ريان: قصة صمود انتهت بمأساة

مليكة أقستور

في 5 من فبراير… ريان يودعنا بعمر 5 سنوات بعد 5 أيام في عمق بئر ضيقة

 

 

بعدما تنفس المغاربة الصعداء بعد انتشال الطفل ريان، افجعوا بدقائق قليلة بعدها بخبر وفاته. الخبر نزل كالصاعقة على كل المغاربة والعرب، اللذين تابعوا مأساة ريان عن كثب.

كانوا متسلحين بأمل عيشه، ومتمسكين بنجاته ولكن للقدر رأي أخر، فتحول الأمل لألم يقطع قلوب ملايين الناس من جميع أنحاء العالم.

الطفل “ريان”، سقط سهوا في بئر عميقة في غفلة من والديه، ليقضي بعدها 5 أيام في عمق لا يزيد عن 30 مترا، يتوسد التربة الباردة ويتألم داخل الحفرة لوحده. لا يد أم حنون ولا حضن أب يواسيه.

المعركة لم تكن سهلة، وانشال الطفل كان عملية شاقة ولكن فرق الإنقاذ عملت على قدم وساق وقاومت الإعياء بإصرار، كما شارك متطوعون كثر في مدّ يد المساعدة للمنقذين.

ولم يمنع البرد الكثير من المتجمهرين من مواصلة تجمعهم في محيط الموقع، ما أربك أحيانا عمل المنقذين والصحافيين، رغم محاولة القوى الأمنية إبعادهم.

فالكل كان يترقب وينتظر بفارغ الصبر لحظة خروج ريان، ابن المغاربة الذين جفت أعينهم بكاء وهم يدعوان الله ليل نهار أن يخرج الطفل ويرى النور، ولكن شاءت الاقدار أن يودعنا ريان ليصبح طير من طيور الجنة.

غادرت روح ريان لكن لن يغادر قلوب الملايين، اللذين ترقبوا لحظة الافراج عنه من محنة البئر وسئموا الانتظار بعد أن أصبحت الأيام كالدهر بالنسبة لهم.

 

محاولات باءت بالفشل:

 

متطوعون مغاربة غامروا بأرواحهم من أجل إنقاذ الطفل ريان وفرق الإنقاذ تسابقت مع الزمن لإنقاذه.

حاول متطوعون من أبناء القرية وفرق الإنقاذ في البداية النزول إلى البئر لانتشال الطفل لكنّ قطرها الضيق “الذي لا يتجاوز 30 سنتمترا” حال دون ذلك. علماً بأنه يزداد ضيقاً عند النزول.

و من بين هؤلاء المتطوعين الذين تنكروا للذات و غامروا بحياتهم لإنقاذ الطفل ريان ، عضو الهلال الأحمر المغربي والمتخصص في الاستغوار، عماد فهمي، حاول النزول للبئر مرتين متتاليتين قبل أن يفشل في تحقيق الهدف بسبب ضيق سمك البئر.

عماد تمكّن بالفعل من الوصول إلى عمق 28 متراً حتى صار بإمكانه سماع أنين الطفل وبكائه، لكنه لم يستطع مواصلة عملية الإنقاذ.

حكى المتطوع المغربي عن تجربته، في حديث مع “الصحافيين” بالقول: “تطوعي لإنقاذ ريان كان استجابة لنداء الواجب ولمبادئ المتطوعين في المغرب وسائر البلدان، وفي مقدمتها نكران الذات. وقد حاولت مرتين الوصول إليه، لكن، مع كامل الأسف، لم أتمكن من تحقيق ذلك جراء صعوبات عدة”.

وإلى جانب المتطوع فهمي، تمكن محمد، وهو أحد أبناء المنطقة، في وقت سابق من النزول إلى عمق 30 متراً، دون أن يتمكن من الوصول إلى الطفل ريان بسبب مخاوف السلطات من تعرضه للخطر.

ما دفع السلطات المحلية إلى توقيف محاولات المتطوعين لانتشال الطفل، وعودة الجرافات للحفر على مقربة من البئر إلى عمق يتيح لفرق الإنقاذ الوصول إلى طفل عبر نفق بطول مترين.

ويأتي ذلك في وقت قال مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف العلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خلال مؤتمر صحافي عقده عقب انتهاء المجلس الحكومي، اليوم الخميس، إنّ لجان الإنقاذ المحلية وضعت مجموعة من السيناريوهات، وبتتبع مباشر من قبل وزير الداخلية ووزير الصحة، وبإشراف من رئيس الحكومة.

وأوضح المسؤول المغربي أن “السيناريو الأول كان إمكانية توسيع قطر الثقب المائي الذي سقط داخله الطفل ريان، لكن الأمر يمكن أن يشكل خطراً عبر انهيار الأحجار والتربة”، مشيراً إلى أن الخيار الثاني كان إمكانية إنزال عضو في لجان الإنقاذ، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل.

وبحسب بيتاس، فإن الخيار الثالث هو “الحفر بشكل موازٍ للوصول إلى مكان تواجد الطفل“.

 

جهود الإنقاذ:

 

العملية صعبة للغاية، وتحديات كثيرة واجهها فرق الإنقاذ بسبب تضاريس المنطقة والتربة الهشة،  ولكن رغم ذلك واصلت فرق الإغاثة  جهودها المضنية بحذر شديد وسط كل التعقيدات.

 وبموجب الخطة المعتمدة، أقامت فرق الإنقاذ حفرة كبيرة موازية لمكان سقوط الطفل ريان، وعند بلوغ العمق الذي يوجد به، تم الشروع في حفر أفقي.

عملت العشرات من عناصر الوقاية المدنية والسلطة المحلية ورجال الدرك الملكي والقوات المساعدة، بإشراف من السلطات الإقليمية، مدعومين بآليات حفر ثقيلة، على تحقيق هذه المهمة.

وتم تعزيز الآليات العاملة في مجال الحفر بجرافة سادسة من أجل تسريع عمليات الحفر وجرف التربة، كما تمت تعبئة مروحية طبية تابعة للدرك الملكي وسيارة إسعاف بطاقم تمريضي متخصص في الإنعاش من أجل نقل الطفل ريان إلى المستشفى فور إخراجه من البئر، لكل للأسف أسلم ريان روحه لبارئه بعد أن تعب  جسمه.

 

“ريان” وأعين الصحافة:

 

“ريان” هزت قصته العالم، وأصبحت أعين العالم بأسره صوب المغرب، وبالضبط قرية إغران، حيث يركض ريان وحيد داخل الحفرة، لكن ملايين القلوب كانت عالقة هناك بجانبه.

انتشرت مأساته بسرعة البرق في كل وسائل الاعلام، الجهوية منها والوطنية والدولية. وخفقت قلوب العالم أملا في إنقاذ الطفل المغربي.

الصحفيون هم الأخرون أصبحوا جزء من القصة، بل عاشوا تفاصيلها لحظة بلحظة. تكبدوا عناء السفر من مدن عدة، وأبوا إلا أن يحضروا لتزويد الناس بالمعلومات الدقيقة وسط انتشار واسع للمعلومات المضللة والأخبار الزائفة حول وضع ريان.

الى جانب توافد الآلاف على المنطقة الجبلية، تضامنا مع ريان أو رغبة في التطوع لمد يد المساعدة للمنقذين.

نقلت كبريات الصحف الدولية والقنوات قصة ريان، وتجاوزت قضيته أن تكون شانا للقبيلة أو شأنا محليا بل أصبحت قضية رأي عام وطني ودولي، واحتلت قصته حيزا مهما في كل وسائل الاعلام.

كتبت صحيفة “الغارديان” البريطانية“يتفاعل آلاف المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن تعاطفهم مع الصبي وعائلته. وظل هاشتاق (أنقذوا ريان) رائجًا لساعات في المغرب، وجذبت منشورات تويتر الانتباه العالمي إلى جهود الإنقاذ”.

أما صحيفة “لوموند” الفرنسية فكتبت: “الحل الوحيد: الحفر حول البئر لإنقاذ الطفل الذي أثار بقاؤه تعاطفاً وتضامناً هائلين على الشبكات الاجتماعية.

 و تابعت “الشروق” الجزائرية عملية الإنقاذ وكتبت: “استذكر البعض حادثة الشاب الجزائري العياشي محجوبي، الذي سقط في بئر شهر دجنبر من عام 2018، والذي بقي عالقا لمدة 9 أيام قبل أن يلقى حتفه في ظل فشل المساعي لإنقاذه”.

وهناك قنوات عملت على النقل المباشر اعتمادا على “لايفات” بعض المواقع المغربية، كالجزيرة والعربية.

 

ريان… وحد الشعوب والقلوب من تحت الأرض

 

ريان أعاد “بوصلة الأخوة” بين المغاربة والجزائريين. فمحنة ريان أعادت الجرح لروح الجزائريون، وذكرتهم بحادثة الشاب عياش محجوبي، الذي أمضى 9 أيام داخل ماسورة حديدية في بئر بمنطقة أم الشمل ببلدية الحوامد جنوب المسيلة عام 2018، حيث استمرت أعمال الفحر حينها لمدة تفوق عن 200 ساعة، لكنها باءت بالفشل و لفظ عياش أنفاسه داخل الحفرة.

هكذا دفعت   قصة “ريان” المئات من الجزائريين للتعبير عن تضامنهم وتعاطفهم مع الطفل المغربي، الذي فارق الحياة.

 التعاطف الشعبي الجزائري، كان قويا للغاية، حتى قيل إن ريان “أطفأ نار الفتنة” بين الشعبين التي أثارتها الخلافات السياسية والتنافس الرياضي.

 

ريان ودعنا، ولكن ترك أثار جرح عميق فينا. ريان رحل لكن قصته ستظل حية، ولما لا وقد وحدت قلوب ومشاعر الشعوب.

قصة “ريان” ناقوس خطر للسلطات، كي تتأهب وتستعد لتفادي مثل هاته الحوادث. مأساة ريان تنبيه للجميع الى خطورة الحفر المهملة والابار القديمة.

“ريان” رحل من ضيق البئر الى الجنة الواسعة.

وداعا ريان.

م.أ


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading