رشيد الراخا في مؤتمر أمازيغ ليبيا في المهجر: الأمازيغ أمام خيار الدولة الفيدرالية

 إيستما د أيتما، أزول فلاون

حضرات السيدات والسادة، منظمي وأعضاء وضيوف مؤتمر أمازيغ ليبيا في المهجر

إنه لشرف كبير لنا أن نتواجد بينكم هذا اليوم، وإذ نترحم على شهداء أمازيغ ليبيا وشهداء الشعب الليبي، فإننا لا يسعنا إلا أن نعبر عن حزننا العميق لما آلت إليه أوضاع ليبيا بعد ثورة السابع عشر من فبراير ضد الديكتاتوري القذافي، خاصة وأننا قاسمنا أشقاءنا الأمازيغ في ليبيا تطلعاتهم نحو الحرية والديمقراطية، وآمالهم العريضة في دولة جديدة يتم فيها إقرار حقوقهم التي حرموا منها طوال أربعة عقود من حكم الديكتاتوري الذي لم يخفي عداءه للأمازيغية وللأمازيغ في ليبيا وكل بلدان تمازغا.

حضرات السيدات والسادة،

لقد حز في أنفسنا ما آلت إليه أوضاع ليبيا بعد الثورة خاصة بعد بروز أطراف حاولت إعادة الأمازيغ للمربع الذي كانوا فيه على عهد القذافي، مربع التهميش والإقصاء والتمييز والعنصرية، وتتبعنا كل الخطوات النضالية لإخواننا الأمازيغ بدءا بملتقى الاستحقاق الدستوري، ومرورا بسحب الأمازيغ لأعضائهم في المؤتمر الوطني العام، ومقاطعتهم لانتخابات هيأة صياغة الدستور، وانتخابات مجلس النواب، وانتهاء بإظطرار الأمازيغ إلى الدخول في حرب لا زالت فصولها مستمرة، رغم إجراء جولات الحوار باستمرار، هذا الحوار الذي تم فيه كذلك إقصاء الأمازيغ.

وإن كان تضامننا ومساندتنا ووقوفنا إلى جانب إخوتنا من أمازيغ ليبيا في كل ما يقررونه من خطوات أمرا لا محيد عنه، فإننا نود مشاطرة أشقائنا في هذا المؤتمر وجهة نظرنا حول ما نراه قد يكون حلا للوضعية التي يتواجد فيها الأمازيغ، خاصة في ظل سعي أطراف ليبية إلى تكريس دولة مركزية تحكم بمنطق ديكتاتورية الأغلبية العربية التي تقصي الأمازيغ، ولقد تجلى ذلك واضحا في الرفض الواضح لكل مطالب أمازيغ ليبيا فيما يخص حقوقهم اللغوية والثقافية طيلة السنوات التي تلت الثورة، وعلى رأس تلك المطالب والحقوق يأتي تعديل المادة الثلاثين من الإعلان الدستوري المتعلقة بكيفية إقرار حقوق المكونات الثقافية واللغوية.

لا يمكن أن نختلف حول كون ليبيا بلد التعددية الثقافية واللغوية، ولهذا نرى أن فرض نظام حكم مركزي على الليبيين سوف لن يؤدي إلى الإستقرار والتنمية والديمقراطية المنشودة من كل فئات الشعب الليبي وفي مقدمتهم الأمازيغ، لأن أنظمة الحكم من ذلك القبيل سبق وجربها الليبيين في عهد الديكتاتور القدافي، كما أتبثت فشلها لدى كل شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك لدى شعوب تشابه من حيث التعددية العرقية الشعب الليبي، كالإسبان مثلا الذين عانوا على عهد الديكتاتور فرانكو من التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولم يستطيعوا تحقيق التنمية والديمقراطية إلا بعد تعديل الدستور الإسباني سنة 1978 وإقرار نظام دولة الجهات بحكم شبه فيدرالي للبلاد الذي كانت له نتائج باهرة في فترة زمنية قصيرة، وحول إسبانيا من دولة متخلفة إلى دولة ديمقراطية مزدهرة يضرب بها المثل، تماما كما هو الشأن بالنسبة لدولة أوروبية أخرى وهي ألمانيا.

ليبيا بدورها حيث الأمازيغ والتبو والطوارق والأمازيغ المعربين (العرب)، لا يمكن لكل تلك الفئات أن تحقق تطلعاتها في الديمقراطية والرخاء والمساواة في الحقوق والاستقرار، إلا في ظل نظام حكم فيدرالي ديمقراطي، يكرس دولة الجهات بحكومات وبرلمانات محلية تتوفر على صلاحيات واسعة في مجالها الترابي وفي تسيير شؤونها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وصياغة مخططاتها ومشاريعها بما يتناسب ومقدراتها الاقتصادية وخصوصياتها اللغوية والثقافية والاجتماعية وحتى الدينية، وذلك بإشراف من المركز الذي يقوم بالعمل على خلق تنمية متوازنة والحفاظ على التكامل والتضامن بين تلك الجهات في إطار سيادة الدولة الليبية، بما يعود بالنفع على كافة المواطنات والمواطنين الليبيين وبما يبوأ ليبيا مكانتها بين الدول الديمقراطية المتقدمة والمستقرة.

حضرات السيدات والسادة،

إننا نرى أن مشكلة ليبيا هي بالأساس مشكلة سياسية ومشكلة تدبير وأزمة نظام حكم ملائم، خاصة مع استحضار المؤهلات العظيمة التي تتوفر عليها في كافة المجالات، ولكن للأسف لم يتم توظيف تلك المؤهلات لأربعة عقود من حكم نظام  السابق بما يخدم المواطنين الليبيين ومصالحهم العليا، ونرى أن نفس الأمر سيتكرر في حالة لم تتم صياغة دستور ديمقراطي يقر نظاما فيدراليا يراعي مصالح وخصوصيات كافة مكونات الشعب الليبي ويحقق تطلعاتها وطموحاتها.

إن بلدان تمازغا جميعها تتواجد ضمن مصاف الدول المتخلفة في كل المجالات رغم مؤهلاتها الغنية، وتحكم تلك البلدان بقبضة من حديد من المركز الذي قوم بصياغة مخططات ومشاريع تهم ملايين المواطنين، لكنها لا تأخذ بعين الإعتبار خصوصياتهم ومقدراتهم، ولعل ذلك ما دفع بأحد تلك البلدان وهو المغرب إلى محاولة نهج جهوية موسعة بعد الإخفاقات المتتالية للمخططات التنموية وغيرها التي تصاغ في المركز، ولكن للأسف فالنموذج المغربي للجهوية بدوره تمت صياغته في المركز وبالتالي حمل أسباب فشله معه وتغلب عليه البعد الأمني وهاجس التحكم، ولن يرقى للتجارب الناجحة للدول الأوروبية الجارة، ولهذا نتوجه بالنصح إلى إخوتنا في ليبيا بأن ينظروا إلى خارج شمال إفريقيا ويستلهموا تجارب الدول الناجحة، وطبعا بما ينسجم مع خصوصياتهم.

ومن ضمن التجارب الناجحة خارج شمال إفريقيا نرى كذلك غير بعيد عنا تجربة الشعب الكوردي، وعلى نحو خاص في العراق. هذا الشعب الذي يماثل وضعه واقع الأمازيغ في شمال إفريقيا حيث تحكم أنظمة عروبية بعثية، وتنتشر مكونات وأطراف وأحزاب تتبنى إيديولوجية القومية والاشتراكية العربية، وتضطهد الكورد وتحرم شعوبها من كل حقوقها، والشعب الكوردي في العراق وكما يشهد له العالم بذلك، قدم نموذجا لما يمكن أن يكون عليه واقع شعب يعتز بقوميته ويملك القرار في جهة تتمتع بالاستقلال الذاتي وبخصوصية ثقافية ولغوية في ظل نظام حكم لا مركزي، ولعل أوجه المقارنة بين كوردستان وبقية مناطق العراق لا توجد، ومن أسباب ذلك أن نظام الحكم الفدرالي لم يتم تعميمه في العراق، فلو تم تعميمه لعرفت بقية جهات البلد نهضة واستقرار وديمقراطية تماثل ما ينعم به إقليم كوردستان، هذا الأخير الذي يتواجد حاليا في مقدمة الحرب الدولية ضد الإرهاب والتكفير والديكتاتورية والتخلف الذي تمثله داعش  الإربابية، ويمثل عنوانا لقيم الحرية والديمقراطية والإزدهار التي تتطلع إليها كل الشعوب.

وإذا كان الأكراد يشكلون ضمان أمن واستقرار ونموذجا يحتذى به في الديمقراطية بالشرق الأوسط، فالأمازيغ من جانبهم لطالما لعبوا هذا الدور في شمال إفريقيا بما تأتى لهم من سبل، ومن شأن استلهام نماذج أنظمة الحكم المناسبة الناجحة من قبل دول شمال إفريقيا أن تمكن الأمازيغ من لعب دور رائد في تقدم واستقرار ودمقرطة تلك الدول، وكما انبهر العالم بالتجربة الكوردية فسيأخذه نفس الإنبهار بالنضال الأمازيغي إن توجه إليه الأمازيغ بالخطاب المناسب ووحدوا قواهم في هذا الاتجاه.

حضرات السيدات والسادة،

إن مؤتمر أمازيغ ليبيا في المهجر فتح لنا فرصة عظيمة لتبادل وجهات النظر، ونتطلع لأن تستمر مثل هذه اللقاءات وتكثف بين الإخوة الأمازيغ سواء داخل البلد الواحد أو على مستوى تمازغا والعالم، خاصة في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة والخطيرة، التي تلت ثورات الربيع الديمقراطي الذي لا زال لم يؤدي إلى الديمقراطية المنشودة بعد أربع سنوات، ما يجعل الأمازيغ في مقدمة المهددين في حقوقهم في حالة لم تتحقق الديمقراطية ولم يتبلور حلمهم المتجسد في ‘ميثاق تمازغا ‘، لأن النضال الأمازيغ كان دائما ولا زال وجها بارزا للديمقراطية والحرية في بلدان تمازغا، ولذلك يجب على الأمازيغ أن يكثفوا جهودهم ويتحدوا ويوظفوا كل قدراتهم من أجل أن لا يعود الوضع في كل بلدان شمال إفريقيا إلى ما كان عليه سابقا.

ختاما، وإذ نتوجه بالشكر الجزيل والتقدير البالغ لإخوتنا في مؤتمر أمازيغ ليبيا بالمهجر، فإننا نؤكد على استعدادنا الدائم لمساندة تطلعات أشقائنا الأمازيغ داخل ليبيا وخارجها، وكما نتوجه إليهم باقتراحاتنا فإننا بدورنا نرحب بنصحهم واقتراحاتهم، ويشرفنا ويسعدنا دائما أن نكون بينهم ويكون بيننا.

حضرات السيدات والسادة،

دام لكم النجاح والتوفيق والنصر ولكم منا كل الدعم والمساندة

رشيد الراخا: رئيس التجمع العالمي الأمازيغي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد