لم يعد يخفى على أحد أن العلاقات بين المغرب وفرنسا هي في أسوأ حالاتها. والأسباب في ذلك متعددة ومعقدة. ومع ذلك عندما تسوء الأمور لا بد من القيام بمبادرات شجاعة لإيجاد حلول لهذه العلاقة المتوترة أو على الأقل مواجهتها والقيام بما يلزم لإعادة الأمور إلى مجاريها.
إن المغرب أمة ذات هوية صلبة. فهي ملكية دستورية تحترم نتائج الانتخابات. وهي انتخابات تتسم بالشفافية، دون تزوير أو زيف، ودون تدخل من طرف الدولة كما كان يحدث في الماضي. فالمغرب دولة لم تخضع للاستعمار بالمعنى الحرفي للكلمة مطلقا. لقد صمدت الدولة المغربية أمام التدخل العثماني الذي استوطن الجزائر وتونس ومصر. بينما مارست فرنسا الحماية بالمغرب من عام 1912 إلى عام 1956 وهذا لا علاقة له بالاستيطان الاستعماري الذي حدث في الجهة الشرقية لدى جيراننا الجزائريين.
وبالتالي كانت هناك دائمًا صداقة وتفاهم ودي بين المغرب وفرنسا، ولطالما كانت فرنسا الشريك الاقتصادي الأول الرئيسي للمغرب وكانت المبادلات بين البلدين تأخذ دوما مسارها الطبيعي دون نشوب أزمات.
إن اللغة الفرنسية هي لغة يتحدث بها عدد كبير من المغاربة. وهي تدرَّس بالمدارس والثانويات. وفي كل عام، يأتي الآلاف من خريجي الطلبة المغاربة إلى فرنسا لمتابعة تعليمهم العالي. وباختصار، فإن الروابط بين البلدين على قدر كبير من الأهمية، وكذلك الرموز. وتعتبر السفارة الفرنسية في الرباط واحدة من أكثر الأماكن التي تحظى بالتقدير وهي قبلة لكثير من المغاربة.
لقد كان الاتصال بين قصر الرباط والإليزيه يتم دائمًا بين زعيمي البلدين بعيدا عن السفراء. ومعلوم أن فرانسوا ميتران لم يدخر أبدا جهدا في إقامة علاقات ودية وثيقة مع الحسن الثاني، الأمر الذي كان مزعجًا للغاية لزوجته دانييل. كما أعرب رئيسا الدولتين عن تقديرهما المتبادل وينطبق الشيء نفسه على جاك شيراك، الصديق القديم للعائلة المالكة وللشعب المغربي.
كذلك فهم الرئيسان الآخران للجمهورية، نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، أهمية المغرب وحافظا دوما على علاقات ممتازة مع الملك. كان نيكولا ساركوزي، الذي لم يكن على دراية جيدة بالبروتوكول الملكي، يعتقد في بداية فترة ولايته التي استمرت خمس سنوات أنه يمكنه النزول عابرا لبضع ساعات إلى المغرب بعد رحلة إلى الجزائر العاصمة. فاستدرك عليه أحد الأشخاص العارفين بدواليب الأمور جيدا أن هذا أمر غير لائق، فكان عليه أن ينتظر كي يقوم بزيارة رسمية تليق بالمملكة ومكانتها.
لقد اعتقد إيمانويل ماكرون أنه يمكن أن يتعامل مع المغرب بنوع من الاستخفاف. فبعد عودته من الجزائر العاصمة، أجاب على شخص في الشارع طرح عليه سؤالا عن المغرب فرد عليه: «سأزور إلى المغرب نهاية أكتوبر». والطامة الكبرى أن الرجل لم تتم دعوته لزيارة المملكة. وبحسب ما ذُكِر رفض الملك الذي مكث في باريس خلال الخريف أن يرد على اتصاله.
إن الطريقة التي عوقب بها المغرب (فضلا عن بلدان مغاربية وأفريقية أخرى) لرفضه استقبال مواطنيه الذين دخلوا فرنسا سرا كان لها أثر فظيع على المغاربة. فما رفضت القنصليات المغربية قط إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم. تجب الإشارة إلى أن وزير الداخلية الفرنسي كان يتوجه بخطابه إلى التونسيين والجزائريين والمغاربة دون تمييز بين هذه الدول الثلاث. فالمغرب لا يمكنه أن يعتني بالمهاجرين غير الشرعيين من دول أخرى.
وكانت القيود المفروضة على إصدار التأشيرات مقصودة ومنظمة وشاملة، مما كان له تأثير على الشخصيات السياسية والفنية والرياضية، إلخ. وقد بلغنا في الآونة الأخيرة أن زعيما الدولتين تواصلا عبر الهاتف لمدة نصف ساعة. وقد تكون هذه البادرة خطوة أولى لإزالة السحب المتوترة بين البلدين.
يجب على إيمانوبل ماكرون أن يفهم الشخصية المغربية، لا لغتها، بل ثقافتها التقليدية وكيفية اشتغالها التي لا علاقة لها تُذكر مع الأنظمة الملكية الأخرى. ففي المغرب الملك هو الذي يحكم ويسود، وهو ضامن استقرار البلد والساهر على سير المؤسسات. ولا شيء يتم دون موافقته. ويبدو أنه ملك عظيم وأحد الزعماء القلائل في العالم العربي الذين يحترمون مبادئ الديمقراطية ويسهر على تجويدها وتطويرها. ومع ذلك فهو لا ينكر وجود مشكلات أو مظاهر من الخلل فيما يجب تغييره. ولذلك فهو ملك واقعي وواع وواضح. ويجب أن نعلم أن القضية الرئيسية للمغرب وللمغاربة قاطبة هو وحدته الترابية، ولا قضية تعلو فوقها، وهي في قلب جميع السياسات في البلد.
لقد اعترفت العديد من البلدان مؤخرا بمغربية الصحراء أو أنها على الأقل وصفت المقترح المغربي القاضي بمنح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية بالخطوة الجادة وذات المصداقية والمقبولة. وللأسف وقفت فرنسا أمام هذه المبادرة موقف لا يمكن وصفه إلا بالجمود وذلك مخافة إثارة استياء وغضب الجنرالات الجزائريين.
وإذا أراد إيمانويل ماكرون أن يصلح تصدعات أزمة كبرى بين المغرب وفرنسا فهو يعرف ما يجب عليه فعله وهو الاعتراف بأن الموقف المغربي موقف عادل وأن الجزائر قد جانبت الصواب في استمرارها تغذية نزاع اختلقه قبل نصف قرن هواري بومدين مما حال دون بناء مغرب عربي موحد وقوي.
عن جريدة لوبوان عدد 08/11/ 202
ترجمة الدكتور حسن الطالب؛ الفائز بجائزة الكتاب 2019 صنف الترجمة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.