زهور يكتب : “المساواة في الإرث”..!
مناسبة فتح النقاش هو سؤال من رئيس فريق التقدم والاشتراكية قدمه مؤخرا الى وزير العدل في البرلمان، يتعلق بمراجعة مدونة الأسرة بما يضمن للنساء التمتع بكافة حقوقهن بدون تمييز.
مثل هذا المطلب لو تم فتحه للنقاش المجتمعي سيثير زوبعة المعارضين من الفقهاء المؤدلجين والسلفيين والاسلاميين وغيرهم ممن يرفعون اصواتهم يرعبون بها من يخالفهم الرأي مما لا يوافق هواهم الايديولوجي او تفاسيرهم التي حفظوها عن السلف. فالفقهاء والمفكرون المتنورون الذين يجتهدون في تأويل النصوص بما يناسب مقاصد الدين السمحة في عصرنا الحالي يواجهون من طرف السلفيين ومن والاهم بقاعدة فقهية اتخذت الآن سيفا مسلولا تسل في وجه المتنورين وهي : ” لا اجتهاد مع وجود النص”، فتشهر في وجوههم الاسلحة التقليدية المعهودة، والتهم الجاهزة دوما هي الزيغ والضلال واحيانا الكفر وما يتولد عنها منتحريض على إسالة الدماء ومحاكمات وسجن ، ولنا أمثلة سوداء مما وقع ويقع لبعض الشخصيات المتنورة في البلدان الاسلامية ومنها بلدنا وإن بحدة أقل نظرا لترسخ منظومة إمارة المؤمنين بشرعيتها التاريخية في بلدنا.
إلى هؤلاء المناهضين للاجتهاد المتنور نقول:
1- عصرنا الحالي هو عصر المساواة والحقوق( الثقافية، اللغوية، والسياسية والفكرية، والفردية، والشخصية : حقوق الانسان، حقوق المرأة ، حقوق الطفل، حقوق الحيوان، حقوق البيئة…) ويختلف عن العصر الماضي الذي انقسم فيه المجتمع الاسلامي (وغيره) افقيا إلى مجتمع الاسياد ومجتمع الاماء والجواري والعبيد، وعموديا الى مجتمع رعايا الدرجة الاولى وهم المسلمون ورعاية الدرجة الثانية وهم أهل الذمة، فما يطبق شرعا على المسلم الحر لا يطبق على المسلم العبد او الذمي..
– عصرنا الحالي هو عصر التكامل الانساني نبذ وراء ظهره العصر الذي انقسم فيه العالم الى قسمين : دار الاسلام ودار الكفر.
فمن بين ما تضمنه سؤال رئيس الفريق التقدم والاشتراكية الى وزير العدل هو أن تتمتع النساء بكافة حقوقهن بدون تمييز.
ومن بين الحقوق : المساواة في الارث.
هنا سيسل السلفيون والاسلاميون ومن والاهم في هذه القضية سيوفهم مرة أخرى بدعوى: ” لا اجتهاد مع وجود النص”, ولكي نهدئ من اندفاعهم واتهاماتهم نقول لهم: رفقا بنا وبكم، لنتفق على ما طرحتم، ولننطلق معا من هذه القاعدة الفقهية التي تعتمدونها ونطبقها لكن بدون استثناءات وبدون تأويل للآيات، لانكم إن أولتم آية ما فمن حق مخالفيكم ان يؤولوها بدورهم حسب اجتهاداتهم، بمعنى ان لا ننتقي الحكم الشرعي الذي يستهوينا حسب الأهواء او المواقف بدعوى مسايرة العصر، فندع بعضا منه بدعوى تغير العصر..
مثلا: الحكم الشرعي في قضية الإماء والعبيد تم تجميده منذ دخول الاستعمار الغربي الى البلدان الاسلامية ومنع تجارته، ولم يعد ممكنا العمل به في الدول الإسلامية الحديثة الان لانتفاء ظاهرة الاماء والعبيد في عصرنا اي عصر حقوق الانسان وتحريم العبودية وتجريم الاتجار بالبشر( وبالمناسبة الاتجار بالبشر عرفته اغلب المجتمعات القديمة وليس خاصا بمجتمع معين، وكان عاديا آنذاك), لكن داعش ( الدولة الإسلامية في العراق والشام) أعادت هذه الظاهرة وأعادت أسواق النخاسة في المناطق التي كانت تحكمها لذلك أعادت تطبيق هذا الحكم الشرعي..
والسؤال هنا للذين يدافعون عن ” لا اجتهاد مع وجود النص” : ما الحكم الشرعي في من ذهب من بعض الاسلاميين المتطرفين الى الشام واشترى “جاريتين” من اسواق النخاسة في دولة داعش؟
االحكم الشرعي واضح في هذا الشأن، فمن حرم ما أحله الله ( اي: ما ملكت أيمانكم) فهو كافر حسب أغلب الأئمة والشيوخ ومنهم ابن تيمية.
لكن ماذا يقول القانون المغربي وغيره من القوانين الدولية؟ يعتبر هذا جريمة إنسانية وهيةجريمة الاتجار بالبشر، يعاقب عليها بأقسى العقوبات.
سيقول الايلاميون والسلفيون ومن والاهم بأن العصر تغير ولا وجود للإماء والعبيد اليوم، ونعيد السؤال : فما موقفكم إذن مما قامت به داعش من بيع الجواري؟ إن أنكرتموه بدعوى تغير العصر فلماذا تنكرون تغير العصر بالنسبة للمساواة في الارث؟ اتأخذون ببعض الكتاب وتدعون ما لاتريدون بدعوى تغير العصر!!
نقول لكم بأن الاسلام صالح لكل زمان ومكان، أي أنه يسير مع مصلحة الانسان فأينما وجدت مصلحة الانسان فثمة دين الله، فمصلحة الانسان أولى من النصوص، ولكم مثال في عمر بن الخطاب الذي خالف النص القرآني حين منع المؤلفة قلوبهم من عطايا الزكاة، اي انه اجتهد مع وجود النص فألغى صدقة المؤلفة قلوبهم من النص القرآني: ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة (60).
فالعصر الآن تغير، وأصبحت المرأة هي من تعول الكثير من الاسر، عاملة وموظفة وفلاحة تساهم في الاقتصاد الوطني وفي الاقتصاد الأسري بصورة كبيرة، فماذا يمنعها ان تتساوى في الارث مع الرجل؟ فهل ستعودون الى نفس الاسطوانة ” لا اجتهاد مع وجود النص”؟ إذا عدتم عدنا الى نفس الاسطوانة اي ما فعلته داعش من الاتجار بالجواري والإماء، هل توافقونها؟ مع ان حكم الشرع فيها واضح..
لنرجع الى تديننا المغربي وكيف التف فقهاونا الامازيغ حول الإرث، وقرأوا واقعهم من منظور ثقافي مغربي( ليعطوا للمراة حقها في الجهد والعمل الذي تقوم به الى جانب الرجل وفقا للاعراف الامازيغية، فالتجأ فقهاؤنا الى فقه النوازل وحكموا بأن للمرأة حقها في ما انتجه الرجل وشاركت في انتاجه بكدها وسعايتها، فإن مات اخذت المرأة حقها اولا نظير مشاركتها بعملها وكدها، ثم يوزع الإرث على الورثة( فتوى الفقيه العالم ابن عرضون، يراجع كتاب “النوازل” للشيخ عيسى بن علي الحسني العلمي، الجزء الثاني ص101-102، طبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 1986.)
ارجعوا الى تدينكم المغربي واقرأوا تراثكم المغربي في فقه النوازل وجددوه بما يلائم ويتوافق مجتمعنا وعصرنا الحالي كما فعل فقهاؤنا الامازيغ الذين قرأوا عصرهم وأفتوا بما يوافق مجتمعهم واعرافهم وقوانينهم الامازيغية( الكد والسعاية مثلا..).
فالاسلام ليس نصوصا جامدة بل هو دين منفتح وسمح يميل أينما مالت مصلحة الانسان، هذا هو الدين الإلاهي، وباب الاجتهاد الذي يروم مصلحة الانسان لا يغلقه الا من له منفعة( مادية، سياسية, ايديولوجية..) في إغلاقه لأنه يضر بمصالحه.
الحسن زهور.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.