بمناسبة حلول موسم سيدي وساي بقبيلة ماست/ ماسة، اتقاسم معكم شذرات من تاريخ هذا المشهد التاريخي والساحلي، اسهاما منا في التعريف بالموقع وادواره التاريخية، الاجتماعية، والدينية. املين ان نساهم بقسط بسيط في سبل تثمين هذا الموروث اللامادي ومساعدته في مقاومة عوامل الاجتثاث، ما ظهر منها وما بطن، من مواقف سياسية وايديولوجية اقصائية واحتقارية للذات وتمجيد للغير.
سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الثاني) التأسيس: علاقة ايت ماست بالبحر
علاقة ايت ماست بالبحر علاقة عريقة وقديمة، وهذا ما تدل عليه الحرف والتقاليد المحلية المتعلقة بالنشاط البحري، علاقة لا تختلف في شيء مع نظيراتها في السواحل الشمالية والجنوبية للمغرب، والتي تحدث عنها المؤرخين عندما قالوا “ان الروماني يعيش على الخبز المصنوع من القمح الذي ينمو في شمال افريقيا، او في مصر وعلى السمك الذي صيد وجفف هناك بجوار جبل طارق، وكان يطبخ بزيت شمال افريقيا في أوان من النحاس صنعت في اسبانيا….” هذا دليل قاطع على قدم العلاقة بين المغربة والمجال البحري، دليل يفند أطاريح كولونيالية تدعي ان الامازيغ يخافون من البحر، وأنهم شعب يولي ظهره للمحيطات والبحار.
قدم علاقة الامازيغ مع البحر يدل عليها تنوع المعجم البحري الخاص بالكائنات البحرية ومعجم الحرف والوسائل المستعملة في النشاط الملاحي والصيد، علاوة عن حالات البحر من هدوء وهيجان إضافة الى حالة الطقس، ومن بين المصطلحات التي تجسد قدم العلاقة بين الماسيين والبحر نجد، تيكَري، أزايز، أ مون، أركنوز، أسركَال، أَري، أزايز، أ مون، أركنوز، أسركَال، أزلمزا، تناوت، اغرابو، تاكَلوت، تاضينكَا، أفتاس، إيكسا البحر، أسغر ن البخر، تاكَوت، وغيرها من الكلمات التي تنتمي الى حقل المعجم البحري.
كما نعتر على العديد من المؤشرات التاريخية التي تبين وتؤكد قدم علاقة ايت ماست مع المجال البحري، وفي هذا الإطار يجب ان نشير الى كثرة المرافئ الطبيعية واصطفافها على طول ساحل القبيلة، هذه المرافئ من غير المستبعد ان تكون نقط للتبادل التجاري بين السكان المحللين والتجار الأجانب، واذا اضفنا الى هذا كله المدونات العرفية الخاصة بتنظيم المهن البحرية المتنوعة نجد انفسنا امام حقيقة تاريخية لا غبار عليها، وهي ان الامازيغ ومنهم ايت ماست قد مارسوا الأنشطة البحرية من قديم الزمان وان علاقتهم بالمجال البحري ليس وليد الصدفة واليوم. وهكذا يخبرنا التاريخ بالعلاقات التجارية بين الامازيغ والفنيقين، كما يخبرنا كذلك بغارات القراصنة، وبتمدد الخطر الأوروبي ابان مرحلة الثورة الصناعية وتدشين مشاريع التوسع الاستعماري الذي وصل الى سواحل المغرب الجنوبية، هذا التوسع فرضته طبيعة المرحلة المتميزة بالحاجة الماسة الى الموارد الطبيعية في إطار الثورة الصناعية والكشوفات الجغرافية الكبيرة.
لا شك ان انتشار الاضرحة على طول السواحل المغربية له ما يبرره، في التاريخ، كما له أيضا مبررات اجتماعية ودينية ومنها تحقيق المنفعة المعنوية والدنيوية. هذه الظاهرة لا نشك الان انها ظاهرة قديمة، وتنتمي الى عهود ما قبل ظهور الديانات التوحيدية، ولا شك انها أماكن للتعبد والتأمل، كما ان مواقع تشييدها على المرتفعات من ربوات، وكديات يخبرنا بالأدوار المتعدد لهذ الاضرحة التي تتحول الى حصون للحراسة السواحل وقلاع لصد هجمات الغزاة ودحر تسربات الأعداء، وبتعبير اخر هي أبراج لمراقبة وحراسة الحدود والدفاع عنها.
أصله ونسبه:
من جهة أخرى، يمكن اعتبار ظاهرة انتشار القبب على طول الساحل الماسي، تكريما وتعظيما للشخصيات المدفونة فيها، نظرا لصلاحهم، ومنافحتهم في سبيل رد الغزاة وحراسة الشواطئ، وتعميرها وجعلها مقامات للإجتماع والتعبد، وفعل الخير، ومنه الاطعام وايواء العابرين وغيره من أفعال الاحسان….
وهكذا تطورت القبب في هذه النواحي حسب تعاقب الأجيال ومر السنين، وترجع بدايات ظهورها الى بداية الغزو المسيحي للمحيط الأطلسي، وفي هذا الصدد نجد من ينسب معظم أصحاب هذه القبب الى الهاربين من محاكم التفتيش في شبه الجزيرة الايبيرية، ومنهم سيدي عبد الرحمان الروندي دفين وساي في شاطئ ماست، رغم ان محمد المختار السوسي في المعسول أثناء حديثه عن الشيخ يحيا بن عبد الله الدويملالني قبل 945 هـــ وبعد 999هـــ ، اقر انه من الركَراكَيين حين قال: ” ان لسيدي واسمين “بن يعلي كما وجدته في محل اخر” الذي هو رئيس الرجراجيين المدفون بجبل الحديد بالشياظمة عشرة أولاد، كلهم حفظوا القراَن، وماتزال ذريتهم يحفظونه الى الان، ثم ان واحدا من هؤلاء الأبناء، دفن في (إمديون) بهشتوكة، والثاني في (انتيملت) بتحت الرمال -ديملالن- في قبيلة ايت سميون، والثالث بماسة، والرابع في (تدارت) بالوادي الكبير، بهشتوكة أيضا-كذا- والخامس سيدي داوود في تيزلمي، وتالسادس في (واد نون ) في موضع (تكَاوصت)، من جهة ريخ المطر-كذا- والاربعة الباقون في معمورة بقيع بواد درعة، ذهبوا في سياحتهم حتى ماتوا هناك رحمهم الله، ورضي عنهم فأما دفين (تيزلمي) سيدي داوود فإبنه سيدي موسى في (تادايفت) بأيت جرار ، وأبنه الاخر محمد بماسة، تم ان محمد بن محمد بن داوود دفن في (تاغجيجت) وله ولد يسمى عيسى بن ابراهيم بن محمد بن داوود، دفن في (تامريكاست) في (واد نون) وهم بنوا الكتانيين وهم خناك الان.
نص محمد المختار السوسي هذا الذي أورده في الجزء الرابع من المعسول واضح ولا غبار عليه بخصوص نسبة سيدي عبد الرحمان الروندي الى الركَراكَيين او ايركَراكَيين، وهم طائفة معروفة في تاريخ المغرب، ولم يكتفي السوسي بهذا القدر بخصوص الابن الثالث للشيخ يحيا المذكور سلفا؟، واكد مرة على الأصول الركَراكَية لعميد أولياء ماست حين قال:” أما عبد الرحمان الملقب بوساي، فها أنتذا تراه يع من الرجراجيين وذلك قول من الاقوال في[ ربما المختار السوسي لم يكن يريد ان يحسم في نسبه في بداية الحديث عنه، ولكن سيحسم الامر في نهاية كلامه كما سنرى ذلك] وقيل انه من البكريين من ال يعزى ويهدى فقد ذكر بين رجالاتهم، وقيل انه أصله من رندة من الاندلس، فيذكره بعضهم بعبد الرحمان الروندي، وانه عمري عدوي كما عند أولاده الى الان ، وان أبا نمر المشهور في ا(اسضض) ولده، وعندنا سلسلة نسب تامة في ذلك، وذلك هو الصحيح عندنا”.
اذن الأصل الركَراكَري لسيدي عبد الرحمان الروندي دفين وساي بماسة لا جدال فيه بالنسبة لمحمد المختار السوسي، الذي أورد كل الروايات الأخرى بخصوص نسبه الى العمريين العدويين، والبكريين من ال ايعزى ويهدا، وعرج كذلك على أصله الاندلسي، ولكن في الأخير رجح أصله الركَراكَي بدون تحفظ عندما اطلع على كتيب في الخزانة المسعودية في قبيلة المعدر لم يطلع عليه في البداية، ولكن حين تمكن من الاطلاع عليه صح عنده نسب سيدي عبد الرحمان كما أورده في النص أعلاه وفي ذلك يقول السوسي: “وعهدي بكتيب تحت هذا العنوان، في مجموع الخزانة المسعودية المعدرية زلم اطالعه، ربما يختوي على ما يلقي ضوءا على حياته وماهيته، فليفتش عن ذلك ثم اطلعت على ذلك، فترجح عندي ما تقدم).
ان المتتبع لظاهرة كثافة الصالحين في المجالات البحرية المغربية، سيكتشف ان سبب ذلك يرجع الى تدخل القوى الأوروبية في المغرب في اطار رغبة الكنيسة المسيحية في نشر الدين المسيحي وحيازة أراضي خارج القارة الأوروبية، وفي هذا الاطار نذكر بالأطماع الاسبانية في مناطق ايت باعمران، لتأسيس مرفئ للصيد وقامت الكنيسة الكاثوليكية بنشر دعاية مار بكينيا المشهورة، للتغطية على الاطماع الحقيقية التي حركت هذه الدولة الإيبيرية خارج حدودها الاوربية تحرك حرك هواجس الزوايا والمتصوفة لتبديد مخاوف المغاربة، وبدأت كل قبيلة في تشهير الصالحين، وتؤسس اسواقا جوار الشواطئ ويطلقون عليها أسماء صلحاءها السابقين، ويرجع تاريخ بداية سن هذا الاجراء على ما يبدو الى بداية العهد المريني وعرف انتشارا واسعا في العهود الموالية، وهذه الفرضية مؤقتة الى حين العثور على ما يفندها. (يتبع)
- الحسين بوالزيت صحفي وباحث في التاريخ مدينة سلا في 13 غشت 2021
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.