زمن كورونا : هذا الوضع لا يشجع على التفاؤل لمغرب ما بعد الوباء
بقلم سدي علي ماءالعينين//
لا أحد يمكن اليوم ان يجادل ان منسوب الثقة في الدولة ومؤسساتها قد إرتفع إثر القرارات و الإجراءات الناجعة التي إتخدتها في مواجهة فيروس كورونا،
هذا المنسوب مع الأسف يقابله تراجع في الثقة في مؤسسات كانت تشكل إلى الأمس القريب شكلا من أشكال ديمقراطية الدولة، ويتعلق الأمر بالأحزاب والمؤسسات المنتخبة وجزء كبير من المجتمع المدني.
فقد سجل المتتبعون غيابا تاما او جزئيا لكل المؤسسات الخارجة من صناديق الإقتراع بما فيها البرلمان والمؤسسات المنتخبة التي توارت وخفت صوتها في عز الأزمة.
هذا الوضع لا يشجع على التفاؤل لمغرب ما بعد كورونا، حيث ستكون ردة فعل المواطنين سلبية إتجاه المسار الديموقراطي للبلاد بما في ذلك المشاركة السياسية والفعل المدني،
كما أن الدولة وهي تقوم بإجراءات قيصرية من قبيل الهدم و إزالة العديد من الأسواق العشوائية التي تشكل بؤرة للفيروس، حيث تعامل المتضررون بنوع من التفهم الإضطراري، لكن يمكن أن يحولوا إلى حطب للإحتجاج على الأوضاع الإجتماعية لما بعد الأزمة،بسبب انقطاع رزقهم في غياب بدائل.
فالدولة وهي تستعمل صندوق مواجهة جائحة كورونا، تعترف علنا بأن الأقتصاد المغربي يعرف هشاشة قد يمكن التغلب عليها بمساعدات إستثنائية، لكن ستفتح نقاشا بعد الازمة حول دواعي هذه الهشاشة، و مسببات استمرار البلاد في المشي بسرعتين متفاوتتين بين فئة تعيش بحبوحة العيش وفئة أخرى تعيش في مستوى الفقر والعوز.
ففي الوقت الذي جاءت مبادرات مالية لدعم الدولة لمواجهة كورونا ،يفتح السؤال حول دواعي غياب هذا الدعم في المسار العادي للدولة في تعاملها مع المواطنين.
فاليوم ليس مزايدة او مطالب ديماغوجية السؤال حول الكلفة المالية التي تثقل كاهل الدولة في صرف تعويضات مؤسسات منتخبة، تعطي الإنطباع انها تعويضات اشبه برشوة الدولة لرجال السياسة واحزابهم.
اليوم يفتح السؤال كيف تعطى الاولوية في ميزانيات الدولة لأسطول السيارات الرفيعة للمسؤولين على حساب سيارات الإسعاف مثلا، أو حتى توفير النقل الجماعي لعمال الحقول والمعامل، أو حتى النقل الحضري المهترئ، أو الموكول لشركات اجنبية تكدس الأرباح على حساب تكديس المواطنين في حافلات تفتقد لأبسط شروط الإنسانية،
حجم التعويضات المقدمة للمنتخبين رؤساء ونوابهم ورؤساء اللجن، و التي تعد بالملايير، في وقت يتقاضى الممرضون و عمال الإنعاش وحتى فئات من رجال الأمن والقوات المساعدة ورجال السلطة الفتات!
الازمة فتحت نقاشا حول البرامج التلفزية، وحجم ميزانيات الإنتاج التي لا تنتج سوى الميوعة و نشر التفاهات، و فتحت نقاشا حول المضمون الثقافي والفني لمهرجانات تستهلك ميزانيات من مال الدولة والمؤسسات المنتخبة و الخواص في وقت يعرف فيه المجال الفني تراجعا مهولا لا من حيث نظام الفنانين وحقوقهم او طبيعة إنتاجاتهم الفنية.
الدولة التي ابانت عن نجاعة في مؤسساتها، مطالبة غدا ان تراجع اولوياتها في توجيه ميزانياتها، فلا احد اليوم يجادل ان الجيش يعيش مستوى أجور متدني للفئات الصغرى في مقابل أجور قوية للقيادات وما تستفيد من إمتيازات،
كما أن قطاعات شبه عمومية يتقاضى مدرائها مبالغ خيالية كأجرة شهرية في غياب مردودية منتظرة ومأمولة، كما تعيش مؤسسات حالة من الإنفلات الإداري وغارقة في بيروقراطية و تسلط على حساب المواطنين.
كما أن خيارات الدولة في تدبير العنصر البشري تحتاج للإجابة على أسئلة محرجة، كحاجة الدولة إلى الأطباء و الممرضين، فيما تضع شروطا تعجيزية لولوج كليات الطب التي تطالب بمعدلات خرافية، و نفس الشيئ يسري على معايير ولوج مهن المحاماة و النوطيرات وغيرهما كثير.
دولة مابعد جائحة كورونا، وبعد الثقة التي كسبتها، والرعاية التي ابانت عليها إتجاه المواطنين ستجعلها في مواجهة إرتفاق أفق الإنتظارات، خاصة وان الوسائط الإنتخابية ابانت على هلاميتها وضعفها وغيابها،
ليس موقفا سياسيا ولا مزايدة حزبية الحكم على حزب الإسلاميين المتحكم بالإنتخابات في غالبية المؤسسات المنتخبة ان ممثليه دخل غالبيتهم إلى منازلهم و تركوا الدولة والمواطنين في مواجهة الازمة، مع تسجيل مبادرات إستثنائية لبعض المنتخبين لا يجب إنكارها، لكن هذا يفضح تغليب هذا التيار للجماعة و الحزب على حساب القضايا الوطنية،
الأحزاب المنتسبة إلى اليسار ابانت عن ضعف في ما كان يشكل قوتها وهو العمل الميداني، وإختزلت سلوكها في التعليق على مبادرات الدولة، بأسلوب فيه في كثير من الأحيان مزايدات ثارة بإسم حقوق الإنسان وثارة بأسماء أخرى،
الليبراليون وضعوا أنفسهم كعادتهم بعيدا عن التأطير مكتفين بتقديم الأموال للدولة لمواجهة الازمة تكريسا لتحالف هجين يعطي اليوم درهما كي يجني غدا دراهما، وكأن الموضوع صفقة بوجوه مختلفة.
مغرب ما بعد كورونا مطالب ان يفتح ورش مراجعة الناجعة في مؤسساتها خاصة حجم تكلفة واجهات تبين انها مجرد مساحيق بعيدة عن إنشغالات المواطنين،
مغرب مطالب ان يعيد النظر في حجم الإمتيازات للمسؤولين تحت دريعة توفير ظروف العمل بقدرما هي إمتيازات تخلق إحتقانا وكراهية و إستفزازا للطبقات الكادحة،
المواطنون غدا يريدون إعلاما يقطع مع مسلسل ” سامحيني ” ويعوض ببرنامج ” حاسبيني ” واول محاسبة عودة السؤال:أين الثروة؟
كل خوفي بعد أزمة كورونا ان يصبح المغربي يطالب ب ” التغماس” لأن منسوب الثقة يزيد في منسوب المطالب، مما سيزيد في منسوب الإحتجاج و يعمق منسوب رفض المؤسسات المنتخبة التي مهما عقمت الأزقة، فإنها يصعب عليها ان تعقم المواطنين من قناعة راسخة بأنها مؤسسات بلا قيمة لان الدرهم الابيض ينفع في اليوم الاسود، وهؤلاء أبانوا انهم درهم ليس بالأبيض ولا بالأسود، إنهم فلوس ” فالصو”
خوفي من ردة فعل المواطنين بعد عشر سنوات من الربيع الديموقراطي ان تنخرط في ربيع إجتماعي لا يقبل بالصناديق ولا بالقرارات الإضطرارية بل يطالبون بسياسات قطاعية و تدبير مواطن و توجه يضمن العيش الكريم.
فهل تعتبرون ؟
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.