نـبـذة : … كذب … خداع … تناقض …. دمار … كراهية … سرقة …
“الله غفور رحيم”
الخرافة الخالدة – منبع العذاب والدمار
لـمـحـة :
– أتعلم يا منير؟ قال رسول الله : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”
لم ينطق “منير” ولو بحرف ، فقط بقي مسمرا في مكانه ، ناظرا إلى العربي وابتسامة مرسومة على محياه …. اعتاد على هذا … نفس المشهد يتكرر كل يوم بحوار مختلف في نفس الزمان والمكان …
السابعة مساء ، في مقهى الضياع
المواضيع نفسها تتكرر بطرق مختلفة … ما من عقل يحلل ، ما من منطق ، ما من فائدة …
العربي ، شاب في 24 من عمره ، شعره قصير ، وجهه محلق ، نحيف ، يرتدي ملابس عصرية ، مسلم الديانة ، يصلي صلاته في أوقاتها ، غير أنه …
– غير أنه ماذا؟
– غير أنه كاذب ، منافق ، مخادع ، نمام … لا يعرف في دينه إلا ما ينفعه وما يدافع به عن مصلحته
– ماذا تقصد؟
– أقصد أنه حرباء بهيئة إنسان ، يَحِلُّ ما يريد ، ويحرم ما لا يريد
– أما منير؟
– إنسان من الفئة الضائعة ، مايزال يبحث عن نفسه ، أسئلة كثيرة تداعب ذاكرته الصغيرة … غير أنه عكس العربي ، إنسان إنساني ، صريح للغاية ، صادق ، لا يعرف معنى المكر والخداع
– كيف هو شكله؟؟
– شاب في 26 من عمره ، شعره عادي ، له شارب وشعر في ذقنه ، بسيط للغاية ، يرتدي ملابس عادية ، نحيف البنية …
– إلى حد الآن ، كل ما قلته عادي ، هناك الكثير من الأشخاص كالعربي وصديقه منير في هذا المجتمع الذي نعيش فيه … ما من شيء جديد
– أعلم هذا ، قد تكون أنت أحد هؤلاء الأشخاص ، كل شيء ممكن ، لكن لمَ العجلة؟
– “بيدالة”؟؟
– “بيكالة”؟؟
– « ضاحكا » مازلت مرحا أيها الشاب العجوز
– هذا أنا
– أعلم ، وهذا أنا … أ نسيت من أكون؟
– أنت أنا ، وأنا أنت ، نحن واحد … تبا لك
– « ضاحكا » لِمَ الغضب؟
– لأنك أحيانا تطرح أسئلة غبية قبل أن نكمل حديثنا “راد سبّاقيغ تارمانت ءاد”
– “مان تارمانت؟؟” أي رمانة؟
– “ختاد لي نشرك”
– أوكي
– « بنبرة عصبية » أعلم أنني أنت ، لكن لا تنسى أنني وليد جل ما مررت به في حياتك منذ أول يوم رأيت فيه النور في هذا الكوكب الصغير أيها الفضائي … لذا لا تتذاكى علي وتكرر جل ما أعرفه …
“تبا ، غضب الشاب الشيخ مرة أخرى”
– حسنا أيها العجوز “ءيفاو” اعذرني ، لم أقصد ذلك ، فقط اهدأ
– « بنبرة غاضبة ملونة بالقليل من الهدوء والقلق » حسنا ، لا عليك
بالرغم من أن الشاب العجوز يغضب بسرعة ، إلا أنه يهدأ بعد لحظات … في الحقيقة ، أحييه وأفتخر به ، فما مر منه ومايزال يمر به ، لا يستهان به … – معارك كثيرة في آن واحد – من عساه يفهمه؟ من عساه يشعر به؟ … ما يزال صامدا رغم كل شيء .. أخاف أن يندثر ورفيقه فجأة ، فالأحرف والكلمات بأمس حاجة إليهما رغم الهفوات التي اكتسحت الطريق بينهم …
– اكمل سردك أيها الشاب الشيخ
– ناديني بالشاب العجوز ولو كانت خاطئة ، نطقها جميل
– كما تريد ، اكمل
– فرق كبير بين منير وصديقه العربي … بإمكان منير أن يسأل عن أي شيء لا يعرفه متجاوزا جل الحدود … أما العربي ، لا يستطيع أن يفكر حتى ، ناهيك عن طرح الأسئلة … كما قلت قبل قليل ، لا يعرف عدى ما يدافع به عن مصلحته ولو كان خاطئا أو غير موجود حتى … || ولو طارت معزة ||
ما أبشع أن تكون مبرمجا كالآلة ، لا تعرف غير ما علموك إياه ، أفكارك محدودة ، أسئلتك مقيدة ، أجوبتك تافهة ، غير منطقية … تدور في حلقة مفرغة دون أن تتجرأ على الخروج منها … أي حياة هذه؟ أي عقل هذا الذي تملكه؟؟
– هل أنت مرتاح في حلقتك المفرغة هذه؟
لا أظن
لم إذا لا تستعمل عقلك ولو لمرة وتفكر في نفسك وتشرع بطرح ولو سؤال يوقظك من غيبوبتك اللعينة؟
تبا ، الإجابة نفسها
إذا ابقى كما أنت ، آلة بشرية يتم برمجتها على هوى الآخرين … خروف كإخوته ، في مقدمة راعيه الذي يأخذه حيثما شاء …
فقط تذكر العقل الذي لا يفكر || بمنطقية|| ولا يحلل جل ما يحيط به ، لعنة على صاحبه
~~ في المقهى ~~
… نظر منير إلى العربي وابتسامة مرسومة على محياه قائلا :
– أ تنام جيدا أيها الزميل العربي؟
– دائما ، أغرق في النوم
– إذا ضميرك مرتاح ، لا يؤنبك أبدا؟
– بالتأكيد مرتاح ، لم عساه يؤنبني؟
– عجباه! لا أعلم أي ضمير ذاك بحوزتك؟ تتلاعب بمشاعر الفتيات معاشرا إياهن ، تقطع الوعود على العديد من الأشخاص ولا تفي بها ، تكذب ، وتقسم على أكاذيبك بأنها حقيقة … إلخ ، وكأن شيئا لم يحدث؟ أي مسلم أنت؟
« نظر العربي إلى منير ضاحكا »
– عادي ، الجميع يفعلون هذا … أبواب التوبة مفتوحة ، أخظائي وذنوبي ، أمحيها بصلاتي … الله غفور رحيم …
– ونعم الإيمان ، وماذا عن الأحاسيس السيئة والآمال والأحلام التي ينسجها الآخرين بسبب وعودك الزائفة لهم؟
|| لم تحرك فيه كلمات منير ساكنا ||
– ماذا بك يا منير؟ لمَ كل هذه الأسئلة؟ هذه سنة الحياة
– « بنبرة تساؤل » عذرا ، أ قلت هذه سنة الحياة؟؟
– هذا حال المجتمع ، الكل يفعل ذلك
« منير ضاحكا ، وبنبرة ساخرة »
– أعلم أيها الخروف ، شأنك شأن أمثالك القطيع … أ تعلم ما يقوله الإسلام عن هذا؟؟
– أعلم ، أستغفر الله وأتوب إليه
– كإنسان ن أتعلم بأن أفعالك تلك غير إنسانية مطلقا؟
التزم العربي الصمت ، وصار يتصفح هاتفه الذكي … نظر إليه منير ثم ابتسم قائلا :
– هذا حالكم ، تكرهون الحقيقة أكثر مما تحبون الكذب والنفاق
أخرج منير سيجارة وولاعة من جيبه ، ليُسمع آذان صلاة العشاء … أشعل منير سيجارته ، وشرع في تدخينها … نظر إليه العربي بعد أن وضع هاتفه على الطاولة قائلا :
– حان موعد صلاة العشاء ، هيا بنا لنصلي
« أجابه منير مبتسما »
– عذرا أخي المسلم ، لا أصلي
« بابتسامة ساخرة »
– حسنا ، ها هو ذا هاتفي ، سأتركه بحوزتك إلى أن أعود من المسجد
– أوكي
ذهب العربي إلى المسجد القريب من المقهى ، وبقي منير في المقهى جالسا ، يدخن سيجارته ، ليخرج بعدها هاتفه الذكي الصغير ويتصفحه … فجأة بدأت كلمات أغنية جديدة تتسلل إلى ذهن منير ، لينهض من مكانه متجها صوب صوب إحدى الطاولات الفارغة حيث كأس زجاجي به أوراق ، ليأخذ جل الأوراق المتبقية في الكأس ، مسرعا صوب طاولته ، ملتقطا قلمه الأزرق من جيب سترته ليكتب بعدها كلمات الأغنية ملحنا إياها في نفس الوقت ، ليسجلها في هاتفه فور انتهاءه من كتابتها كالمعتاد …
– أيها العجوز ، أ تتحدث عني؟
– ومن عساه يدري؟
– لا تتلاعب بالكلمات … ولكنني لست في 26 من عمري
– وهل قلت بأنه أنت؟
– إن لم يكن ذاك أنا ، من عساه يكون؟
– « ضاحكا » أنا
– « ضاحكا » عجوز مضحك … ما دخلنا بقصتك هذه؟
– لا داعي لادعاء الغباء … بل ما دخل هذا الشخص المدعو بالعربي في قصتي التي هي في الحقيقة قصتك؟
– « مبتسما » أنت خـطـيـر
– أنا أنت « مبتسما » أتذكر؟ ما قلته لتوك ، هو نفسه ما قالته لك حبيبتك حليمة ذات مرة
– « مبتسما » كيف عساي أنسى؟ مازلت أذكر ، وما نسيته ذاكرتي ، موجود في أرشيفي ، مخلد رفقة أحرفي وجل كلماتي …
– أعرف ، أكمل أم تكمل أنت؟
– أكمل ، لكن أزلني من قصتك هذه إذ لا تعنيني … أنت تعلم بقصتي التي “ربما” سأسردها فيما بعد
– أمرك
– هيا أكمل
ذهب العربي إلى المسجد القريب من المقهى ، وبقي منير جالسا بمفرده ، يدخن سيجارته … ليخرج هاتفه الذكي من جيبه ويتصفحه تائها بين مواضيع علمية ومنشورات زملاءه الفايسبوكيين وفيديوهات مضحكة … في انتظار بدء مبارة كرة القدم بين فريقه المفضل حسنية أكادير والوداد البيضاوي … ما هي إلا دقائق حتى سمع صوت المذيع على التلفاز ، ليعيد هاتفه إلى جيبه ، ناظرا إلى التلفاز …
في الحقيقة ، هذا الفضاء الذي تحدث عنه في هذه القصة “المقهى” ، هو الفضاء نفسه حيث حدثت إحدى قصصي … أو بالأخرى حيث خذلت أكثر من مرة ، من طرف أناس يدعون بأنني صديقهم كلما احتاجو لغرض ما “أنشودة ، أغنية ، لحن ، سيناريو ، نص مسرحي … إلخ” هو الفضاء نفسه حيث تم قطع وعود كثيرة لي دون جدوى …
لو كان لطاولتاي المعتادتين لسانا لشهدتا على ما خطته أحرفي لتوها وما لم تخطه حتى الآن “….”
|| على أي ، حمدا للتاريخ الذي يؤرخ جل ما نقوله وما نفعله منذ أول لحظة رأينا فيها نور هذه الحياة … منذ بكاءنا الأول ||
لكن قلة هم من يدركون الأمر
… هكذا حال منير والعربي ، طريقة تفكير كل منهما مختلفة ، الأول لا حدود لأفكاره ولا قيود تقيدها … الثاني ، أناني ، غير منطقي ، أفكاره محصورة ، صاحب مصلحة …
دائما ما تنتهي منقاشاتهما بالقلق والصمت … ففي الأخير ، الأغلبية لا يحبون سماع الحقيقة ، لا يحبون الإختلاف ، اعتادو على “الأغلبية” بالرغم من أنهم لم يقومو باختيارها ، بل وجدو عليها أنفسهم || كجل الأشياء الأخرى ||
الأغلبية لا يعني أنهم على صواب ، إن كنت تظن هذا ، فأنت حتما مخطئ …
مرة أخرى ، فكر ، اطرح الأسئلة ، كن منطقيا … ستفهم حينها ما لم تفهمه يوما في حياتك ، ستتوضح الصورة أمامك ، سيحيط بك النور ، ويستحوذ على جل السواد الذي التهم “وعــيــك” …
~~~ قبل الختام ~~~
دعـوة إنـسـانـيـة :
حين يعاملك إنسان ما بأدب وطيبة ولطف واحترام … لا تظن بأن معاملته تلك || غـــبـــاء || ، أبدا .. لا تظن بأنه لا يعرف ولا يفهم شيئا … فرق كبير بين الطيبوبة والغباء … فرق كبير بين الإنسانية والغباء والبلادة …
لا تكن حقيرا ، لا تكن وغدا ، إن كان الآخر يتجنب إيذاءك ولو كان بإمكانه فعل ذلك ، فلا تؤديه …
كــن جـمـيـلا ، تـرى الـجـمـال فـي كـل مـا يـحـيـط بـك
|| وفي الختام ||
“لا تنسى ، حريتك تنتهي عند حدود حرية الآخر “ءا بيكَوژان”
من تأليف :
مصطفى مازّي
« Amorittos »
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.