم قرصنة لماض وحنين جميل، فهي تجمع أمور حنينها في أشياء بسيطة، تارة في الورود والزهور وأنواعها النادرة وأطوار أخرى في قطعة حلوى تستلذ شغفها في علاقة نهمة على ما يبدو، كتبت في الصفحة 61:

ذكراك ألقاها تطل

كل مرة عني لا تغيب

سنون طبعت قلبا

لله يشكو هما يذيب

قطفت وردا

والحلوى لكل منا نصيب

على سبيل الختام،  تبقى خواطر امرأة في “قراصنة يسرقون الحلم” اسهاما نوعيا في مجال إبداع صاحبته، لا شك أنه سيثري العمل الأدبي والنقدي على حد سواء.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات في بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading