رحلات سوسية تحلق في سماء جائزة ابن بطوطة الدولية

تم الإعلان في الرباط عاصمة المملكة المغربية عن جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في دورتها 23، للموسم  2025 – 2024… وعن هذه الدورة التي جرت أطوار توزيع جوائزها في رحاب المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في دورته الثلاثين برعاية ملكية سامية، يقول د. عبد النبي ذاكر عضو لجنة التحكيم:

 

 

ما ميز هذه الدورة التي فاز بها سوري ولبناني وسعودي ومصريان وسبعة مغاربة هو استكشاف نصوص رحلية غميسة من القرن السادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر، تُطبَع لأول مرة  كرحلة  (شفاء الغرام في حج بيت الله الحرام وزيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام 1329هـ/ 1911م) لمحمد بن محمد بن الحسن الحجوجي الدمناتي،  بتحقيق ودراسة الباحثة المغربية دة. حرية الريفي، والجدير بالذكر أن هذا المتن الرحلي كُتِب له أن يحلِّق بجناح الجوائز مرتيْن، مرة بفوزه بجائزة الحسن الثاني للمخطوطات، ومرة بالظفر المستحقّ بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، بالإضافة إلى تحقيق نص نفيس هو رحلة الهشتوكي (هداية الملك العلّام، إلى بيت الله الحرام) لأبي العباس الجزولي التَّملي أَحُزِي الهشتوكي (ت 1127 هـ 1715/ م)، الذي حققه ودرسه الباحث المغربي د. عبد الهادي الكديوي. وقد حظيت الرحلة المَكِّية فرنسا – الحجاز – الجزائر ( (1334-1335هـ/ 1916- 1917م)، لأحمد بن العياشي سكيرج بدراسة وتحقيق المغربي: د. محمد الأندلسي.  ولا تخفى البصمة الرفيعة للترجمة من خلال ترجمة السوري عصام محمد الشحادات لرحلة الرحالة الفرنسي الشهير قسطنطين فرانسوا فولني إلى مصر وسوريا سنوات 1783 و1784 و1785م.

كما عرفت هذه الدورة منعطفا جديدا في انفتاح الرحلة المعاصرة واليوميات على جغرافيات غير مألوفة، كرحلات محمد سالم عبادة المصري في بلادِ التِّشيك والمَجَر، وسيْر الرحالة المغربي السفير محمّد محمّد خطّابي على وقْع خَطَوَات كريستُوفر كُولُومبُوس في أمريكا الجنُوبيّة، في الوقت الذي انفتحت فيه نصوص أخرى على أساليب غير مسبوقة في كتابة الآخر، واستغوار جغرافيات الذات، وما تنوء به مما تحمله معها من حياة وأفكار وتصورات ومعايشة للآخر في فضاءات المغايرة، كما هو شأن يوميات الكاتب السعودي  مشعان المشعان في: (ما أحمله معي حياة وأسفار وتصورات أخرى)، والشاعر المترجم اللبناني عيسى مخلوف في: (باريس التي عشتُ).

وما ميز دراسات هذه الدورة أيضا هو استثمار الباحثين لما راكمته تجربة ارتياد الآفاق على مدار ما يناهز ربع قرن، وذلك باستفادتهم من نشرها لأفضل الأعمال المحققة في أدب الرحلة، وإسهامها الرائد في إحياء الاهتمام العربي بالأدب الجغرافي. وفي هذا السياق ندرج دراسة الباحث المغربي عبد الرحمن التمارة (صَدى المَشَاهد تَشكُّلُ المشَاعرِ في الرّحلة المعاصرة)، لتبقى دراسة كل من عبد العزيز جدير ومحمد النظام متفردتين في حقل الدراسات المغربية والعربية، الأولى باستبطانها للرحلة الأمريكية إلى حاضرة كوسموبوليتية هي طنجة، والثانية بخلق انتباهات جديدة تراعي خصوصية السياق الاستعماري في مقاربة نصوص الرحالين المغاربة، بعيدا عن التشنج الإيديولوجي، قريبا من  مستويات التقاطع والاختلاف.

وفي الأخير، نهنئ الفائزة والفائزين بجوائز رحالة العرب والعجم، ابن بطوطة الطنجي، ونشُدُّ على أيديهم بحرارة وهم يواصلون السير مغربًا ومشرقًا على نهج التواصل والحوار مع الآخر، الشريك الحضاري، دون استعلاء، ودون مركَّب نقص، بعيدا عن التراشق بالصور النمطية، وشيطان الاستعارات المُفلِسة.

وحري بنا أن نجدد شكرنا لمعالي وزير الشباب والثقافة والتواصل السيد محمد المهدي بنسعيد، الذي واصل الإيمان بهذا المشروع الذي كانت محطته الأولى بمناسبة الرباط عاصمة الثقافة العربية سنة 2003.

ولا ننسى أن نثمِّن عاليا جهود الشاعر السوري المغترب نوري الجراح مدير المركز العربي لأدب الرحلة في حضنه لجمرة المواصلة، رغم كل الإكراهات والكوابح، كما ننوه بسخاء الشاعر الإماراتي سموّ الأمير محمد أحمد السويدي راعي مشروع “ارتياد الآفاق”، ودعمه لاستنهاض همم نخبة من الدارسين والمحققين والمبدعين المرموقين في مشارق الأرض ومغاربها من أجل الحفاظ على الألق العربي العريق في جنس أدب الرحلة، الذي يظهر الوعي الراسخ بالاختلاف، و”ينفي عن العربي تلك الصورة النمطية التي ترميه بالانغلاق، وتكرس فكرة اللقاء بين الثقافات والحضارات”.

وعن هيمنة المغاربة على الكثير من دورات هذه الجائزة، يقول سمو الشاعر محمد أحمد السويدي: “أهنيء الفائزين جميعا، وأشيد خصوصا بالنشاط المغربي في حقل أدب الرحلة، فالدارسون والمحققون المغاربة لهم دائما قصب السبق في حقل أدب الرحلة، ولهم هذا العام، الحصة الأكبر في الإنجاز والفوز”.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading