وصف الباحث الأركيولوجي الفرنسي بول بيرتيي، أسوار مدينة تارودانت بـ”المتحف”، وذهب أحد القواد الفرنسيين إلى أنه يشبه في لونه لون الأسد، ولا يتردد البعض في وصفه بـ”سور تارودانت العظيم”.
سور تارودانت العظيم. سور يتراوح علوه ما بين 7 و10 أمتار و سمك بين 7 و8 أمتار وامتداده 8 كيلومتر، هذا السور الذي كان دوره سابقا هو حماية المدينة من الهجومات العسكرية، أصبح اليوم تحفة فنية تلهم زوار المدينة، وما يزيده جمالية هو تاريخه العريق وشكله المنفرد.
السوروأبوابه الخمسة المشرعة على الدنيا، هو ملخص لتاريخ عريق، يصعب تحديده، أبواب تحمل معها حكايات وأسرارلا يعرفها إلا من شغفوا بالمدينة حبا من السكان الأصليين وحتي الغرباء، الذي سكنتهم المدينة. تميز هذا السور، حسب ما يلاحظه نورالدين صادق، باحث في التاريخ، راجع بدرجة الأولى الى كونه لم يبن من طرف دولة أو سلالة حاكمة، بل هو إنجاز معماري شاركت فيه العديد من السلالات الحاكمة التي مرت في تاريخ مدينة تارودانت، بدءا من المرابطين وصولا الى السعديين.
يتكون سور مدينة تارودانت من ثلاثة جدران، الجدار الخارجي يبلغ علوه 9 أمتار وسمكه ما بين متر و90 سنتيمترا وهو الذي تعلوه شرفات من الخارج. يتجاوز سمك الجدار الثاني، الذي يسمى ممر الحراسة، مترين، يليه الجدار الثالث الداخلي الذي انهار الكثير منه، حيث تبقت منه أجزاء في الجهة الغربية والجنوبية للمدينة وخصوصا بين باب ”اولاد بنونة و باب تارغونت”، هذا الجدار الثالث هو اقل ارتفاعا لكنه الأقدم عمرا والأكثر سمكا حيث يتجاوز 3 أمتار في كثير من مناطق المدينة.
يؤكد نور الدين صادق على أنه “لا يمكن الحديث عن فترة تأسيس السور، لأنه” لا توجد معلومات كافية عن هذا الأمر، ولكن كل ما يمكن أن نتحدث عنه هو أن الروايات التي حكيت عن هذه المدينة منذ ما قبل الفتح الإسلامي تفيد بوجود نوع من التحصينات رغم أننا لا نعلم شكلها ولا نوعها ولا طبيعتها”.
ويوضح صادق “كل المؤرخين الذين واكبوا الفتح الإسلامي والذين نقل عنهم عبد الرحمن بن خلدون يذكرون وصول عقبة بن نافع في ولايته الثانية إلى تارودانت، حيث اقتحم المدينة على أهلها، فأذعنت له جموع البربر”.
أبواب المدينة مشرعة على كل الاتجاهات ”باب اولاد بونونة ” و”باب تارغونت” و”باب زركان” و”باب الخميس” و”باب السلسلة ”، هذا الأخير يتجه إليه جميع زوار المدينة وذلك لإمكانية الصعود الى الأعلى والاستمتاع بمشاهدة المدينة الصغيرة التي تتموقع وسط الجبال، ويعتبر هذا المكان فضاء للاسترخاء.
كانت أبواب المدينة، كما يحكي، الباحث في التاريخ، تضطلع بعدة وظائفـ ومنها الوظيفة العسكرية. هذا ما تحيل عليه كثرة الالتواءات وتعدد الساحات.
فمدينة تارودانت لا يمكن الدخول لها مباشرة فبعد ولوج للباب الأول لا بد من المرور من ممر مغطىـ للخروج منه الى الساحة الأولى.
لكل باب سبعة أقواس، وعندما كان يحدث غزو أو هجوم، تغلق الأبواب الخلفية أولا قبل الأمامية، لتتم محاصرة المهاجمين بين بابين، وهنا يتبين الذكاء الهندسي لدى مصممي هذا السور العظيم.
وتؤدي الأبواب وظيفة جبائية، خاصة أن المدينة كانت محطة أولى لعبور القوافل التجارية القادمة من السودان.
وقد سهلت مدينة تارودانت هذه العملية، حيث تم ضبط مسار دخول القوافل واستخلاص مستحقات الدولة الجبائية.
ولم يغفل المؤرخون الدور الأمني لتلك الأبواب. فعند الدخول الى مدينة تارودانت يجد الزائر نفسه تائها بين كثرة الساحات والأبواب وهذا ما جعل كل زائر مراقبا ومن السهل تحديد هويته في ذلك الوقت.
يخشى الكثير من الرودانيين والأجانب الذين تعلقوا بالمدينة، من أن يقهر الزمن والإهمال السور، بعدما لم تتمكن قبائل غازية من ذلك.
إنه يحتاح إلى ترميم يراعي خصوصيته، إذ لا يفترض الاكتفاء بترميم الواجهة، بينما تترك الجهة الخلفية للتآكل.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.