سؤال أجاب عنه مصطفى بوعزيز ونبيلة منيب مبعوثا المغرب إلى السويد: لماذا يكره اليسار الأوربي مملكة محمد السادس؟
إذا تأملنا علاقة المغرب بيسار العالم، وباليسار الأوربي تحديدا، فسنجدها دائما متأثرة بعقيدة قديمة بسبب التمثل الذي صاغه هذا اليسار حول مؤسسة الملكية بالمغرب التي ظل يعتبرها مؤسسة طاعنة في التخلف والقمع، ومتحكمة في القرار السياسي والمالي، تماما كما لو أن الزمن قد توقف مطلقا عند اعتبارات الحرب الباردة التي كانت تنظر إلى الملكية، لا فقط كموطن تحكم واستبداد، ولكن أيضا كبلد كان دائما حليفا للإمبريالية العالمية. ولذلك كان اليسار الأوربي دائما مصدر تشويش أيام الراحل الحسن الثاني الذي كان يتهم من طرف هذه الدوائراليسارية باعتباره كذلك مصدر تعطيل للديمقراطية، وللإجهاز على حقوق الإنسان، وعلى وضع الحريات بشكل عام. وقد تغذت هذه العقيدة المعادية للملكية من الصراع المتوتر الذي طبع علاقة هذه الأخيرة بالحركة اليسارية المغربية، منذ فجر الاستقلال، تاريخ تنازع الشرعيات حول حكم المغرب من طرف الملك في مواجهة روافد الحركة الوطنية. ولأن التمثل اليساري الأوربي حول المغرب قد سجن نفسه في تلك العقيدة السياسية المتجمدة، فقد عشنا منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مفارقة صارخة. ذلك أن الجزائر التي خرجت من زمن الاستعمار، باعتبارها مهد الثورة وبلاد المليون شهيد، سرعان ما غرقت مع توالي الزمن وإلى يومنا هذا، في أسلوب الحكم الفردي المتسلط، وفي كل مساوئ النظام العسكري المغلق الذي أجهز على ثروات البلاد، وكبل طاقات شعبه. ومع ذلك فقد ظل اليسار الأوربي ينظر إليها دائما مهدا للثورة. ومن هذا المنطلق دعم الجمهورية الصحراوية بقيادة حركة البوليزاريو، وساندها في المنتديات الدولية بتمويل يقتص من مال الشعب الجزائري، وذلك باسم حرية الشعوب، وحقها في استكمال استقلالها. في حين تمكن المغرب من التخلص من ردائه السياسي القديم عبر تجديد بنائه السياسي، وحقق وثبات مؤسساتية لطي صفحة الماضي، وللتصالح مع ذاكرته، ومع طموحات شعبه من قبيل إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، كما صادق على المعاهدات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، وطور ترسانته الدستورية بالاعتراف بالمفهوم الكوني لحقوق الإنسان، وواصل انتخاب مؤسسسات غير مطعون فيها سياسيا ، وطور علاقاته الدولية على معيار التوازن الدولي. ومع ذلك لم يشفع له ذلك في تحسين صورته التي ظلت كما شكلها التمثل اليساري الأوربي القديم الذي يصر على أن يضعنا كبلد للقمع وللإجهاز على الحريات، مقابل اعتبار الجزائر «منارة تقدمية» رغم تورطها الحقيقي في حجز الشعب الجار في الشعارات العتيقة، ورغم دعمها لكيان انفصالي يحجز بدوره آلاف الصحراويين على أرض جزائرية ضدا على كرامة الإنسان، ونداءات المجتمع الدولي. في سياق هذا التوتر ينبغي قراءة الأزمة بين المغرب والسويد بشأن ما تسرب من احتمال إحياء توصية برلمانية تدعو حكومة ستوكهولم إلى الاعتراف بـ«دولة البوليزاريو»، وهي التوصية التي تغذت من رأي عام شعبي يخفق بقلب يساري سويدي . ثمة خلل بكل تأكيد، بعض مصادر هذا الخلل تأتت من فشل المغرب دبلوماسيا في تسويق صورته في الخارج، وفي اكتساح مساحات جديدة في المنتديات الدولية، وفي نسج علاقات جديدة مع العالم وفي تقديم أطروحته بالحجج القانونية والسياسية بذكاء ودهاء. وبعضها الآخر متأت من عدم تمكن الأحزاب اليسارية المغربية من لعب دورها في تبديد الصورة الأوروبية القديمة، وذلك لاعتبارات ذاتية وموضوعية. من بينها افتقاد هذه الأحزاب للإمكانات المادية التي تؤهلها للعب دور دبلوماسي مواز في الساحة الدولية، في حين تشهد الكثير من الوقائع المؤلمة كيف أن مليارات يتم تبديدها في التفاهات. واللافت للنظر في تقلص مساحات تحرك المغرب أن بلادنا قد تمكنت ، ضمن لحظات دبلوماسية محدودة، من تحقيق اختراقات داخل الجدار الأوربي، لكنها لم تستثمر بالشكل الكافي الذي يقلب المعادلات القائمة. نذكر بهذا الخصوص كيف أن الدانمارك تعتبر شريكا مع المغرب في تفعيل اتفاقية مناهضة التعذيب على المستوى الأممي ، في خطوة مخالفة تماما لاعتقاد يسار «الفيكينغ» الذي لا يزال يواصل مدمنا على التصور الإيديولوجي العتيق الذي يرى في المغرب ملكية قمعية ومحتلة للصحراء تماما مثل كل الديكتاتوريات المنقرضة، أو الباقية. نستنتج من كل ذلك أن نازلة الدانمارك المضيئة والمخالفة لنازلة السويد تستدعي من المغرب، دولة ومجتمعا، مضاعفة الجهد من أجل استدراك الزمن الضائع في علاقتنا مع العالم، ومع اليسار الأوربي بشكل خاص، الجهد الذي له اسم واحد: تعميق البناء الديمقراطي والمزيد من توسيع الحريات، ومواصلة محاربة الهشاشة بمختلف تجلياتها، وفتح مسالك جديدة للحوار والتفاعل مع المعارضة، ومع قوى اليسار تحديدا. وتمكين هذه الأخيرة من التمويل الضروري ومن أدوات العمل والتحرك وفق منظور تشاركي يقيم تعاقدا جديدا بين المغاربة بكل مللهم السياسية من أجل الحفاظ على المكتسبات المتحققة، ومن أجل ملء البياضات في علاقتنا مع العالم.
تفاصيل أخرى أوفى تجدونها في عدد أسبوعية “الوطن الآن” المتواجد حاليا بالأكشاك
التعليقات مغلقة.