سعد الدين العثماني.. ونكتة البقرة والثورة
بعد الخرجات المعروفة لعبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعين، وبعدما خفّف منها في الفترة الأخيرة، جاء سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للبيجيدي، ليتسلم منه المشعل، وليُظهر جانبا آخر من شخصيته، المثيرة للعجب…
من العجب العجاب، الذي نطق به طبيب الإخوان المسلمين بالمغرب، مساء يوم الأربعاء، في ندوة حزب الاستقلال بالرباط، أنه بعد الدخول والخروج في كلام مكرور، منطوق من طرف المتدخلين السابقين، كلام يردفه بعبارة “كما سمعنا”، وصل إلى بيت القصيد، فالهدف هو شخص يشكل شوكة في حلق كل تجار الدين، وهو إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ليقول دون أن يجرؤ على نطق اسمه ”بطبيعة الحال، هاذاك اللي قال نحن نحارب الإسلاميين لحماية المسلمين، لا أحد سيفهم هذه العبارة، والذي وجد لها تفسيرا فليخبرنا”، ثم زاد متهكما ساخرا وهو يعرض على الحضور نكتة تبين أنه هو “الفهّامة”، لم يفهمها أصلا. تقول النكتة: ”سافر شاب من قريته إلى الاتحاد السوفياتي سابقا من أجل الدراسة، وعندما عاد إلى قريته، كان يردد على مسامع أبيه أن الثورة قادمة، وعندما سأل الناس والد ذلك الابن، ما الذي تعلمه ابنك في الاتحاد السوفياتي، قال لهم: ولدي حماق كيقول للبقرة الثورة”.
وحتى نصحح معلومات طبيب البيجيدي النفسي، بخصوص ظروف هذه النكتة، التي يعرفها جيدا مناضلو المرحلة من مجايلي العثماني، الذي لم يكن منهم طبعا، لا هو ولا إخوانه، الذين سيستعملهم المخزن في ما بعد لضرب المناضلين الديمقراطيين. هذه النكتة كان أطلقها أذناب المخزن في بداية الاستقلال، للتهكم، بالخصوص، على الحزب الشيوعي المغربي، الذي يقود نسخته الحالية محمد نبيل بنعبدالله، وللنيل من قيادييه ومناضليه، ولتبرير القمع الذي كان يُسلط عليه، قبل أن يلف النكتة النسيان، بعد اضطرار الحزب الشيوعي إلى تغيير اسمه إلى “حزب التحرر والاشتراكية”…
ومع بروز الحركة الماركسية اللينينية المغربية، في ما يُعرف اليوم باليسار السبعيني، ونهوضه القوي، في عدد من مجالات وقطاعات العملين المدني والسياسي، أُعيد إحياء النكتة إياها لتبرير القمع الممنهج، الذي مارسه المخزن ضد مئات من الأطر والمناضلين، والحصيلة: سنوات رصاصية، وانتفاضات جماهيرية، و”ضيافات” درامية في معتقلات سرية، من درب مولاي الشريف، إلى الكوربيس، ومحاكمات وأحكام جائرة، فضلا عن التصفيات، التي راح ضحيتها عدد من شهداء الحركة الديمقراطية المغربية، التي لم يكن العثماني ضمنها…
بعد ذلك، ومرة أخرى، سيلفّ النكتة إياها النسيان، وطال الزمان، لأن البلاد دخلت في مسلسل من المصالحات الجريئة والمتجهة إلى المستقبل، إذ “تصالح المغرب مع ماضيه، وأعاد قراءة ذاكرته، وأنصف المجتمع نساءه برد الاعتبار للمرأة المغربية، وتصالحت الدولة مع مكوناتها الترابية بتأسيس عملها على مقاربة جديدة للتنمية البشرية القائمة على القرب، وعززت الأمة اعترافها بالطابع التعددي لهويتها، عبر الارتقاء بالثقافة الأمازيغية إلى مستوى اعتبارها إحدى أهم محاور السياسة العمومية…”. قبل أن تأتي حكومة بن كيران الأولى، لتبدأ في العصف بعدد من هذه المصالحات، التي، بالتأكيد، ستكمل الإجهاز عليها حكومة البيجيدي الثانية…
وفجأة، ودون سابق إنذار، عادت النكتة المخزنية إياها إلى الحياة، على لسان رئيس برلمان البيجيدي!! وفي هذه ما فيها من دلالات مخزنية، مقرونة بإرادة ظلامية، للتغطية على مشروع عملية قمع مدبرة يُخطط لها في الظلام…
المثير في الأمر أن نخبة من الحاضرين في الندوة، أغرقوا في الضحك، تُرى على ماذا يضحكون، هل يفهمون، هل يدركون المبنى والمعنى من النكتة أم إنها حالة نموذجية من نخبة المواعيد الضائعة في البلاد؟! سؤال جارح.. وكذلك الجواب…
العجب العجاب، لم ينته عند هذا الباب. فإذا كان العثماني تسلم المشعل من ابن كيران، ليواصل نفث سموم الحقد والكراهية، فإن حديثه جاء ليضع الرجلين على طرفي نقيض، بصيغة عجيبة تجعل كل مستمع يضرب كفا بكف تعجبا من حالات المخاتلة، التي يعكسها قادة البيجيدي. فإذا كان ابن كيران يؤكد أنه على خطى شيخ القتل ابن تيمية، الذي يعتبر المرجع الأساس للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولمختلف تيارات الإسلام السياسي الجهادي، فإن العثماني يؤكد أن البيجيدي ليس حزبا إسلاميا!؟
فمن نصدق؟ ابن كيران أو العثماني؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون شكلا من أشكال “الطنز”، الذي يمارسه الإخوان المسلمون تحت مسمى “التقية”!
يقول العثماني، اليوم، إن البيجيدي ليس حزبا إسلاميا، فيما يؤكد عادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، في تصريحات سابقة للصحافة، إن “ما نسمع من كلامهم مشابه جدا لما كان يقوله مرسي، هذا يؤكد فقط أنهم عاجزون عن تطوير خطاب سياسي متناسب مع بنية النظام في المغرب. هم يستوردون مشروعا آتيا من الشرق كل هدفه هو أخونة الدولة”، وأن “رئيس الحكومة يتصرف كرئيس جماعة وحزب وليس كرئيس حكومة. يعامل الوزراء كموظفين لديه. يتعامل بمنطق استعلائي وكأن الشعب معه هو وحده. وهذا سلوك لا يليق بمن يتولى إدارة شؤون الدولة. وهذا حال كل حركات الإسلام السياسي في المنطقة وحزب العدالة والتنمية ليس استثناء”. صدق عادل بنحمزة وكذب سعد الدين العثماني…
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.